إثراء المحتوى العربي على الإنترنت

خلال بحثي المستفيض بالسنوات الماضية، وجدت أن أكثر التقارير تفاؤلاً عن حجم المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية تشير إلى أنه لا يتعدى الـ 3 بالمائة من إجمالي المحتوى الرقمي، وهو رقم هزيل ومجحف، إذا ما قورن بعدد الناطقين باللغة العربية، 360 مليون نسمة، أي ما يعادل 7 بالمائة من تعداد السكان العالمي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/17 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/17 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش

في كل مرة كنت أرغب فيها بالبحث عن موضوع ما على الإنترنت كنت أكتب سؤالي باللغة الإنكليزية دون أدنى دراية منّي عن سبب اختياري لهذه اللغة، فقد كان الأمر يحدث بالسليقة ودون تحليل لهذا التوجه، إلى أن كبر ابني البكر، وأدركت أنه بحاجة للتقوية باللغة العربية، كونه قد التحق بمدرسة دولية، ولندرة وجود كتب تعليم للغة العربية بطريقة سلسة للأطفال، قررت البحث له عن بديل من خلال الشبكة العنكبوتية وهنا كانت الطامة؛ ففي كل مرة كنت أضع استفساراً بمحرك البحث كانت تردني نتائج بحث تُختصر بعدد من الروابط معظمها لا يرقى للمستوى ما بين تكرار النتائج، كونها قد نسخت وقصت ولصقت، وبين عدم ارتباطها باستفساري!

حينها فقط أدركت السبب وراء استخدامي للغة الإنكليزية عندما أقوم بالبحث عن موضوع جاد من خلال الإنترنت، فالمحتوى العربي ينقصه الأصالة؛ حيث إن 20 بالمائة منه أصيل، والباقي منسوخ ومتكرر.

خلال بحثي المستفيض بالسنوات الماضية، وجدت أن أكثر التقارير تفاؤلاً عن حجم المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية تشير إلى أنه لا يتعدى الـ 3 بالمائة من إجمالي المحتوى الرقمي، وهو رقم هزيل ومجحف، إذا ما قورن بعدد الناطقين باللغة العربية، 360 مليون نسمة، أي ما يعادل 7 بالمائة من تعداد السكان العالمي.

التقارير تشير أيضاً إلى أن منطقة الشرق الأوسط تُعد من أعلى نسب المستخدمين من حيث التفاعل والتحميل والمشاهدة لمواقع عدة كموقع اليوتيوب على سبيل المثال، في حين أن نسبة المحتوى العربي على الويكيبيديا العربية متدنية، فهي لا تتعدى الـ 1 بالمائة وهي تضم 337000 مقالة و400 ألف مستخدم مسجل.

وتعد هذه الموسوعة الإلكترونية الأكثر استخداماً على مستوى العالم، فترتيبها السادس بقائمة أكثر المواقع شعبية، وتحتوي النسخة الإنكليزية منها على 4614000 مقالة، ولديها 15 مليون مستخدم مسجل.

التقارير تشير إلى أن ترتيب النسخة العربية منها هي 26 من حيث الحجم، مقارنة باللغات الأخرى، فهناك لغات عدد مُتحدثيها يقارب عدد سكان عاصمة عربية، ورغم ذلك ترتيبها أعلى من نسختنا العربية، كالموسوعة الكتالونية التي تحتل المركز 13.

إن أحداً لا يستطيع أن ينكر مدى أهمية الإنترنت بوقتنا الحالي، لتبادل المعلومة التي تعتبر حجر الزاوية لبناء نهضة وثقافة وحضارة الأمم، لكننا بصدد مشكلة ذات أبعاد مخيفة، عندما نكتشف أن المتاح باللغة العربية هو دون حد الفقر، الأمر الذي سينعكس على إرثنا التاريخي والثقافي، ناهيك عن تطورنا بالمناحي التكنولوجية والعلمية.

إن إثراء المحتوى العربي على الإنترنت كماً وكيفاً ونوعاً هو مسؤوليتنا جميعاً؛ للحفاظ على هويتنا ولغتنا العربية وتراثنا ولتعزيز مخزوننا الثقافي والحضاري الرقمي؛ لتمكين مجتمعاتنا بجميع أطيافها للوصول للمعرفة والفرص الإلكترونية كالفرص الاستثمارية والاقتصادية لخدمة المجتمعات العربية والإسلامية، وهو أمر لا يخص جهة معينة، ويحتاج لتضافر مختلف الجهود، فلا يخفى على أحد أن الاقتصاد المعرفي من أهم ركائز الاقتصاد العالمي، فإلى متى سنبقى مجتمعاً مستهلكاً للمحتوى بدلاً من مجتمع معرفي صانع ومنتج للمحتوى؟

لا بد أن الكثير منكم قد استرعى انتباهه أن اهتمام شبابنا ينصب على الجانب الترفيهي، لكنني لا أستطيع لومهم، فالمحتوى العربي سخيف تافه ينصب على الفضائح والكوميديا، يفتقر للمواد العلمية وللبرامج المتخصصة على المواقع الإلكترونية، كما يفتقر للأبحاث اللغوية والقرآنية.

