دعت صحيفة The Times البريطانية جميع الأطراف المعنية بالأزمة القطرية لفض هذا النزاع والبرهنة على أن وحدة العالم العربي ليست مجرد كلامٍ ظاهري، محذرة من أن إيران وتنظيم داعش هما المستفيدان الوحيدان من هذه الأزمة.
وقالت الصحيفة إن الحل البديل لذلك سيكون تصعيد الصراع لدرجةٍ تضع إمدادات النفط والغاز الطبيعي العالمية وكذلك نتيجة الحرب ضد الإرهاب على المحك.
داعش
وفقاً لمعظم التكهنات، وصلت الحرب ضد تنظيم (داعش) إلى نقطةٍ فارقة، مع تراجع قوات الجماعة الإرهابية في العراق وسوريا. لكن مع الأسف، انخرط العالم العربي -الذي من المفترض أن يقوم الآن بحشد قواته لهجوم كاسحٍ على الجهاديين- في عداءٍ داخليٍ يستهلك طاقته.
وقدَّمَت المملكة السعودية لقطر قائمةً من المطالب التي لا تُعرقل الإرهاب العالمي بقدر ما تُثير الفرقة الكبيرة بين دول الشرق الأوسط.
وأشارت الصحيفة إلى أن المملكة السعودية كانت هي أول من استقبلت ترامب في رحلته الرئاسية الخارجية الأولى. واستُقبِلَ استقبالاً حافلاً، وبدا أنه رد الجميل بوضع ختم الموافقة الأميركية على طموحات الرياض للفوز بالزعامة الإقليمية، إذ شجَّعَ الرئيس السعوديين نظراً لرغبته في الحصول على تأييدٍ واسعٍ في الحرب ضد داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، ولإصراره أيضاً على احتواء النشاط العسكري المدعوم من إيران والتصدي له في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وبتشجيعٍ من الدعم المُقدَّم من جانب الولايات المتحدة، انقلبت السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر. وطالبوها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، والتوقف عن دعم الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية، وإغلاق شبكة الجزيرة الإخبارية، وإنهاء اتصالاتها مع المعارضة السياسية في الدول العربية الأخرى، ومواءمة سياساتها العسكرية والاقتصادية الخارجية مع الدول الأخرى، والخضوع لمراجعاتٍ شهريةٍ لسلوكها.
وفرضت الدول المنتقدة لقطر حصاراً أرضياً وجوياً وبحرياً عليها حتى تُعلن خضوعها. ولم تتطرَّق تلك الدول علناً إلى الإجراء الذي ستتخذه نتيجة رفض قطر الانصياع لمطالبها.
إيران
وأثارت قطر حفيظة جيرانها بالتصرف وكأنها تُؤمِّن على رهانها، آملةً في أن تكون في الجانب المنتصر في حال اندلاع أي انتفاضةٍ عربيةٍ جديدة. وتمتلك قطر نفوذاً كبيراً على قيادة حركة حماس، رغبةً منها بالتأثير على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ويزعم السعوديون إنها تلعب دور المضيف لأفراد الحرس الثوري الإيراني. وتدعم أيضاً الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا.
لكن المطالب التي قُدِّمت لقطر من المستحيل أن تقبل بها أيُ دولةٍ مستقلةٍ ذات سيادةٍ على أراضيها. فإسكات محطةٍ تلفزيونيةٍ لن يحقق أي نتائج. ويبدو أن الهدف من هذه المطالب هو إخضاع قطر الكاملة لرغبات وإرادة المملكة العربية السعودية. والإصرار على المراقبة الدائمة لسياسات الدوحة هو بمثابة محاولةٍ متعمدةٍ لإهانة أمير قطر.
ونقلت "سي إن إن" عن الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن حسين إبيش توقعه أن تخلق الأزمة الدبلوماسية "فرصاً لإيران على المدى الطويل"، وقد تخلق كذلك "فتحات للمخيم الموالي لإيران، على الأقل فيما يتعلق بالرأي العام في العالم العربي، فالقوميون من العرب سيقفون مع قطر، والإسلاميون سيقفون إلى جانب قطر، وبعض الليبراليين أيضاً سيقفون إلى جانب قطر"، كما يقول.
كيف شجع ترامب السعوديين؟
ورأى آرون ديفيد ميلر، نائب رئيس وعالم بارز في مركز "وودرو ويلسون" الدولي للباحثين في مقال نشره موقع "سي إن إن بالعربية" أن دعم ترامب القوي للمملكة العربية السعودية لم يخلق هذه الأزمة مع قطر، ولكن من المرجح أنه جعل السعوديين أكثر جرأة لاتخاذ إجراءات الآن.
وقال "من الصعب أن نرى نهاية سعيدة لأي من هذا. إذا حاولت الولايات المتحدة التوسط، من المرجح أنها ستفشل. إذا لم تتوسط، سيُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها مهمشة. وإذا اختارت أميركا، كما فعل الرئيس على تويتر، دعم السعوديين، فإنها ستجد نفسها في وسط صدع من شأنه أن يُضعف دول مجلس التعاون الخليجي.
الموقف الأميركي المشجع لم يذهب بعيداً في دعم الخيار السعودي، فأبقى على دعوته لحل الأمور ولم يذكر أي شيء بخصوص نقل قاعدته العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط (قاعدة العديد) من الأراضي القطرية. حسب تقرير لموقع رصيف 22.
ونقل هذه القاعدة الهامة إلى مكانٍ آخر سيتسبَّب في إبطاء جهود الحرب ضد داعش، وفقاً لصحيفة The Times التي رأت أن الأزمة تتطلَّب تدخلاً خارجياً، لكن تحيُّز ترامب للجانب السعودي جعل من المستحيل على وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن يتدخَّل كوسيطٍ مُحايد.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكويت حاولت التوسُّط بنقل الرسائل بين الجانبين، لكن دون نتيجةٍ فعليةٍ حتى الآن.
كما حاولت بريطانيا، التي تمتلك مصالح في المنطقة بأسرها، على استحياءٍ، أن تُوفِّق بين الجانبين.
وأبدى وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، تأييده لبعض المطالب السعودية، إذ دعا قطر للتوقف عن تمويل الجماعات الإرهابية. لكنه أبدى "قلقه" أيضاً إزاء عواقب الحصار السعودي على قطر.
ولم تسهم أيٌ من الجهود في تخفيف حدة التوتر حتى الآن. وفي حال طرد قطر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ستصبح فريسةً سهلةً للتقارب مع إيران – وهذه النتيجة لن تصب في مصلحة أحدٍ سوى آيات الله في طهران. لذا على السعوديين والقطريين أن يعودوا إلى رشدهم سريعاً قبل فوات الأوان.