واشنطن بوست: هكذا استخدم جنرالات مصر مظاهرات الشارع للانقلاب على مرسي.. والخارجون في تظاهرات 30 يونيو لم يتجاوزوا المليون

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/04 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/04 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش

مع الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع المصري (رئيس مصر الحالي) عبدالفتاح السيسي، على الرئيس الأسبق محمد مرسي، عاد الحديث عن دور المجلس العسكري في تأليب الشارع المصري ضد أول تجربة ديمقراطية تشهدها مصر، وكذلك حقيقة الحشود التي خرجت في عدد كبير من ميادين مصر ضد الرئيس الإسلامي.

في تقرير بصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الإثنين 3 يوليو/تموز 2017، قال نيل كيتشلي الأكاديمي في كلية كينغز في لندن، إن حركة تمرد التي قادت التظاهرات ضد مرسي كانت تابعة للمخابرات المصرية، وكانت تمول من قبل حساب بنكي تدعمه الإمارات.

وأضاف الكاتب البريطاني "ذكرت في كتاب جديد يتحدث عن ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وما أعقبها، تحدثتُ بالتفصيل كيف قام جنرالات مصر وأجهزة الأمن بالتحريض على احتجاجات 30 يونيو/حزيران في محاولة لإلغاء بعض الأشكال الجديدة من السلطة المدنية وإضفاء شرعية على استيلاء الجيش على السلطة.

وبحسب كيتشلي قد يبدو هذا غير متوقع في البداية، إذ غالباً ما نعتبر الاستنفار في الشارع هو ميدان الليبراليين والثوريين. ومع ذلك، وكما تشير مجموعة متنامية من الأبحاث التجريبية، يمكن للجهات القوية الفاعلة في الدولة أن تسهل وتنظم احتجاجات جماعية لمصالحها الخاصة، وهو ما قام به الجنرالات في مصر.

كيف تمت صناعة تمرد؟

وبحسب الكاتب البريطاني قادت حملة التوقيعات التي أجرتها حركة تمرد، والتي صُورت في البداية على أنها حركة شعبية، دعت للإطاحة بمرسي في 30 يونيو/حزيران. لاحقاً فقط بدا دور وزارتي الدفاع والداخلية في مصر في تحفيز الحركة واضحاً، وكشفت التسجيلات الصوتية المسربة أن قيادة تمرد كانت تعتمد على حساب مصرفي يديره الجنرالات المصريون وتغذيه الإمارات العربية المتحدة. وقد أبرزت المقابلات مع مسؤولين في وزارة الداخلية وأعضاء تمرد السابقين، كيف حرضت أجهزة الأمن على الاحتجاجات ضد حكومة مرسي. هذه التصريحات سرعان ما أفقدت تمرد مصداقيتها بعد الانقلاب. في أكتوبر/تشرين الأول 2013، هاجم نشطاء علمانيون وثوريون أحد مؤسسي الحركة، والذي وصفوه بأنه "عميل لأجهزة المخابرات".

وما يؤكد ما قاله الكاتب البريطاني الدور الكبير الذي لعبته الإمارات في الإطاحة بمرسي عبر الدعم المالي اللامحدود للنظام المصري الجديد بقيادة السيسي عقب الانقلاب العسكري وكذلك ما تحاول أن تقوم به الإمارات بقيادة الأنظمة الدكتاتورية السابقة في وقف عجلة التغيير في المنطقة العربية والتي بدأت مع الربيع العربي في ديسمبر 2010 بتونس.

وكشفت تسريبات أذاعتها قنوات مصرية معارضة لنظام السيسي، عن الدعم الخليجي لمصر بعد الانقلاب العسكري وكذلك دور الإمارات والسعودية في الإطاحة بمحمد مرسي.

ويضيف الكاتب البريطاني أن عدداً من الهجمات التي تعرضت لها مكاتب ومقرات الإخوان المسلمين في الفترة ما بين 18 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز 2013، والتي تركزت بشكل خاص في محافظات دلتا النيل – وهي المناطق التي عانى فيها المحافظون الذين عينهم مرسي في فرض سلطة سياسية بعد انتخابه في يونيو/حزيران 2012. تصاعدت أحداث العنف هذه -أكثر من 40 حالة- بشكل حاد في الأسبوع الذي سبق احتجاجات 30 يونيو/حزيران، وتزامنت مع التصريحات العلنية التي أدلى بها ضباط الشرطة ومسؤولو وزارة الداخلية بأن قوات الأمن في البلاد لن تتدخل وتحمي المباني.

واعتبر الكاتب البريطاني أن التقاعس المتعمد من جانب قوات الأمن هو سمة شائعة بشكل متزايد لحملات زعزعة الاستقرار التي كانت تهدف إلى تقويض الحكم الديمقراطي. في أي مكان بالعالم.

وضرب كيتشلي عدداً من الأمثلة، ففي عام 2008، وقفت الشرطة والجيش في تايلاند متفرجين بينما احتل الموالون للجيش "القمصان الصفراء" مطاري بانكوك التجاريين لأكثر من أسبوعين في محاولة لإسقاط حكومة سومشاي وونغساوات. في عام 2014، وقف الجنود الباكستانيون متفرجين بينما قامت حركة احتجاجية ذات علاقات وثيقة بأجهزة الأمن في البلاد باحتلال البرلمان وهيئة الإذاعة التابعة للدولة، اعتراضاً على نواز شريف رئيس الوزراء المنتخب حديثاً.

في مصر، سُمح للمتظاهرين المناهضين لمرسي باحتلال وزارة الثقافة لمدة شهر تقريباً بعد اعتراضهم على اختياره لوزير الثقافة. ولم يخف فشل الشرطة في التدخل عن المحتجين، الذين قالوا فيما بعد "كانت الدولة تؤيد الاعتصام لأنها كانت تريد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين".

كم عدد الذين تظاهروا بالفعل؟

أوهمت وسائل الإعلام المصرية الداعمة للسيسي والتي أعلنت تكراراً أن الملايين خرجوا في الشوارع ضد مرسي، ولكن ما ظهر بعد ذلك غير هذا تماماً، فالمخرج المصري خالد يوسف الذي أشرف على تصوير المتظاهرين من خلال مروحية عسكرية، قال إن هذه الأعداد قد تم تضخيمها بشكل كبير.

وأضاف الكاتب البريطاني، عندما توجهت حشود كبيرة إلى الشوارع في 30 يونيو/حزيران، داعية مرسي إلى ترك منصبه، رجحت البيانات التي أعلنها الجيش والشرطة سريعاً أن الأعداد تتراوح ما بين 14 و30 مليون شخص، احتشدوا ضد الرئيس المثير للفُرقة. من الأمثلة التي لا تنسى، ظهر الجنرال السابق سامح سيف اليزل على قناة CNN مساء الانقلاب، وأصر على أن 33 مليون متظاهر قد نزلوا إلى الشوارع. بعدها كان اسم اليزل على رأس قائمة انتخابية مؤيدة للسيسي تضم قادة حركة تمرد، والتي أفادت التقارير بأنها من تنظيم أجهزة المخابرات المصرية.

واعتبر كيتشلي أن هذه الأرقام، والتي تمثل ما بين 25% و 50% من إجمالي السكان البالغين في مصر، هي ببساطة لا تُصدق. على سبيل المقارنة، تشير البيانات المستقاة من مصادر خارجية أن مسيرات يوم المرأة الأخيرة في الولايات المتحدة، والتي تمثل على الأرجح أكبر احتجاجات جماهيرية في تاريخ البلاد، قد جذبت نحو 4 ملايين مشارك في جميع أنحاء البلاد. ويبلغ عدد سكان الولايات المتحدة حوالي أربعة أضعاف سكان مصر.

ويقدر كلارك ماكفيل، وهو باحث متميز في العوامل المحركة للحشود، عدد المتظاهرين الذين انضموا إلى أكبر احتجاج في ميدان التحرير وحوله في 30 يونيو/حزيران بمائتي ألف متظاهر. وأعداد مماثلة في الشوارع القريبة من القصر الرئاسي. في بحثي الخاص، عددت أكثر من 140 احتجاجاً ضد مرسي في 30 يونيو/حزيران، كما ذُكر في وسائل الإعلام المصرية. إضافة الأعداد المذكورة لتلك الحشود يشير إلى أن إجمالي المشاركة في 30 يونيو/حزيران يُحتمل أن يزيد قليلاً عن مليون متظاهر على مستوى البلاد. يمثل هذا احتجاجاً ضخماً، لكنه لا يزال جزءاً صغيراً من إجمالي الأعداد التي صوتت لصالح مرسي، بحسب الكاتب البريطاني.

كيف تنوعت الحشود المناهضة لمرسي وفق الإطار السياسي؟

ويقول كيتشلي: تسمح لنا بيانات الأحداث أيضاً بدراسة المناطق التي شهدت حشوداً أكبر، بالنظر إلى المشاركة في الاحتجاجات كنسبة مئوية من السكان في المحافظات المختلفة بين 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز 2013. شهدت القاهرة الكم الأكبر من الاحتجاجات، وهو الأمر الواضح. ومن المثير للاهتمام أن عدد الحشود بدا أكبر بكثير في المحافظات التي صوتت بأعداد كبيرة لمعارضي مرسي في الجولة الأولى من انتخابات 2012، وهو أمر هام من الناحية الإحصائية. كانت الاحتجاجات أقل في المناطق التي صوتت لصالح مرسي منذ البداية، مقدمةً بعض الأدلة المتواضعة ضد الادعاء القائل بأن القاعدة الانتخابية للإخوان انقلبت ضده لاحقاً.

ويختم الكاتب البريطاني تقريره بطبيعة الحال فإن استغلال الجيش للحشود الكبيرة في 30 يونيو/حزيران، لا ينتقص من المعارضة الشعبية الكبيرة لرئاسة مرسي المثيرة للفرقة وغير الكفوءة أحياناً. ولكن كما قلت في مكان آخر، تقدير دور جنرالات مصر وأجهزة الأمن في تهيئة الظروف لإبعاد مرسي، يثير الشكوك حول صورة أحداث حزيران/يونيو – يوليو/تموز 2013 المنتشرة سياسياً، وهي أن أغلبية المصريين وقفوا تلقائياً ، بلا مساعدة، لقبول العودة الكاملة إلى الحكم العسكري.

تحميل المزيد