احتجاجات شعبية ذات مطالب اجتماعية واقتصادية وحقوقية في مدينة الحسيمة (شمال المغرب)، بدأت قبل قرابة 8 أشهر، ازدادت حدتها في الأشهر الأخيرة بعد اعتقال نشطاء الحراك الشعبي، وتدخل أمني مكثف لتفريق تجمعات ومسيرات المحتجين.
لكن في اليومين الأخيرين، أمر الملك محمد السادس بتخفيف عدد قوات الأمن في الحسيمة، وسحبها من "ساحة محمد الخامس"، التي يطلق عليها النشطاء "ساحة الشهداء"، وهي أهم الأماكن التي يتجمع بها المتظاهرون في المدينة، بالإضافة إلى بلدة إمزورن المجاورة.
الأمر الذي اعتبره البعض رسالة من أجل تهدئة الأمور بالمدينة؛ إذ سبق لمجموعة من الأطراف الدعوة لسحب القوات الأمنية ورفع ما يصفه المتظاهرون بـ"مظاهر العسكرة" عن المدينة، في إشارة إلى الانتشار الكثيف للأمن في الشوارع.
انسحاب تدريجي للأمن.. هذه هي الرسائل
وقد أكد هذا الأمرَ والي الحسيمة الجديدُ، فريد شوراق، في كلمته خلال اجتماع حضره وزير السياحة بالحسيمة، الإثنين 3 يوليو/تموز 2017، حيث قال إن أول انسحاب أُنجز تدريجياً في إمزورن ومن ساحة محمد الخامس بالحسيمة.
وأضاف: "إنها رسائل عميقة آمل أن يدركها الجميع، والانسحاب سيتم على مراحل".
وشدد والي الحسيمة على أنه ينفذ "توجيهات" العاهل المغربي محمد السادس "لضمان الحريات".
وتابع: "إذا تفاعل المحتجون إيجابياً مع هذه الرسائل، فستليها أخرى في الاتجاه ذاته. الثقة والأمن مرتبطان حتى العودة إلى الوضع الطبيعي".
النشطاء يردون
من جانبه، أكد الناشط في الحراك، المرتضى إعمراشا، في تدوينة على فيسبوك، أنه يجب قطع الطريق "أمام من يريد إخلاء الساحة من النشطاء لإقبار القضاء على محطة 20 يوليو/تموز التاريخية"، وهو الموعد الذي كان قد حدده زعيم الحراك المعتقل ناصر الزفزافي، للقيام بمسيرة كبيرة في حال عدم الاستجابة لمطالب المتظاهرين حتى ذلك الموعد.
وأضاف أنه "لابد من إقامة الحجة على المسؤولين، والتجاوب إيجابياً مع تدخُّل جلالة الملك المباشر بسحب الأجهزة الأمنية من الساحات، ومدّ اليد لتصحيح كل الأخطاء الكارثية، بإطلاق سراح المعتقلين وإيقاف متابعة النشطاء، ومحاسبة المتورطين في هذه الأزمة".
كما اعتبر إعمراشا، الذي يتابعه القضاء في حالة سراح على خلفية احتجاجات الحسيمة، في تدوينة أخرى، أن "كل من يدعو للنزول للاحتجاج بالحسيمة في هذه الفترة، إنما يقدم خدمة مجانية لأجهزة المخزن (الحكم) ودعاة الخيار القمعي"، داعياً إلى "التحلي بالمسؤولية من أجل المعتقلين والوطن".
لماذا يدفع الصيف الحراك للهدوء؟
كما أكد أحد سكان الحسيمة، وهو إعلامي أيضاً، رفض الكشف عن هويته، أن "الأهالي تلقوا أمر السحب التدريجي للقوات الأمنية من أكبر ساحة عمومية وسط المدينة بنوع من الإيجابية".
وأوضح المصدر ذاته، في اتصال مع "عربي بوست"، أن "الحسيمة مدينة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ ومن ثم تعيش ركوداً اقتصادياً على مدار أغلب السنة، بينما تعتبَر أشهُر الصيف فترة انتعاش للتجار وأرباب المنشآت السياحية".
ويعني ذلك، حسب قوله، أن "كل إشارة إلى تهدئة الوضع، وإيجاد الحلول للمطالب الاجتماعية والاقتصادية لسكان المدينة، يعتبرها التجار والمعنيون بالاقتصاد أمراً إيجابياً؛ بل وملحّاً للغاية".
وكان هناك تخوف من أن تستمر فترة الركود الاقتصادي في الحسيمة؛ ما دفع بعض التجار والحرفيين والفاعلين الاقتصاديين بالمدينة، إلى مناشدة السكان بجميع مكوناتهم وأطيافهم "الحكمة والتبصر والهدوء الذي لا بد منه في اللحظات الحرجة التي تعيشها المدينة".
في هذا السياق أيضاً، قال مصطفى الجلاب، رئيس جمعية المقاولين الشباب، إن سكان الحسيمة "يستبشرون خيراً من خطوة سحب القوات العمومية"، مشيراً إلى أن الوضع الطبيعي هو ألا يكون في المدينة وجود أمني مكثف، وأن يسود الهدوء لفتح المجال لخطوات أخرى نتمنى أن تكون في أقرب الآجال لإنهاء هذا الوضع".
الوضع المتوتر يعتبره رئيس جمعية المقاولين الشباب، في تصريح لـ"عربي بوست"، "سلبياً على الاقتصاد المحلي، الذي يعتمد على السياحة، خاصة خلال أشهر الصيف"، "لذلك أرى أن هناك انفراجاً مقبلاً"، كما يقول.
كما رأى ، أنه ينبغي الاعتراف بأن "العديد من النقط الواردة في الملف المطلبي للمتظاهرين هي في طور الإنجاز، وتندرج ضمن مشروع الحسيمة منارة المتوسط "، لافتاً إلى أن "تنفيذ هذا البرنامج يتم في إطار مقاربة متكاملة، وعبر مراحل، ولا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها".
وقد أفادت مصادر صحفية بأن من بين ما ترتب عن المجلس الوزاري الأخير، قيام جميع وزراء الحكومة المغربية، خاصة في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، بزيارة إلى مدينة الحسيمة، آخرها كانت زيارة وزير السياحة، محمد ساجد، الإثنين 3 يوليو/تموز 2017، بهدف التسريع بتنفيذ مشاريع الحسيمة.
الوزير، أكد أن إجراءات عاجلة ستتخذ لإنقاذ الموسم الصيفي الحالي والنهوض بالقطاع السياحي بمدينة الحسيمة ومحيطها، مشدداً على ضرورة العمل على تشجيع السياح المغاربة على زيارة المنطقة.