حضورٌ فلسطينيٌّ في الشِّعر الهولنديّ

ربّما تأبى فلسطين، هذه الدُّرّةُ الثمينة، إلّا أن يسطعَ نجمُها في كافة البقاع والمجالات؛ فَمِن حيث تولّي وجهك سَيُطالعُك اسمُها الأغرّ أو شعبُها الولود، أو شِيبُها أو شبابُها أو شعراؤها الذين مزجوا أشعارَهم مع بيرق فلسطين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/17 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/17 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش

ربّما تأبى فلسطين، هذه الدُّرّةُ الثمينة، إلّا أن يسطعَ نجمُها في كافة البقاع والمجالات؛ فَمِن حيث تولّي وجهك سَيُطالعُك اسمُها الأغرّ أو شعبُها الولود، أو شِيبُها أو شبابُها أو شعراؤها الذين مزجوا أشعارَهم مع بيرق فلسطين.

وقفةٌ سريعةٌ في قرطاس الشعر الهولندي لم تَدُم طويلاً، كانت كافيةً لاستنباط اسم فلسطين من بين كواليس ذلك الشعر الذي حملَ اسم فلسطين فترةً من الزمن ليست بالبعيدةِ ولا القاصيةِ أبداً، بل إنها لا تتعدّى من الزمن عِقداً ونيّفاً.

فَلِئن سألتَ الأديبَ الهولندي وهُوَاة الشِّعرِ في هولندا عن أول شاعرٍ أجنبيٍّ تربّعَ على عرشِ الشعراء في هولندا، فإنّهم سيكونون مضطرين إلى لفظِ اسم فلسطين في إجابتهم، وذلك حين يقولون لك: إنّه الشاعر الهولندي ذو الأصول الفلسطينية رمزي نصر الذي لم يقتصر إبداعه في هولندا فحسب، بل في بلجيكا كذلك، إذ نالَ مفاتيحَ الشعر لمدينة إنتفربن البلجيكية لمدة سنةٍ كاملة من عام 2005 حتى عام 2006 م.

لمن لا يعرف رمزي نصر فهو شاعر فلسطيني من مواليد مدينة روتردام الهولندية من أبٍ فلسطينيٍّ وأمّ هولندية، وربّما شكّلَ هذا التضارب العربي الهولندي مزاجيّةً خاصةً لدى رمزي، جعلته يختلف تماماً عن بقية الشعراء الهولنديين ويرفض أن يُنسَب إلى التقليديين من الشعراء، أو ما يُعرَفون باسم الشعراء الرومانسيّين، أو حتى الطبقة الشعرية الأولى في هولندا أمثال الشاعر الهولندي الشهير ماريا الذي لم يخرج عن المألوف إلا حين تهكّمَ على المرأة الهولندية التي سلبت الرجل كل ما لديه في الحياة قائلاً في قصيدته التي سماها الزواج: أعطيتُكِ كل شيء حتى قصيدتي ومرتّبي الشهري وطفلي، كي تذهبي إلى المطبخ وتعدّي وجبة الطعام.

ولكنّ رمزي نصر تمرّد على كل هذا؛ إذ قال: شِعري هو أنا بكل تناقضاتي.
وقد تصاعدَ هذا الاختلاف بينه وبين الشعراء الهولنديين حتى وصلَ الأمر إلى درجة الخصومة والنّديّة، وذلك حين نظمَ رمزي قصيدته (أرض آبائي الجديدة) على وزن النشيد الوطني الهولندي، الأمر الذي أثارَ انفعال اليمين المتطرف المعادي للعروبة والإسلام في هولندا بقيادة ڤيلدرز،

