شريان الحياة لمصر في خطر.. كيف تخسر القاهرة نفوذها تدريجياً على نهر النيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/08 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/08 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش

يعتبر نهر النيل بمثابة العمود الفقري لمصر وشريان الحياة لشعبها منذ آلاف السنين، إلا أن أرض الفراعنة بدأت تفقد سيطرتها عليه تدريجياً، بحسب ما جاء في موقع "World Politics Review"، السبت 7 يوليو/تموز 2017.

وفي يونيو/حزيران الماضي، انعقدت قمة دول حوض النيل على مستوى الرؤساء في أوغندا، دون التوصل إلى اتفاق حول القضايا المطروحة، نتيجة للتباينات العميقة في النقاط الخلافية حول اتفاقية "عنتيبي" الناظمة لتقاسم مياه نهر النيل.

وتنص الاتفاقية الموقع إطارها العام في 2010، على أن "مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تعتمد على الانتفاع المنصف والمعقول من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل"، وفقاً لوكالة الأناضول. وستؤدي الاتفاقية إلى حرمان مصر من حصتها الكبيرة من مياه النيل.

مخاوف مصر

ويعيش حالياً أكثر من 430 مليون شخص عبر 11 دولة تشكل دول حوض النيل، وهي: مصر، والسودان، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، ورواندا، وبوروندي، وتنزانيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإريتريا. ومن المرجح أن يقفز تَعدادُ سكان حوض النيل إلى ما يقرب من مليار نسمة بحلول عام 2050.

وخلال الأشهر المقبلة ستفتتح إثيوبيا سداً سوف يثير مخاوف مصر من أن ترفض بلدان المنبع الرضوخ لمطالبها. وسيكشف افتتاح السد عن حجم النفوذ الذي فقدتْه مصرُ. والتي لديها مطالبة تاريخية وقانونية قوية لنهر النيل، يعود تاريخها إلى الحقبة الاستعمارية، ولكن هذا الإطار يقوضه التطورُ السريع والنمو السكاني في المنبع.

ونقل موقع "World Politics Review" عن آرون وولف، أستاذ العلوم الجيولوجية بجامعة ولاية أوريغون، قوله: "لا يمكن لبلدان المنبع أن تنتظر موافقة مصرَ إلى الأبد". مضيفاً: أن "النهر يجري تقييمه على نحو أقل لإمدادات المياه وأكثر من ذلك كوسيلة لإنتاج الكهرباء".

وبموجب معاهدة عام 1929 كانت مصر تحصل على حصة الأسد من مياه النيل هي والسودان، ويُقدر أن حصة مصر تصل إلى 55.5 مليار متر مكعب من المياه التي تقدر بنحو 84 مليار متر مكعب، بحسب وكالة رويترز.

وهذان البلدان يعتمدان على المياه أكثر بكثير من جيرانهم في المنبع؛ ولا تتعرض مصر على وجه الخصوص لهطول الأمطار، بل تعتمد على مياه نهر النيل العظيم بنسبة 97 في
المئة من احتياجها إلى المياه. ولكن على مر السنين، أخذت بلدان المنبع تطعن في هذه المسألة التي تضمنت أحكام هذا الاتفاق الذي مضى عليه عدة عقود، والذي لم يكونوا أطرافاً فيه أبداً.

في عام 1999، شكلت تسعة بلدان واقعة على ضفاف النهر "مبادرةَ حوض النيل" لمحاولة إدارة مياهه. وأصبح جنوب السودان العضوَ العاشر بعد حصوله على الاستقلال في عام 2011؛ وتتربع إريتريا على كرسي المراقِب.

وبدأ العمل في المبادرة على إطار جديد لحكم النهر، لكن مصر والسودان رفضَتَا التوقيع على اتفاقية تم التوصل إليها من قبل دول أخرى في عام 2010، والمعروفة باسم "اتفاقية عنتيبي".

سد النهضة

وترافق الرفض المصري للاتفاقية مع شروط ثلاثة هي: عدم المساس بحصة مصر من المياه (55.5 مليار متر مكعب)، وضرورة "الإخطار المسبق" من جانب أي دولة إفريقية لمصر قبل بنائها أي مشروعات على النيل، وموافقة دول حوض النيل (بالإجماع لا الأغلبية) كشرط لبناء أي مشروعات على مجرى النيل.

وثمة دول أخرى ترفض إعطاء حق الفيتو لمصر على خططها الخاصة بالبنية التحتية المحلية. فيما تقول القاهرة إن أي تغيير كبير في إطار العمل وحقوقها التاريخية في المياه يمكن أن يؤدي بها إلى الموت عطشاً.

ويمثل السد الذي تشرع إثيويبا في بنائه على النيل والمعروف باسم "سد النهضة"، مصدر قلق لمصر، ويرى الإثيوبيون أن السد، الذي سيكون أكبر مرفق للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، يُعتبر مصدراً للاعتزاز الوطني الذي يأملون في أن يكون تعزيزاً لاقتصادات القارة الأسرع نمواًّ.

وعندما يكتمل بناؤه، فسوف يكون اتساع السد أكثرَ من مِيل وعرضه 570 قدماً، وسيزيد أكثر من ضِعف قدرة البلد الحالية على توليد الطاقة. وتشكل المياه من النيل الأزرق حوالي 80 في المئة من النهر الذي يتابع طريقه إلى مصر، وفقاً لـ "World Politics Review".

ولعقود ناقش الدبلوماسيون المصريون مسألة التدخل في مياه النيل باعتبارها تهديداً وجودياً. وفي 2013 تحدث السياسيون المصريون عن تخريب السد الإثيوبي في بث مباشر على التلفاز.

إغلاق النيل الأزرق

وقبل البدء في عمليات البناء عام 2011 وضعت مصر الرد العسكري في حسبانها لمنع إثيوبيا من التلاعب بتدفق النهر. وحتى قبل هذا الأمر بعقود قال الرئيس المصري أنور السادات أن المياه هي "الأمر الوحيد الذي قد يدفع مصر للحرب مجدداً".

مصر وإثيوبيا والسودان التي يلتقي فيها النيل الأبيض بالنيل الأزرق ليشكلا النهر العظيم، وقعوا اتفاقية لحل هذا الخلاف في 2015. من حينها قدمت مصر دعماً متبرماً للسد، مقترحة أن يراعي السد الحاجة لدعم مطالب دول المصب. وما إن يفتتح السد فلا أحد يتوقع أن تقدم مصر على خطوة متسرعة بتنفيذ التهديد الذي أطلقه السادات قديماً.

ويعتبر كيفن ويلر من معهد التغير المناخي بجامعة اوكسفورد، أن التوقعات الكارثية حول تأثير السد على مياه مصر مبالغ فيها على الأرجح.

وقال في هذا السياق: "هناك الكثير من المبالغات ابتداءً من الاعتقاد أنه لن يتسبب بأي شيء إلى آخرين يعتقدون أنه سيدمر مصر، مضيفاً: "كلا التوقعين المتطرفين ليس دقيقاً وهناك الكثير من المساحة بينهما للواقع". على الأقل بإمكان السد تنظيم تدفق المياه إلى مصر والحفاظ على تزويد البلاد بالمياه خلال أوقات الجفاف.

والاختبار الأكبر سيكون أثناء السنوات القليلة الأولى التي تغلق فيها إثيوبيا النيل الأزرق لملء الخزان الجديد الكبير. إذا كانت مصر وإثيوبيا متفقتين بحسب ويلر سيكون بإمكانهما العمل لتفادي الجفاف أو أي نقص في إمدادات المياه. بعد ذلك من المرجح أن يتدفق الماء في مجراه بوتيرة منتظمة.

إضاعة الوقت

بحسب التوقعات فإن عدد سكان مصر سيتزايد بمقدار 30 مليوناً بحلول 2030، وسيزيد في المقابل طلبها على الماء. في حين سيؤدي التغير المناخي إلى زيادة تغير معدل تدفق النهر بنسبة 50% وفقاً لدراسة حديثة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

ومن المرجح أن يزيد حجم نهر النيل بمقدار 10 إلى 15% بحسب الدراسة ولكن سيشهد أيضاً سنوات جفاف أكبر وكذلك سنوات فيضان. وكل هذه التغيرات تجعل من الأفضل الاعتماد على نظام من السدود التي تنظم وتتحكم في تدفق النهر.

ومع مرور الوقت "ستُجبر مصر على توقيع اتفاقية جديدة أو تعديل اتفاقية إدارة النهر"، بحسب توقعات سلمان سلمان الخبير والمستشار الأسبق في قانون المياه لدى البنك الدولي. ويضيف: "ستنظر مصر يميناً ويساراً وستجد أن السد انتهى العمل فيه وأن إثيوبيا تحاول بناء سدود أخرى والخيار الوحيد المتبقي بالنسبة لها هو التعاون"، ويتابع: "الوقت ليس في صالحهم".

وحذرت القاهرة، السبت 1 يوليو/تموز 2017، من "إضاعة مزيد من الوقت"، في ملف سد النهضة الإثيوبي، مطالبة بتدخل سياسي في الأمر وإزالة أية عقبات قد تعيق إتمام الدراسات الفنية للسد وتأثيرها على مصر.

تحميل المزيد