من المحزن أن كتابنا المبين قد شدد على ضرورة الاهتمام باللغة العربية "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"، وعلى ضرورة توثيقها "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ"، ورغم تشديده على هاتين الحقيقتين فإن غالبية النسخ القرآنية الإلكترونية تحتوي على الكثير من الأخطاء اللغوية.

أذكر أن صديقاً مقرباً لي قد أخبرني أن القرآن الكريم يحتوي على 77431 كلمة، وأن أطفال الزمن الجميل كانوا يتعلمون 50 ألف مرادفة من القرآن الكريم بعمر العشر سنوات، وأن من يرغب بتحسين لغته العربية فعليه بدراسة القرآن الكريم، فاللغة العربية -وما تشمله من النحو والصرف- والقرآن وجهان لعملة واحدة.

لكنني لم أجد سوى برنامج المتدبر الذي يحتوي على جميع ما يحتاجه الباحث بمجال الدراسات الإسلامية واللغوية على الشبكة العنكبوتية!

ترى لمَ هذا التقصير؟ أتُراه متعمداً لنبقى محصورين بالقوقعة التي وضعونا بها؟!

طوّر القائمون على برنامج المتدبر آلية لتفسير معظم آيات وكلمات القرآن من داخل القرآن نفسه، ودعموا ذلك بالكثير من الخيارات المساعدة للوصول لفهم الآيات بالشكل الصحيح، وعملوا على تطوير طرق البحث باستخدام جذر أو كلمة مطابقة مع أو بدون تشكيل وبحث جزئي مع أو بدون تشكيل، وطوروا محرك بحث احترافياً باستخدام أحرف معينة داخل كلمة معينة بترتيب معين أو بدون، بالإضافة إلى اختيار البحث فقط بأسماء أو أفعال، وأدرجوا معظم المعاجم المهمة والأساسية، وأنشأوا قاعدة بيانات للآيات والكلمات المتكررة والمتشابهة بالقرآن الكريم؛ لأن التكرار بالقرآن لا يكون إلا للفت الانتباه لموضوع معين، وهذا لإثراء فهمنا لبعض الآيات بشكل كبير.

كما أضافوا قواعد بيانات تحتوي على الاختلافات في رسم بعض الكلمات القرآنية عن الرسم الإملائي؛ لما له من مدلولات تساعد بفهم القرآن بشكل أفضل، ولإثراء موقعهم لغوياً قاموا بإدراج أربعة مصادر لإعراب القرآن الكريم كاملاً ومصدر واحد لمجاز القرآن، وأضافوا فتح الرحمن لمعربات القرآن وكوربس قرآن، وهو من أضخم البرامج لتحليل كلمات القرآن.

إن مكتبة المتدبر تحتوي على أكثر من 26 ألف كتاب قابل للتحميل بمجالات القرآن الكريم واللغة العربية لإثراء متدبر القرآن.

رغم شعوري بالفخر بأن مَن قام بإعداد هذا التطبيق هم شباب أردنيون، وهو ليس بالجديد على النشامى، فالأردن رغم محدودية مواردها وتعدادها السكاني، قد تمكنت من وضع بصمتها بصناعة وإثراء المحتوى العربي على الإنترنت؛ حيث بلغت نسبة مشاركتها نحو 75 بالمائة من مجمل المحتوى العربي، ولكن للأسف مثل هذه المواهب التي تعمل بمجال تطوير التطبيقات والبرمجيات لا تجد مَن يتبناها ويصقلها وينظمها ويشجعها، وهو أضعف الإيمان لتشجيع إثراء المحتوى العربي، وخلق محتوى يستفيد منه الآخرون.

إن ذِكري لتجربة هؤلاء النشامى هو لحَثّكم على التفكير بسؤال لطالما راودني: كيف نبني الحاضر حتى نصل للمستقبل وشبابنا لا يجدون من يدعمهم؟!

* رابط موقع برنامج المتدبر لمن يرغب بتصفحه:

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد