كان كل شيء على ما يرام، شقة في الطابق الثاني من عمارة لا يسكنها إلا الموظفون، سيارة اقتصادية جميلة صفراء تَسُرُّ الناظرين، ووظيفة محترمة بشركة ذات رأسمال لا يوحي بِأزمات مالية مستقبلاً.
كان كل شيء وردي اللّون، حتى إن وسادات غرفة نومها كانت وردية وتُغَيرها كل يوم سبت بِحُبٍ وعناية.
جميلة جداً.. قبل زواجها كانت سندريلا الكُلية وكليوباترا الحَي، وخُطّابها كانوا فعلاً دكتور، ومهندس، وربان، ولكنها اختارت (أحمد)… اختارت رُبّانَ قلبها ومهندسه والطبيب، اختارته لأنها أحبته وكان كذلك.
بداية سنة 2017، عيادة الطبيب، الساعة العاشرة والنصف صباحاً وكان كل شيء على ما يرام، حتى إنها كانت تُطالِعُ آخر صَيحات الموضة في مجلة نسائية بقاعة الانتظار بعد أن مَلّت تَصفُّح الموقع الاجتماعي الذي تملك فيه صفحة باسم (اصنع أملاً من لا شيء).
جاء دورها، والطبيب يحمل نتائج التحليلات الطبية، ينظر إليها وهي مبتسمة في وجهه وتنتظر كلمته المعهودة عند استشارته وهو يطمئنها (كل شيء على ما يرام ليلى)، لكن هذه المرة زاد صمته على المعهود، وارتباكه كان واضحاً في طريقة جلسته غير المستوية فوق كرسيه..
(ليلى، للأسف ولن أطيل عليك.. عندك سرطان ثدي… وهذا ما أكدته لي كل الفحوصات والتحاليل… لم أرد أن أشاطرك شكّي ولكن هذه المرة التأكيد وصلني… آسف سيدتي).
ما بين العاشرة والنصف من نهار ذلك اليوم والسادسة والربع من مساء يوم شتوي تغيرت العديد من المَشاهد… وسادات غرفة النوم لم تتغير، ورود المزهرية ذبلت، وفيروز لم تعد تغنّي في المطبخ (كيفك اِنت)..
كل شيء تغير في حياة ليلى، حتى صدرها لم يعد متوازناً كما كان… لم تعد تملك شيئاً، نفرها أحمد لأجل ذلك الخط الذي حلّ محله… صارت في نظره نصف أنثى، ذلك ما أكدته خطواته، وهو خارج من عيادة الطبيب، حاملاً بين يديه ملفها الذي يثبت أنها امرأة مصابة بالسرطان ولا تحمل إلا ثدياً واحداً.. فمُحاميه ينتظر موعد رفع جلسة الطلاق.
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.