عندما أطلعت معارفي على أنني أجريت دورة تأمل صامت لمدة عشرة أيام، كانت أكثر الردود شيوعاً "لا شك، قد كان الأمر جد صعب عليك عدم التحدث عن الموضوع، طيلة هذه الفترة!"، وهو ما شعرت به أنا أيضاً، التحدث عن الموضوع بمثابة عقبة كبرى، قبل مباشرة دورة التأمل، فآثرت الحل الأسهل، من خلال تكتّمي عليه.
البرنامج اليومي
تتشابه الأيام العشرة من الدورة، من حيث البرنامج المتبع، كونها تتألف من نفس الفترات الزمنية، ابتداء من استيقاظنا على إيقاع "الغونغ" في الساعة 4 صباحاً، فنقضي فترة تأمل من الساعة 4:30 صباحاً إلى 6:30 صباحاً، يلي ذلك فطور الصباح من 6:30 صباحاً إلى 8 صباحاً – وهذا يعني بالنسبة لي عموما فترة نوم من 7 إلى 8 صباحاً، ثم فترة تأمل أخرى من 8 إلى 11 صباحاً مع استراحة لمدة خمس دقائق على الساعة 9 صباحاً، بعد ذلك يقدم الغداء من الساعة 11 صباحاً إلى 1 ظهراً، عبارة عن طبق غذاء نباتي طبيعي لذيذ، لا يحتاج إلى إعداد أو عناء، وهي أفضل فترة في اليوم بالنسبة لي.
بعد الغداء، فترة تأمل أخرى، من الساعة الواحدة ظهراً إلى 5 مساء، مع استراحة لمدة 5 دقائق في الساعة 2:30 ظهراً و3:30 عصراً، يقدم لنا العشاء (عبارة عن بضع قطع من الفواكه) من 5:00 إلى 6:00 بعد ذلك نقضي فترة تأمل من 6:00 إلى 07:00.
كان هناك خطاب في المساء (محاضرة فيديو – الجزء المفضل الثاني من اليوم) حول طبيعة ما نقوم به في هذه الدورة، تستمر من 7 إلى 8 مساء (يتعين علينا أثناءها الجلوس على الأرض)، وأخيراً، نقضي فترة تأمل من جديد، من 8 إلى 9 مساء، وتنطفئ الأضواء في الساعة 9:30 مساء؛ ليستمر الوضع على هذا الشكل لمدة عشرة أيام.. أوه، لم أذكر لكم أنني كنت أتضور جوعاً من حوالي 7 مساء – 10 مساء ومن 4 صباحا إلى 6:30 صباحاً، وذلك في كل يوم!
الملاحظة ليست التخيّل
قد تذهب بك مخيلتك بعيداً وتعتقد أن التأمل هو الارتقاء نحو "مكان سعيد"، وأنه يمكنك الجلوس، أو ربما حتى الاستلقاء، تغمض عينيك، تتصور ضوءاً أبيض رائعاً، ثم تشعر وكأنك تحلق فوق سحابة ريش ناعم… أو أي شيء من هذا القبيل؟ كلا، بالطبع، دورة تأمل فيباسانا ليس هذا أبداً! الأمر بالتأكيد أبعد ما يكون من خمس دقائق من الاسترخاء كتلك التي أستمتع بها في نهاية حصة تدريب بيلاتيس كل يوم أربعاء.
ترتكز دورة تأمل فيباسانا حول محور الملاحظة، ليس هناك تخيل، يمكنك ببساطة الجلوس، وتغمض عينيك، وتراقب الأحاسيس داخل جسمك. يمكنك في اليومين أو الأيام الثلاثة الأولى، التركيز فقط على التنفس، وليس معنى ذلك أن تتنفس بطريقة محددة، وإنما تراقب تنفسك الطبيعي فحسب، كما هو لا أكثر، تراقب أحاسيسك الجيدة منها والسيئة، وتروض عقلك على عدم الانفعال.
وبعد اليوم الثالث، يمكنك الانتقال من التركيز فقط على الأنف والتنفس، إلى مرحلة مراقبة الأحاسيس الأخرى في جميع أنحاء الجسم، كل فرد يشعر بأحاسيس مختلفة عن أحاسيس غيره، لقد كان الألم هو الإحساس المهيمن الذي شعرت به في 95 في المائة من الوقت، ألم في رقبتي وألم في الكتفين والظهر والوركين والركبتين والكاحلين.
