بالتفاصيل كيف حدثتني جدتي عن الأيام السوداء التي قضتها خلال محاولتها إنقاذ خالي من أيدي ضباط الجيش السوري لحظة اعتقلوه في منطقة الطريق الجديدة ببيروت؛ لأنه ضرب عن طريق الخطأ بسيارته شخصاً من سوء حظه أنه كان عنصراً في المخابرات السورية.
رغم أن الرجل في المخابرات كسرت يده فقط ولم يطالب بإلحاق الأذى بخالي، أصر عناصر جيش الأسد على اعتقاله وضربه وسحله إلى السيارة، كان همّ جدتي الوحيد عدم اقتياد ابنها الشاب إلى أقبية التعذيب المميتة في سوريا الأسد.
وساطات ورِشى وسباق مع الزمن نجحت بعده الأموال في فدية ابن الثمانية عشر عاماً، صحيح أن جنازير الحديد لا تزال محفورة على وجهه، لكنه حي يرزق غادر لبنان، واستقر في المهجر كل حياته.
هذا المصير لم يلقَه نايف صالح، ورفاقه صفوان محمد العيسى، ومصطفى عبد الكريم عبسة، وخالد حسين المليص، وأنس حسين الحسيكي، ومروان محمد العيسى، وجهاد كنعان، ونايف برو، هؤلاء لاجئون سوريون قضوا تحت التعذيب على أيدي ضباط وعناصر من الجيش اللبناني لا جيش الأسد.
بحجة البحث عن إرهابيين نفذ الجيش اللبناني مؤخراً حملة أمنية في مخيمات عرسال، انتشرت صور عشرات الرجال السوريين مكبلين على الأرض بأوضاع مهينة، ناهيك عن تدمير المخيمات بشكل كامل.
لم تنتهِ الحكاية هنا، اعتقل العشرات قبل أن تتوارد الأنباء عن مقتل سبعة منهم تحت التعذيب موثقين بالاسم والصورة.
تحدث ناشطون عن أن مخابرات الجيش اللبناني في عرسال لم تسمح بدخول كاتب عدل لتمكين ذوي الضحايا من توكيل محامين لمتابعة موضوع جثث المعتقلين المودعة في برادات مستشفيات زحلة وبعلبك.
بحسب المعلومات، تسلم رئيس بلدية عرسال جثث الضحايا السبع، وطلب من الأهالي عدم تصويرهم ودفنهم فوراً.
لست من عشاق الأحذية العسكرية، ولطالما كانت في مخيلتي صورة الجيش اللبناني مختلفة عن الصور النمطية للجيوش العربية المشهورة بالقمع والوحشية والممارسات الأمنية الفظيعة، كان الجيش اللبناني دائماً استثناء.
لماذا يصر أصحاب الأجندات السياسية الإقليمية على دفع الجيش نحو مستنقع لا يشبهه؟ لماذا لا يتم استدعاء العناصر الذين اقتحموا مخيمات عرسال ولم يميزوا بين مَن هو إرهابي وبين مَن هو مدني وتم التعدي على كرامته وحقه الإنساني أمام عائلته؟!
لماذا لا يُفتح تحقيق رسمي بكيفية مقتل اللاجئين المذكورين أعلاه تحت التعذيب ومحاسبة القتلة؟
المحاسبة هنا فضيلة وليست انتقاصاً من شأن المؤسسة العسكرية، الانتقاص الحقيقي هو فتح فرع لسجون الأسد الشهيرة "تدمر وفلسطين وصيدانيا" في لبنان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.