التغيير هو السنة الوحيدة الثابتة في قوانين هذا العالم، ومَن ينكر ذلك ليس له من الواقعية نصيب.
إن المتابع للغة الإعلام مثلاً يجد تغيراً ملحوظاً في مفردات اللغة والمصطلحات التي أثرت عليها بشكل أو بآخر الثقافات المتداخلة في عصرنا الحديث التي جسّدتها بشكل واضح وسائل التواصل الاجتماعي، فتعامل الإعلام معها وحاول التماشي مع طبيعتها وطبيعة الحياة المعاصرة المتجددة.
إلا أن الخطاب الديني الإسلامي في الوعظ والإرشاد ما زال جامداً واقفاً محله لم يأخذ نصيبه بشكل واعٍ في مواجهة هذه المتغيرات التي أصابت كل شيء.
نعم الخطاب الديني الإسلامي ما زال واحداً منذ زمن بعيد، فمثلاً منذ طفولتي إلى الآن أسمع نفس القصص ونفس التعبيرات حتى نبرة صوت الشيوخ واحدة لم تتغير، مما يدعوني للقراءة من كتب السيرة أو الاستمتاع بالتلذذ بقراءة جماليات القرآن بدلاً من الاستماع لمعظم الشيوخ.
إن الانفعال الزائد والمصطنع أحياناً لمعظم الشيوخ لم يعد يلامس القلوب (الصراخ – التخويف – التحريم – البدايات المكررة – البعد عن استخدام العبارات البلاغية المتجددة.. إلخ).
العيب في هذه الحالة ليس في ديننا الجميل بل بمن يحملون رايته غير صادقين أو غير واعين بمستجدات عصرنا.
إن الخطاب الديني الإسلامي في الوقت الحالي للأسف يعيش منعزلاً ولا تنتعش "سوقه" إلا في شهر رمضان (لنكن واقعيين).
يعيش الخطاب الديني منعزلاً عن لغة الشباب الحديثة وتطلعاتهم فتجد الكثير من الشباب لا يستمتع في خطبة الجمعة مثلاً أو حضور درس ديني.
لماذا؟ السبب بسيط، ولكنه عميق، السبب في الأغلب الأساليب غير الإبداعية في الإلقاء أو في طريقة عقد الدروس؛ حيث تغيب المشاركة ويغيب الحوار والتساؤل ويمسك بزمام التحدث الأقل حنكة وأسلوباً وشغفاً فتجده كالمسجل يردد فقط دون شعور أو شغف أو تجديد.
إن ديننا دين جميل، دين خلق وسلام وعلم وأفكار ونقاش واستنتاج وبعيد عن الجمود مليء بالقصص والحياة.
وكتب السيرة والتاريخ مليئة بالقصص والشخصيات التي يمكن الاستفادة منها لزيادة الشعور بالرضا والمتعة والسعادة والتقدم في هذه الحياة، التراث الإسلامي مليء بالكنوز، ولكن الجهد لإظهار هذا الجمال ضعيف جداً.
إن معظم من يحسبون على الدين لا يعملون بنشاط وشغف بل بروتينية تامة!!
التجديد في الخطاب الديني ضرورة ملحّة وفي كل المصادر، التلفاز، اليوتيوب، الراديو، الخطب الدينية، الدروس.
ومن أهم النقاط التي يجب التركيز عليها هي فتح باب الحوار والتحليل والاستنتاج والسؤال لتعزيز المفاهيم الأخلاقية والإنسانية والدينية، فنحن في عصر السؤال والبحث والتساؤل وليس التجاهل!
إن شعور المتلقي أن الدين شمولي ضرورة ملحّة وتذكيره بشكل واعٍ من وقت لآخر وبشكل جميل جذاب ضرورة ملحّة كذلك فالعالم أصبح مليئاً بالأفكار المتطرفة وغير الصحيحة والداعية لمحاربة "الحياة والسعادة".
التطرف أصله عدم الفهم والغضب والجهل، ولذلك على كل متخصص التركيز على الابتعاد عن التقليد والروتينية في الخطاب الديني، والتركيز على الجماليات كذلك في الدين.
فلماذا مثلاً لا نحتفل بشكل إنساني بالمناسبات التاريخية الإسلامية كالعام الهجري أو المولد النبوي بتوزيع الهدايا والورود وإشغال الإعلام والمجتمع بقصص جميلة من تاريخنا، وجذب الأطفال لتوثيق الصلة بهذا التراث الإنساني.
لماذا لا نغتنم أي فرصة لنربط بين مفهوم الفرح والدين في أذهان الأطفال والشباب؟ علينا أن نفرح بكل مناسبة دينية، وأن يكون لدينا مساحة أكبر للفرح، نعم لدينا عيدان فقط، الفطر، والأضحى، ولكن لدينا مناسبات إسلامية كثيرة تعطينا مساحة للفرح والحياة والمعلومات والمعرفة، بهذا الشكل سيتذكر المسلمون وغيرهم الدين في أوقات الفرح تماماً كما يذكرونه وقت الحزن.
فسماع صوت القرآن مثلاً يجب ألا يرتبط سماعه بالمآتم والأوقات الحزينة بل في المناسبات والذكريات السعيدة في الدرجة الأولى.
ولا بد من التنويه هنا بأن هناك أمثلة لأشخاص حولنا بدأوا يأخذون المبادرة ليظهروا الجانب المغيب من ديننا، الجانب الجمالي والتفاعلي الذي أخذ أصداء جميلة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يدل على عطش الناس للنماذج الشغوفة التي تحب الدين بفرح وحياة وذكاء وتوازن، وهم متمسكون بالعقيدة والأحكام الإيمانية الشاملة.
دعونا نتوقف عن الرجوع للخلف، ونسعى لتجديد خطابنا الديني بشكل صادق وواقعي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.