فيروس الفدية.. النسخة العربية

أستطيع أن أقول إن لدينا قدرة هائلة على تحويل كل ما هو جاد وهام إلى سخافات، للأسف لا يوجد لدينا القدرة على استيعاب الأمور وتحليلها تحليلاً منطقياً، نحن نسبح وسط محيط هائج من الجهل ولا نرى شاطئ المعرفة والثقافة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/05 الساعة 03:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/05 الساعة 03:36 بتوقيت غرينتش

قبل أيام ضرب فيروس خطير أجهزة الكمبيوتر في شتى أنحاء العالم، الفيروس الذي وصفه المكتب الأوروبي لأجهزة الشرطة الأوروبية بأنه "غير مسبوق" اجتاح أكثر من 150 دولة وأوقع 200 ألف ضحية.

ويبدأ هذا الهجوم الإلكتروني عن طريق تسلّم رسالة أو رابط من شخص مجهول، وفور الضغط على الرابط يتم تحميل الملف على كمبيوتر أو هاتف الضحية؛ لتبدأ عملية تشفير للبيانات، مما يؤدي إلى صعوبة الوصول إليها من قِبل صاحب الجهاز؛ ليقوم القراصنة بعد ذلك بمطالبة أصحاب تلك الأجهزة بدفع مبلغ من المال يتراوح بين 300 و600 دولار في غضون ثلاثة أيام مقابل إعادة البيانات، وإلا فسوف يتم محو تلك البيانات والملفات بشكل نهائي.

ونشر أحد المواقع الإخبارية العربية الشهيرة خبر تحت عنوان: "شاب في ريف إنكلترا ينقذ 99 دولة من كارثة إلكترونية"، وفي تفاصيل الخبر: تمكن شاب بريطاني يبلغ من العمر 22 عاماً، ويعيش في منزل ريفي بإنكلترا بعيداً عن ضوضاء العاصمة لندن من أن يصبح "بطلاً عالمياً" بعد أن تمكن خلال الساعات الماضية من صد هجوم إلكتروني كاد يتسبب بكارثة في 99 دولة بمختلف أنحاء العالم، بينما جاءت المفاجأة فيما كشفته وسائل الإعلام البريطانية بأن الشاب ليس سوى هاوٍ احترف علوم الكمبيوتر بنفسه دون أن يتعلم من أحد، وقد تمكن الشاب الذي يُعرف على الإنترنت باسم "مولوار تيك"، تمكن خلال ساعات قليلة من العثور على ثغرة في "فيروسات الفدية؛" لينقذ بذلك 99 دولة من "كارثة إلكترونية" كادت تكبد الاقتصاد العالمي مزيداً من الخسائر، وتعطل مزيداً من الأنظمة وشبكات الكمبيوتر التي تعمل بها الأجهزة الحكومية الحساسة في تلك الدول.

وعلى الرغم من العمل الجيد الذي قام به هذا الشاب الإنكليزي، فإن بعض المواقع الإخبارية الفرنسية قللت من حجم هذا العمل؛ مبررة ذلك بأن الشاب لم يقم بعمل تقني أو برمجي وكل ما فعله هو شراء نطاق على الإنترنت بمبلغ 10 يورو فقط؛ حيث إنه لاحظ أن الفيروس يستخدم عنوان ويب معيناً في كل مرة يصيب فيها جهاز كمبيوتر جديداً، وبعد حجز اسم النطاق باسمه تمكن من وقف انتشار الفيروس، ولكن ربما يكون هذا التوقف مؤقتاً.

وإلى هنا انتهت النسختان الإنكليزية والفرنسية؛ لتبدأ النسخة المتميزة والأهم والأكثر إثارة وتشويقاً ألا وهي النسخة العربية، والمتابع لشؤون المجتمعات والسكان في المنطقة العربية يستطيع أن يكتشف وبكل بساطة أن مواطني هذه المنطقة من العالم لهم أسلوب تفكير خاص بهم يختلف كلياً عن باقي مناطق العالم، ولكي تصل لهذه الحقيقة ليس عليك سوى قراءة التعليقات المدونة أسفل أي خبر، وكما الإعلانات التجارية في وسائل إعلام أي بلد تعكس الصورة الحقيقية لمدى ثقافة ورُقي هذا الشعب، كذلك التعليقات والمشاركات على مواقع الإنترنت، سواء الإخبارية أو مواقع التواصل الاجتماعي فهي تظهر مدى ثقافة ووعي ورُقي هذا الشعب أو ذاك.

وبالعودة لموضوع الفيروس والشاب الإنكليزي، وفي ثنايا التعليقات والردود التي أعقبت الخبر جاء التعليق الأول لشخص اسمه "Amjad"، يقول في تعليقه: "يا رب ابني محمد يصير مثله وينقذ البشرية بإحدى الطرق! قولوا آمين".

ليرد عليه آخر: "يعني لازم العالم يتنكب عشان ييجي محمد ابنك ينقذ العالم، أنا أدعي وأقول يا رب ما تتكرر ويرتاح محمد لا يتعب حاله".

فيدخل مشارك آخر على الخط ويقول: "آمين يا أم محمد".

فيعقب عليه مشارك جديد ويقول: "أمجد اسم رجل… من وين جت أم محمد؟"، لتتوالى التعليقات بعدها، وهكذا شيئاً فشيئاً تحول الموضوع من موضوع تقني إلى خلاف على أبو محمد وأم محمد!

أستطيع أن أقول إن لدينا قدرة هائلة على تحويل كل ما هو جاد وهام إلى سخافات، للأسف لا يوجد لدينا القدرة على استيعاب الأمور وتحليلها تحليلاً منطقياً، نحن نسبح وسط محيط هائج من الجهل ولا نرى شاطئ المعرفة والثقافة.

إن مَن يتابع تعليقات القراء يجد عجب العجاب، فالكثير ليس لهم أي هدف سوى التسلية والمزاح، والبعض لا يعنيهم الموضوع أكثر ما يعنيهم التعليق على تعليقات الآخرين والسخرية منهم، وفي كثير من الأحيان ينقلب النقاش إلى وصلات من الشتائم والمسبات، وأتذكر أنني وفي إحدى المرات قرأت تعليقاً عبارة عن ثلاثة أسطر ونصف من الشتائم والمسبّات شرط عدم تكرار أي كلمة!

علينا أن نرتقي بأفكارنا وأسلوبنا في النقاش حتى نرتقي بأخلاقنا، وكما قال الدكتور مصطفى محمود رحمه الله: "على الأقل إذا فاتنا العلم فلا يصح أن تفوتنا الأخلاق".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد