يكفي أن تكتب اسم عماد العتيبي في خانة محرك البحث على موقع فيسبوك، حتى تصل إلى عشرات النتائج، حيث ينتشر اسمه وصورته في كل مكان، رغم أن وجهه لا يظهر فيه أي شيء بسبب الضربة التي تلقاها على رأسه، الخميس 20 يوليو/تموز 2017، إثر الاحتجاجات التي اندلعت بمدينة الحسيمة الريفية شمال المغرب، التي واجهتها الشرطة بعنف.
واستسلم جسد عماد لأجهزة التنفس الاصطناعي بالمستشفى العسكري في مدينة الرباط، بعد أن تم نقله على عجل إليه بمروحية، فيما تستقبل السماء منذ حينها دعوات الأهل والأصحاب، الذين لا يُخفي البعض منهم أنهم فقدوا الأمل في عودته إلى الحياة.
البداية..
كل شيء كان عند عماد مرتباً يوم الخميس؛ شعارات وأعلام، وصور للمقاوم الراحل محمد بن عبد الكريم الخطابي، وأيضاً للمعتقلين على خلفية احتجاجات الريف التي تستمر منذ 9 أشهر دون توقف، ففي ذلك اليوم كان على موعد مع مظاهرات حاشدة دُعي إليها بالمدينة، وأيضاً على موعد مع ضربة اختلفت الروايات فيها، بين قائل إنها كانت من قنبلة مسيلة للدموع أطلقها شرطي على بعد مترين من الشاب، وقائل إنها كانت من حجر كان يتراشق به المتظاهرون ورجال الشرطة، لكن الجميع اتفقوا على نهاية ذلك: شاب في بداية عمره يرقد في المستشفى ويُجابه الموت.
نقطة الخلاف حول عماد، ابن مدينة بوجيبار نواحي مدينة الحسيمة، لم تكن فقط حول طريقة إصابته، بل أيضاً عن عمره، فالبعض يقول إنه طفل لم يتجاوز 16 سنة، فيما يؤكد آخرون أنه عاش حتى اليوم 21 عاماً أو أكثر، ويتمنون له المزيد.
صمت الأخ
حاولت "عربي بوست" التأكد من ذلك بالحديث إلي شقيقه، لكن صوته القادم من سماعات الهاتف الذي يحدثنا عبره من داخل المستشفى كان مجرد نحيب وكلمات غير مفهومة، قال فقط إن "أخي حالته خطيرة"، وأقفل الخط.
صوت شقيق عماد كان خافتاً مكسوراً من وراء السماعة، فبعد رنات متواصلة، يرد على اتصالنا من جديد بدارجة مغربية تغلب عليها لكنة أمازيغ الريف، ويضيف: "حالة أخي خطيرة، هو في قسم الصدمات في المستشفى العسكري، لا أعرف غير ذلك، هل هو حي أم ميت، لا أعلم"، صمت لثوانٍ، ثم أنهى المكالمة هكذا: "شكرا لكم، دعيو مع خويا".
بعد ساعات، قرَّرنا إجراء اتصال آخر معه، لا شيء تغير؛ نبرة الصوت نفسها، يغلب عليها الشجن، وصمت كثيف يُحاول أن يُخفي وراءه بكاءه، فأطباء المستشفى أخبروه أن شقيقه يخضع في تلك الأثناء لعملية جراحية على مستوى الرأس، في الوقت الذي تضج صفحات نشطاء الحراك في فيسبوك والمتضامنين معه بأخبار تفيد بوفاة الشاب.
رواية أخرى وعائلة تنتظر
وعن إصابته، تقول رواية أخرى تناقلها نشطاء الريف، إن عماد أصيب بضربة قوية انهالت على رأسه، لكن القنابل المسيلة للدموع التي استعملتها عناصر الأمن لتفريق المتظاهرين أزَّمت وضع الشاب، لينقل على وجه السرعة إلى مستعجلات أكبر مستشفى في المدينة، التي لا تتوفر على المعدات لعلاجه، فأرسلته إلى العاصمة الرباط.
حالة عائلة عماد ليست أحسن من حالة ابنها، فالأسرة ترابط في مدينة الحسيمة، عاقدة الأمل، عيونها على الهاتف، لعل أخباراً مفرحة تأتي من العاصمة، وتخبرها أن ابنها قد تجاوز مرحلة الخطر، وحالته الآن مستقرة، لكن لا شيء تأكَّد لحدود الساعة، بل مجرد مؤشرات مبهمة وأخبار متضاربة.
أما رسمياً، فقد اكتفت سلطات مدينة الحسيمة صباح الجمعة، 21 يوليو/تموز 2017، بالإعلان أن أحد المتظاهرين أُصيب في مظاهرات اليوم الذي قبله، "وقد تم نقله في وضعية حرجة، لكن حالته الصحية الآن مستقرة، ويخضع للعلاجات الطبية الضرورية".
وشهدت مدينة الحسيمة المغربية مسيرة احتجاجية الخميس، 20 يوليو/تموز، دعا لها نشطاء من أجل الإفراج عن معتقلي حراك الريف، قبل أن تتحول إلى حالة كرٍّ وفرٍّ وسط مواجهات استخدمت فيها قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع.
وحاصرت السلطات المغربية عشرات المتظاهرين الذين شاركوا في المسيرة، التي كان قائد حراك الريف المعتقل ناصر الزفزافي قد دعا لها في وقت سابق قبيل اعتقاله، فمنعتهم من الاستمرار في التظاهر وفرَّقتهم بالقوة.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2016، تشهد الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف شمال المغرب، احتجاجات متواصلة؛ للمطالبة بـ"التنمية ورفع التهميش ومحاربة الفساد".