ولكنّ رمزي لم يُعِر لتلك الصيحات أي اهتمام، بل على النقيض تماماً، راح يبحثُ في جغرافية هذا الكون عن فلسطين، كي لا يبقى مجرّدَ فلسطينيٍّ في الأندية والأسواق الأدبية، ولذلك فقد زار رمزي نصر (كوفي شوب الديوان) في مدينة رام الله في فلسطين عام 2005 ووعدَ بتعلّم اللغة العربية، ولم يضطر إلى اجتياز الحواجز الإسرائيلية كمواطن عادي يتعرض للمضايقات، بل فرضَ احترامه على الجنود الإسرائيليين على أنّه أديبٌ له من الاحترام ما له، وفي الوقت نفسه لم يتخلَّ رمزي عن فلسطين أثناء اجتيازه لتلك الحواجز، بل راح يُصدر تصريحاتٍ تذكّر الإسرائيليّين بأصوله الطاهرة المطهّرة، وذلك حين قال: يظنّ البعض أنني محظوظٌ، ولكنني أشعر بالغضب،

شعبٌ بأكمله عالقٌ هنا لا يملك القدرة على السفر أو القرار فيما يخصّ حياتهم اليومية، فأنا لا أصدّق أنّ العالَم يرى ما يعانيه الفلسطينيون ولا يحرّك ساكناً، فأنْ تعيش في ظل نظام لا إنساني كالذي يفرضه الاحتلال فهذا بحدّ ذاته نصرٌ يوميٌّ للفلسطينيين، أنا شخصيّاً أرى كل فلسطيني بأنّه بطل.

إذاً هكذا كان لفلسطين الحضور الواضح في تصريحات رمزي، بل إنه لم يتجاهلها في التعريف عن نفسه عندما كان يُطلَب منه ذلك، فكان يقول: لا أملك جواباً دقيقاً حول هذا السؤال، ولكنني فلسطينيٌّ في أصلي، أوروبيٌّ في ولادتي وتربيتي.

واضحٌ تماماً مؤاثرته فلسطين على مسقط رأسه هولندا..
ولو أردنا التطرّق إلى إنجازاته الأدبية، لوجدنا أنّ اسم رمزي نصر لم يتربع على عرش الشعر الهولندي فحسب، بل كان للمسرح الفني وللرواية كذلك وافر الحظ والنصيب من أدبياته، وذلك إلى جانب تفوّقه الشعري.

ولرمزي نصر ثلاث مجموعات شعرية؛ الأولى بعنوان (27 قصيدة دون أغنية)، والثانية بعنوان (الأزهار المرتبكة) وقد فازت هذه المجموعة الشعرية بجائزة هيوسي بيرناث عام 2004 وقد ظهرت عدة طبعات لها.

أمّا مجموعته الشعرية الثالثة فهي بعنوان (سيدتنا زيبيلين)، وقد أعيد طبع الأعمال الثلاثة الأولى عام 2009 تحت مسمّى السنوات الأولى.

وبالتعريج على أدب الرواية عند رمزي، فإننا نقول إنّ روايته الأولى أصدرها عام 2001 وكانت بعنوان (كابتن زايكسوز وثقافتان) وقد ترجمت إلى اللغة الإنكليزية.
وقد أثنى الكثير من الشعراء والنقّاد على أدبيّات رمزي، مثمّنين جهوده الكبيرة الرامية إلى إضافة ثقافة جديدة إلى القارة الأوروبية، وهذا ما قاله الشاعر الهولندي ذو الأصول المصرية عماد فؤاد الذي قال بأنّه لم يتخيّل يوماً أن يتوّج شاعرٌ فلسطينيّ كواحدٍ من أهم شعراء هولندا، بل إنّ رمزي نصر قد فاز بلقب شاعر البلاط الهولندي عام 2009 م.

فضمّدي جراحك يا فلسطين بعقاقير الشعراء والأدباء الذين ما نسوكِ وما هجروكِ في ذواكرهم، وما يُدريكِ، فكثيرةً هي الكلمات التي يكون لها أزيزٌ على الأعادي يفوق أزيزَ الميادين، ولا نزال بانتظار ولادةٍ لكِ جديدة والتي نراها دائماً قابَ قوسين أو أدنى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد