بعد جولة وساطة مكوكية بين أطراف الأزمة الخليجية، غادر وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الدوحة، الخميس 13 يوليو/تموز 2017، وقد أدرك أنه شتان بين عملية صناعة القرار "المفككة" في حكومة بلاده، وقيادة شركة إكسون موبيل العملاقة "متينة البنيان الهيكلي" والتي سبق أن ترأسها، حسب تقرير لـصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
كان قد بدا أن بصيصاً من الأمل يلوح في الأفق؛ عندما شوهد تيلرسون ونظيره السعودي عادل الجبير منهمكَين في حديث مطول، الأربعاء الماضي 12 يوليو/تموز الجاري، بصالة المطار الملكية في جدة، ثم انهمكا في التفاوض معاً من جهة والتشاور عبر الهاتف من جهة أخرى.
إلا أن تيلرسون، لدى مغادرته جدة مساء الأربعاء، لم يقم بإعلان إحراز تقدم تدريجي يبتسم فيه ابتسامته المعهودة؛ بل إنه لم يفتح فمه حتى استقل طائرته المغادرة للدوحة يوم الخميس، عندها تحدث للصحافة قائلاً: "أنا متعَب، أنا متعَب، كانت رحلة طويلة".
ولما سُئل عن أكثر ما فاجأه في منصبه الجديد، أجاب: "حسناً، إنه يختلف كثيراً عن منصب المدير التنفيذي لشركة إكسون؛ لأنني كنت حينها صانع القرار النهائي، فهذا دوماً يجعل الحياة أسهل"، متابعاً الحديث بشغفٍ عن الانضباط الذي يحكم عملية صنع القرار في شركة البترول الأميركية العملاقة، قائلاً: "إنه (أي الانضباط) يسمح لك بأن تنجز الكثير، فتنجز الكثير بطريقة كلها كفاءة".
ثم قارن ذلك بصناعة القرار في حكومة بلاده، قائلاً: "لكن تلك المواصفات ليست في حكومة الولايات المتحدة الأميركية، ولست هنا أنتقد؛ بل هي مجرد ملاحظة لحقيقة واقعة، فالحكومة عبارة عن منظمة غير منضبطة إلى حد كبير، وصناعة القرار عملية مفككة، وأحياناً يأبى البعض فيها اتخاذ القرارات، كما أن التنسيق بين وكالاتها ومؤسساتها وجهاتها أمرٌ صعب؛ ولطالما كان الأمر كذلك في كل إدارة"، ثم أضاف: "ورئيسنا أيضاً ليس هو الآخر من عالم السياسة".
وخاض تيلرسون، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، جولةً دبلوماسيةً لمحاولة حلحلة الأزمة الخليجية، التي بدأت يونيو/حزيران 2017، عندما أعلنت مصر والسعودية والإمارات والبحرين مقاطعة قطر، وفرضت الثلاث الأخيرة حصاراً على الدوحة، قبل أن تطلب من قطر الاستجابة لقائمة من 13 مطلباً، اعتبرت قطر بعضها يمثل انتهاكاً لسيادتها، فيما أكدت دول الحصار تمسُّكها باستجابة قطر للمطالب الـ13 جملة واحدة، مهدِّدة باتخاذ إجراءات تصعيدية ضد الجارة الخليجية في حال رفضت الاستجابة.
وتتهم دول الحصار قطر بـ"دعم وتمويل منظمات إرهابية"، و"التحريض على زعزعة الاستقرار بدول المنطقة من خلال قناة الجزيرة"؛ ومن ثم تضمنت المطالبات إغلاق شبكة الجزيرة، وهو ما رفضته قطر، التي وقعت قبل أيام اتفاقية مع وزارة الخارجية الأميركية ضد "تمويل الإرهاب"، أشاد بها تيلرسون، الذي التقى الخميس الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، وأجريا مشاورات بخصوص اللقاءات التي عقدها تيلرسون قبل يوم مع وزراء دول الحصار.
وماذا بعد؟!
بعد 3 أيام من رشف الشاي مع الملوك والأمراء والجلوس على الأرائك البيضاء في القصور الفخمة، عاد تيلرسون بخُفَي حُنين، ليقول إنه لا حل يلوح في الأفق للأزمة الخليجية الراهنة!
وأضاف تيلرسون: "حالياً، لا يتحدث الطرفان معاً بعضهما إلى بعض ولا على أي مستوى"، مضيفاً أن بعض القضايا التي حدتْ بالدول الأربع لفرض الحظر على قطر هي على قدرٍ من التعقيد، لدرجة أن "التوصل إلى حل أخير قد يستغرق وقتاً طويلاً".
وتابع: "تعرفون أن كل هذه الدول الأربع مهمة جداً للولايات المتحدة، والسبب في مجيئي لأهتم بالأمر بشكل مباشر هو أننا بحاجة لاستقرار هذا الجزء من العالم، وطبعاً واضحٌ أن هذا الخلاف بالذات بين هذه الأطراف لا يساعدنا".
ولعل أحد الأسباب التي حالت دون التوصل إلى اتفاق، يتعلق باحتضان الرئيس ترامب للعاهل السعودي الملك سلمان ودعمه الكامل له، حيث يُعتَقدُ أن الدعم الكبير الذي قدمه ترامب قد منح المملكة الثقة لتمضي وتفرض حصارها وتتشبث به وتصم آذانها عن مناشدات تيلرسون وإلحاحه، بحسب الـ"نيويورك تايمز".
وبينما كان يهمّ بمغادرة قطر يوم الخميس، صافح تيلرسون يد الشيخ محمد بن حمد آل ثاني، شقيق الأمير تميم، حيث سُمِع الأول يودع تيلرسون، قائلاً: "نأمل أن نراك ثانية في ظروف أفضل".