في "عيد القبلات" قبل سنوات كنت في القطار ومعي زوجتي وابني، فلاحظت فتاة ألمانية ترتدي ثوب زفاف، وتبدو نصف ثملة، وهي تقبّل الرجال والشباب حولها، في عربة القطار.
ثم وصلت إلينا في آخر العربة ونظرت إلى زوجتي وقالت لها: "هل يمكنني أن أقبّل صديقك؟"، وأشارت إليّ، وفي اللحظة نفسها لاحظت أن بقية الركاب، خاصة من كانت الفتاة تقبّلهم قبل قليل ينظرون إلينا بتمعن وانتظار!
لم أكن قد سمعت بهذا العيد من قبل؛ لذا دُهشت للأمر جداً، ولكن بعد ذلك بدأت ألاحظ هذا العيد وطقوسه، على سبيل المثال في "عيد القبلات" الأخير، هنا في بلجيكا، تنبهت للفروق العديدة بين الألمان والبلجيك في التعاطي مع التصرفات الحميمة وممارستها في المجال العام.
طبعاً لست خبيراً في الأمر، ولكن العين الغريبة تلتفت سريعاً وقبل أي شيء إلى هذا الأمر، وبسبب معيشتي بين البلدين دخلت مرحلة المقارنات، فالألمان بالنسبة للبلجيك منفتحون جداً في التعامل مع الحب وممارسته في المجال العام.
وقد يرجع هذا إلى أن البلجيك كاثوليك وأكثر محافظة من الألمان، وهم في الغالب بروتستانت، خاصة في الشمال.
ولكني أظن أن العامل الحاسم في الأمر هو اختلاف طبيعة الشعبين، فالألمان كما نعرف يتميزون بالدقة والسرعة معاً، وهذا شيء نادر وعليه تنبني سمعتهم، أما البلجيك فيتميزون بالدقة أيضاً، ولكن ببطء غريب، هذا إن اعتبرت البطء ميزة، وإلا فقل بالهدوء والسكينة مقارنة بالألمان طبعاً.
على سبيل المثال الأتوبيسات في بلجيكا تتأخر بشكل متكرر، ومن النادر أن يشكو أحد لشركة النقل بينما لن تجرؤ شركة النقل على هذا التأخير في ألمانيا حتى في أصغر القرى وأبعدها، والألمان بطبعهم نقاد وشكّاؤون.
أما فيما يخص البطء البلجيكي فلاحظ مثلاً الناس في السوبرماركت البلجيكي، وهم يتحركون بهدوء وروية، فإذا جئت إلى الخزينة لتدفع، فالطابور أمامك طويل وبطيء، في الغالب لأن الناس -خاصة العجائز- يدخلون في حوارات مطولة فيما بينهم ومع البائعات، وإذا طالبت ببعض السرعة ينظرون إليك باستغراب فلسفي عميق؛ لذا عليك مثل بقية البلجيك أن تنتظر في هدوء حتى يأتي دورك فالدنيا لن تطير!
وهذا الكلام يمكن أن تسحبه على ممارسة الحب في المجال العام أيضاً، ففي ألمانيا مثلاً من المعتاد أن الناس خاصة الشباب يُقبلون بعضهم البعض لفترات أطول وأعمق، وبعادية أكثر، وبجرأة أكبر مما في بلجيكا.
ومن النادر في بلجيكا أن تجد اثنين يقبلان بعضهما -بهذا العمق- في الشارع، فهم يحبون الحديث واللمسات الحانية أكثر، بينما الألمان ليس لديهم وقت لهذا، والحب العلني لا حرج منه عندهم، بل تزداد جرأتهم على ممارسته مع مرور الزمن!
وهذه الفتاة في عربة القطار مثال عملي على هذه الجرأة، وبسبب هذه الجرأة تحديداً انفعلت زوجتي وقالت للفتاة: "أولاً هو زوجي وليس صديقي، ولن أسمح لكِ بتقبيله".
وبعد أن استوعبت الموقف أخيراً ضحكت، وهنا قال ابني لأمه: "أنا لا أفهم؟ وليه انت زعلانة؟ والمدام عاوزة إيه؟".
فقالت له بالانفعال نفسه: "اسأل بابا!".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.