هل ذكرت لكم الألم؟
كان هناك الكثير من الوسائد في متناولنا، واستعملت معظمها، لكنها لم توفر لي إلا القليل من الراحة بعد فترة من الوقت؛ لذا أكررها مرة أخرى، فإن الألم هو ما شعرت به طيلة فترات اليوم وفي كل يوم (باستثناء فترات الاستراحة) من الدورة التي استمرت عشرة أيام، غير أن نوع هذا الإحساس الذي شعرت به ليس هو الأهم، كان الهدف هو النظر إلى الأحاسيس بموضوعية، كما لو أنها ليست أحاسيسي أنا، وكان عليّ أن أحتفظ بوضع من "رباطة الجأش" في جميع الأوقات، أي العيش في حالة من الهدوء والتوازن.
انجرف ذهني مرات عديدة وطاف بي في ربوع "لا لا لاند" على مدى الأيام العشرة، وكثيراً ما كان تركيزي على "المهمة" لا يتجاوز عشر ثوان في المرة الواحدة، لكن محاولاتي للتأمل بدأت تتحسن تدريجياً، ونجحت في اجتياز "ساعة من التصميم"، ثلاث مرات في اليوم دون أن أفقد أعصابي كثيراً، وبحلول اليوم الثالث أدركت أنه يمكنني الجلوس مستقيمة لأكثر من بضع دقائق في المرة الواحدة، وفي اليوم السابع جلست لمدة ساعة كاملة دون أي تعديل كبير في وضعية جسمي.
من خلال الاكتفاء بمراقبة أحاسيس جسدي، بدأت استنهاض ذهني وتحرير نفسي من شعور الرغبة الجامحة والنفور، وبفضل الهدوء ورباطة الجأش، كنت كلما ثارت في نفسي الأحاسيس الجيدة (على الرغم من عدم وجود الكثير منها)، أغوص عميقاً في ذهن اللاوعي لتخليص نفسي من الشعور بالرغبة الجامحة، والأمر كذلك بالنسبة لانفلات الأحاسيس السيئة، فبفضل رباطة الجأش استطعت الشعور بتحرير نفسي من النفور، والكراهية.
قبول قوانين الطبيعة
ترتكز فلسفة فيباسانا على قانون عدم الثبات، أو قانون الطبيعة، يبين لنا هذا القانون أن كل شيء يتغير باستمرار، كل شيء يرتفع، يستمر لبعض الوقت، ثم يندثر، والأحاسيس التي شعرت بها في جسدي لم تكن لتستمر إلى الأبد، وكان عليّ أن أراقبها فقط وأن أفهم ما يجري، أي أفهم أنه لا ينبغي أن أتعلق بالأحاسيس الجيدة أو أكره السيئة – فكلها إلى زوال.
هناك مفهوم مركزي آخر بالنسبة لهذه التقنية، يقوم على الاعتراف بأن العالم لم يخلُ يوماً من البؤس، وأن هناك ثلاثة أشياء تسبب كل هذا البؤس: الرغبة الجامحة، النفور والجهل، لقد سبق ذكر الأولين، الرغبة والنفور، أما الثالث فقد بدأتُ محاربته من خلال توعية جسدي، وهذا بدوره ينتقل إلى العالم الحقيقي؛ حيث يمكنني من التعامل بشكل متوازن مع الجوانب المشجعة والمحبطة من حياتي.
إن نكران الذات، الذي يقضي العطاء دون توقع أي شيء بالمقابل، والتعاطف مع الآخرين والسعادة الذاتية، كل ذلك يشكل أيضاً جزءاً لا يتجزأ من هذه الفلسفة.
باختصار: إن فهمي لتقنية فيباسانا وما يتمخض عنها من فوائد خلال الدورة قد بدأت للتو، أدرك أن هذه مجرد لمحة ومقدمة عن طبق أكثر دسامة، ومسار أطول، ويتعين عليّ الاستمرار في الممارسة.. كوني لا أزال بعيداً عن مرتبة صفاء الذهن الكامل، وما زالت هناك مراحل تفصلني عن بلوغ الهدف النهائي من التنوير الكامل (ملاحظة: يطلق على الشخص المستنير بشكل تام، اسم "بوذا").
لكنني في الاتجاه الصحيح، وقد خطوت الخطوة الأولى على هذا المسار، وأعلم أن التأمل قد يفيد الجميع (بغض النظر عن دينهم أو معتقداتهم)، عندما يكون المرء مستعداً لاتخاذ هذه الخطوة، لقد استفدت بالتأكيد أكثر مما اعتقدته على الإطلاق.
هذا الموضوع مترجم عن نسخة جنوب إفريقيا من صحيفة "هاف بوست"؛ للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.