أخبرونا أن الوطن.. ولم يخبرونا أن..

أخبرونا يومها كنا صبياناً قصصاً كثيرة غاية في الروعة، أذهلتنا كونها رمزاً للشجاعة والمروءة والشهامة، صدقناها وظللنا نرسم لأنفسنا من خلالها أحلاماً وردية ومستقبلاً منيراً، وتركنا العنان لخيالنا يسبح في عالم المثالية والطوباوية؛ حيث الحياة بوجهها الجميل يشع نوراً وسلاماً، لا مكان فيها للعنف والكذب واستنزاف الحقوق.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/10 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/10 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش

أخبرونا أن الوطن منبت الأحرار، فيه تحترم الحريات وينبذ التعصب.

أخبرونا أن الوطن مشرق الأنوار، فيه تعلو المعرفة ويسمو العلم، ولا شيء يعلو عليهما.

أخبرونا أن الوطن أرض حق وإقرار للعدل، لا ظلم ولا بهتان فيها.

أخبرونا أن لا شيء أغلى من الوطن، أرضه، سمائه، بحره وغاباته.

أخبرونا أن حب الأوطان من الإيمان.
أخبرونا أن الوطن مهد التعايش والسلام والألفة والمحبة.
أخبرونا أن الوطن مربع النبل والشرف، فيه تسامى الناس بالمكارم والفضائل.

أخبرونا يومها كنا صبياناً قصصاً كثيرة غاية في الروعة، أذهلتنا كونها رمزاً للشجاعة والمروءة والشهامة، صدقناها وظللنا نرسم لأنفسنا من خلالها أحلاماً وردية ومستقبلاً منيراً، وتركنا العنان لخيالنا يسبح في عالم المثالية والطوباوية؛ حيث الحياة بوجهها الجميل يشع نوراً وسلاماً، لا مكان فيها للعنف والكذب واستنزاف الحقوق.

مرت السنون، كبرنا وظللنا كذلك غير آبهين لحقيقة هذا العالم، فكبرت إرادتنا في سبيل تحقيق أحلامنا وطموحاتنا، وزادت رغبتنا في التشبث بهذا الوطن المزدحم بآمالنا وأمانينا، لكن الواقع كان لنا بالمرصاد، مريراً وقاسياً، يطفئ فينا، في كل مرة نصادمه، الأمل، ويشعل بدل ذلك اليأس والخيبة، فأدركنا أموراً كنا نجهلها، أموراً لم يخبرونا بها.

لم يخبرونا أن على هذه الأرض أناساً منسيين في أعالي الجبال أو في بقعة قاحلة لا حياة تدب فيها..
لم يخبرونا أن الناس تموت لفقر التجهيزات والمعدات ولقلة المستشفيات.
لم يخبرونا أن على هذه الأرض يعتبر انفصالياً وخائناً كل من طالب بحقوقه، وسعى في سبيل تحقيقها، بغية حياة كريمة.

لم يخبرونا أن على هذه الأرض، قد لا يلتفتون لشهاداتك وخبراتك بقدر ما قد يلتفتون لنسبك وهندامك وشكلك.

لم يخبرونا أن على هذه الأرض الحق للأغنى وصاحب النفوذ وما للضعيف إلا نصرة من الله..
لم يخبرونا أن قضاء المصالح يستلزم معرفة الأشخاص وتوزيع المظاريف.

لم يخبرونا أن ما يذاع من أخبار هو زائف رغبة في تضليل للرأي العام، تنعدم فيه عوادي المصداقية والشفافية.

لم يخبرونا أن تقلد المناصب هو بغية تضخيم الرصيد البنكي وليس خدمة الصالح العام لما فيه صلاح هذا الوطن.

بين الوطن الذي في حلمي و بين ما يقدمه الواقع، أجد نفسي أتأرجح بين مشاعر الحب والخيبة، بين الفرح والأسى، لا أدري أأبدل جهداً في سبيل هذا الوطن أم أبحث عن وطن آخر، وطن حق وعدل حيث للأحلام والأماني معنى وقيمة، حيث الإنسان إنسان بأفكاره وجهده وعمله.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد