سيبقى وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في منصبه سنتين كحدٍ أقصى. وهو رجلٌ جليل جاء إلى واشنطن مدفوعاً بشعوره الوطني بالرغبة في فعل شيءٍ من أجلِ بلاده. وليس هناك ما يدعو لتوقُّع اتهامه فيما بعد بتُهَم الفساد المرتبطة بأجزاء أخرى في الإدارة.
وقد أثبتت حياته المهنية السابقة أنَّ لديه القدرة على الإدارة والقيادة، التي أعطته خبرة واسعة في إدارة الأعمال في الخارج. وقد وُلد تيلرسون عام 1952 في ولاية تكساس، وحصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1975. ويُدير تيلرسون شركة إكسون موبيل النفطية منذ عام 2006. وقد قلّده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسام الصداقة عام 2012، وفق ما ذكرت موسوعة ويكيبيديا.
لكنَّ الإحباطات التي يلاقيها في منصبه الحالي ستكون أكبر بكثير مِن قدرته على التحمُّل لفترةٍ طويلة، وفق ما ذكرت مجلة National Interest الأميركية.
وبعض هذه الإحباطات نابعة مِن طبيعة رئاسة ترامب. فالإدارة ببساطة ليس لديها سوى مجال ضيق للدبلوماسية، على الرغم من رغبة ترامب الكبيرة في الحديث عن إبرام الصفقات. وتُعَد الاقتطاعات الكبيرة المُقتَرحَة على ميزانية وزارة الخارجية واحدةً مِن أكثر المؤشرات وضوحاً على ذلك. وهناك مؤشر آخر كذلك يتمثَّل في ترك أكبر دبلوماسي في البلاد، وهو وزير خارجيتها، خارج دائرة صنع القرار الأهم في السياسة الخارجية.
ويُعَد عمل الرئيس لتحقيق أهداف تناقض ما يحاول تيلرسون إنجازه مصدر إحباط آخر ذي صلةٍ بالأمر. وهذه الحال ليست مقتَصرة على أعمال وزارة الخارجية، فوزير خارجيتها ليس الوحيد الذي قوَّض ترامب أعمالَه مِن بين كبار المسؤولين. لكن ربما كان المثال الأبرز على هذا التقويض هو الطريقة التي أدَّى بها انحياز ترامب بشدة إلى السعودية إلى تعقيد جهود تيلرسون لحل الصراع بين قطر ومُنافسيها في الخليج العربي.
وهناك كذلك عدم الراحة التي تنتاب وزير الخارجية حين يتوجَّب عليه الدفاع عمَّا لا يمكن الدفاع عنه، في مسائل مثل التغيُّر المناخي والتجارة. وعلى تيلرسون فعل ذلك في وقتٍ وصلت فيه الثقة الخارجية بإمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بعمل الشيء الصحيح في الشؤون العالمية إلى الحضيض.
وتتعلَّق الصعوبات الأخرى التي يواجهها تيلرسون بالاختلافات بين خبرته التجارية والعمل في الحكومة الأميركية، رغم أنَّ بعض هذه الصعوبات تتفاقم بسبب نزعات إدارة ترامب. فحين شغل تيلرسون منصب الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل، كان يتحمل المسؤولية بالكامل. وهو ليس المسؤول حالياً، وليس هذا فقط لأنَّه يُقدِّم تقاريره إلى الرئيس. فهناك العديد من المصالح السياسية التي تؤدي لأوضاع معقَّدة لم يكن مضطراً لمواجهتها كمدير أعمال.
وجعل تعاقب الإدارات الأميركية، الذي أصبح ظاهرةً أخرى في واشنطن، عمل تيلرسون أكثر صعوبةً، ولا يشبه أيَّ شيءٍ في حياته المهنية في التجارة. وقد انتُقِد تيلرسون حين بدا أنَّه يعطي أولوية أكبر لوضع خطة تهدف لإعادة تنظيم وزارة الخارجية أكثر مِن ملء الوظائف الشاغرة في الهيكل التنظيمي القائم.
إضافةً إلى ذلك، هناك العديد مِن صدامات المصالح الخارجية التي يجب على وزير الخارجية أن يتعامل معها، والتي لن تختفي، كما لا يمكن تجاهلها ببساطة. فخلافاً لما يحدث في عالم الأعمال، حيث يعني عدم التوصل إلى اتفاق أن تتوجَّه إلى حقولٍ نفطيةٍ أخرى للاستثمار فيها، لا تكون هذه الخيارات غالباً متاحةً في السياسة الخارجية.
لقد جعل تيلرسون محاولته لحل النزاع بين دول الخليج أبرز معاركه الشخصية في حل المشكلات الدبلوماسية الدولية، لكنَّه يعود إلى بلاده خالي الوفاض. وفي نهاية جولته، لم يعلن كم كان "مُنهَكاً" فحسب، بل أدلى بتعليقاتٍ صريحةٍ حول كيف كان هذا العملُ مختلفاً عن عمله كرئيسٍ تنفيذي لشركة إكسون موبيل، وأيضاً مدى صعوبة التعامل مع صناعة القرار "المُجزَّأة" في الحكومة الأميركية. وفي الوقت نفسه، لا يزال الصراع في الخليج العربي يُمثِّل مشكلةً للسياسة الخارجية للإدارة الأميركية.
وقبل الرحلة، زار تيلرسون تركيا ليتسلَّم جائزة نظير إنجازاته التي حقَّقها طوال حياته مِن مجلس البترول العالمي. وقال في تصريحاته للمديرين التنفيذيين لشركات النفط: "أفتقدُكم جميعاً، أفتقدُكم كزملاء، أفتقدُكم كشركاء، أفتقدُكم كمنافِسين، وأفتقدُ المناقشات الصحيَّة، والتعاون، والإنجازات غير المسبوقة التي حققناها". وعلى خلفية وظيفته الحالية، ونقاشاتها غير الصحية، والتعاون المعطوب جداً، والفشل في تحقيق أية إنجازات، لا شك أنَّ تلك الكلمات كانت مخلصة وصادقة.
في النهاية، لن يعود تيلرسون كمديرٍ لشركة نفط، وستجعله تجربته السياسية في واشنطن يشعر بأنَّه يستحق تقاعداً أكثر مِن أي وقتٍ مضى. وعلى الأرجح يَعُدُّ تيلرسون بالفعل الأيام التي تجعله يقضي وقتاً كافياً في وظيفته الحالية حتى ينسحب بشكلٍ ملائم.