حياتي والفيسبوك وأنا

إذا كانت الدُنيا بأسْرِها لا تُساوي عند خالِقها جناح بَعوضة، فكيف لمخلوق جعل الله لهُ لساناً وأذنَين وقلباً وعينين أن يُمحور كيانه وعلاقاتهِ بالآخرين داخل هذا العالم الافتراضي؟!

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/22 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/22 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش

إذا كانت الدُنيا بأسْرِها لا تُساوي عند خالِقها جناح بَعوضة، فكيف لمخلوق جعل الله لهُ لساناً وأذنَين وقلباً وعينين أن يُمحور كيانه وعلاقاتهِ بالآخرين داخل هذا العالم الافتراضي؟!

كيف لك أن تُقيّم قوة علاقَتِك بذاك الشخص بعدد التعليقات التي يُعلِّقها في منشوراتك، ومدى معزّة ذلك الآخر لك بمقدار إعجاباتهِ على منشوراتك؟!

أتذكّر جيداً يوم تفقدتّ صديقاً، أو كنتُ أعُدُّهُ هكذا، في صندوق الرسائل فوجدتُ رسالتين منه لما أرَهما منذ يومين فأردتُ الرد ولم أستطِع، أصبحتُ في قائمة الحظر عنده، حمداً لله أنّهُ لم يكُن من المُقربِّين.

وكيف لي أنْ أنسى صديقنا إمام َمسجدِ حيّهِم، عندما سألني صَديقين عزيزين لي وله: تفقَّدهُ لنا في قائمة أصدقائك لنتأكد أنه قام بحظرِنا أم عَطَّلَ حسابه؟ وللأسف وجدتهُ لا زال في قائمة أصدقائي، ولا أدري ما أردُّ عليهم حتى لا أكون سبباً في الفتنة، ولا أدري متى يأتي دوري أنا الآخر.

أما تَعلَم أنّ بعض الظن إثم؟! أهكذا تشتغل عقول الرجال؟
أَلاختلاف في آراء دُنيويّة في عالم افتراضي تافه تفقد أصدقاءك؟! أأصبحت العِشرة مرهونة بكبسة زر؟!

بالله لأي مدى قصُرَ نظرُك حتى أصبح لا يتجاوز السنتيمترات القليلة التي تسعُها شاشة جوالك؟!

ولأي مدى ضَعفُتْ شخصيتك الحقيقية حتى أصبحت بوَهن الزجاج الذي يُغطّي شاشته؟!

والله ما بقينا هُنا سِوى لأمر من ثلاثة؛ إمّا أنْ نُذَكِّر أنفُسنا وغيرنا بالطريق السوّي إلى الله في زمن النسيان، رغم أننا لسنا أهلاً لذلك والله، أو لنقضي علي الوحشة لأشخاص باعدت بيننا وبينهم المسافات والظروف، وإما للتسلية بمُمارسة هواية زخرشة الأفكار بلغة القرآن، ولكن ما نقول إلا ما نعتقد، وما نعتقد إلاَّ ما نقول، وما يُمثل كياننا فعلاً، ولا نريد أن نتعرَّض لحياتنا الخاصة فيه حتى لا تكون عُرضةً للقاصي والداني أولاً، وامتثالاً لأمر الصادق المصدوق في الاستعانة بالكتمان على قضاء الحوائج ثانياً.

لسنا ملائكيين، ولا نريد أن نُظهِر هذا، قد يخوننا حِلمنا أحياناً، نُشاجر ونُسامح، نُذنِب فنستغفر، نُوجّه كلماتنا لأنفسُنا قبل غيرنا؛ لأننا أحوج بها منهم؛ لنقُوَّم ما بنا من اعوجاج، ولكن ما خطر ببالي يوم أن أتلاعب بعلاقاتي مع الآخرين بسبب هذا العالم التافه حتى مع من جمعني به لقاء واحد فقط في حياتي.

إنْ اختلفنا في الآراء نتأمَّل خيراً، لعل كلماتنا تُصيب قلوبهم فتُصلح منهم ولعلّنا مُخطئون فتُصيبُنا كلماتهم فنتعلم منها؛ لأن بداية الربيع زهرة، وبداية الحرب رصاصة أيضاً، وأنت مَن تختار..

يا رجُل في سِنِّكَ هذه لأي مدى خفّ عقلُك حتى أصبح لا يتجاوز تلك الغرامات التي يزنُها جوّالك؟!
هل الفيسبوك جعلنا تافهين لهذه الدرجة؟ أما نحنُ تافهون وكُنّا فقط بحاجة إلى مثل هذا لتَظهر تفاهتنا بوُضوح؟!

صديقي.. لا تعطِ هذا العالم أكثر من حجمه، فعندما ستموت مَن سيحملك على أكتافهم هُم أصدقاؤك الحقيقيون، ليس من يُكثر لك من تعليقاته وإعجاباته، وعندما ستموت لن ينتظرك ملك الموت حتّى تعمل sing out لحسابك، وعندما ستموت جوالك هذا لن يجده أحد حتى، سيضيع بين ولولة الآخرين على فِراقك.. هو هكذا لا تعطِه أكثر من حجمه.

لا تجعل علاقاتك الاجتماعية رهن هذا العالم، ولا حياتك الخاصة عُرضةً كلّها فيه، لماذا جُعِلت لبيوتنا أسقُف إذاً؟!

لا تغُص كثيراً فيه حتى لا يأتي اليوم الذي تمتلك فيه مُجتمعَين وحياتَين، وشخصيتَين أيضاً، إحداهما افتراضية، وأخرى حقيقية، ولا تستطيع أن تُمَيَّز أيهما أنت!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد