يتناول المسلسل التاريخي "أحمد بن حنبل" قصة حياة رابع الأئمة (أحمد بن حنبل)، ويقدم العديد من الأحداث التي وقعت في حياته، بالإضافة إلى تناول حياته الشخصية ودراسته وعلمه حتى وفاته، ويركز بالدرجة الأساس على المحنة -إجبار العلماء على القول بخلق القرآن- المسلسل من بطولة الممثل السوري مهيار خضور، وإخراج عبد الباري أبو الخير.
يبدو المسلسل مقنعاً جداً في الملابس والمكياج والديكور الذي يأخذك إلى ذلك العصر الغابر، كما يتميز المسلسل أيضاً بنص جيد، يطرب مسامع محبي الفصحى، لكن مع هذا فالعمل فيه ما يجعله مملاً إلى حد ما رغم الصفات الحسنة التي ذكرنا، فما هي؟
أولاً: اللادوران في فلك البطل
شخصيات المسلسل مهما كان عددها، فهي كلها تدور حول فلك البطل، وكلها تربطها بالبطل علاقة مباشرة أو غير مباشرة، هكذا هي الدراما التي تشد المتلقي وتجعله يشعر أن كل شخوص العمل يؤدون القصة نفسها، وهذا ما لم يُلاحظ في المسلسل، فمثلاً كانت هناك شخصيات عديدة أخذت حيزاً واسعاً في العمل دون أن تربطها بالبطل علاقة مباشرة، كشخصية الفتاتين الضائعتين، شاهيناز وفوز، وزمردة وزوجها، السيدة التي حبست وعذبت فوز، فالمسلسل ركز عليهم كثيراً وأفرد لهم مشاهد واسعة دون أن يكون لهم علاقة مباشرة بالبطل، أضف إلى ذلك شخصية عامر وأمه العجوز، فعائلة عامر أيضاً أخذت كماً كبيراً من المسلسل، خصوصاً الأحداث العائلية منها، مع أن الذي يربط عائلة عامر بالبطل هو دكان استأجره عامر فقط، لكن العمل عرض كل شيء لهذه العائلة بما فيها الخلافات العالية بين أم عامر وزوجته، صحيح أن المشاهد كوميدية تكسر القالب وتُخرج المتابع من الملل، لكنها كانت كثيرة، وبإسهاب.
ثانياً: إتمام اللقطة بعد نهاية الحوار
غالبية الأعمال الدرامية فيها مَشاهد تجسّد الحياة الطبيعية كحركة المارة وسير الحياة اليومية، هذه المشاهد قد تبدو حشواً لكنها ليست كذلك، فهي تجعل المتلقي يندمج في العمل، في مسلسل "الإمام" أكثّر المخرج من لقطات لم تكن تخدم هذا الغرض، فعلى سبيل المثال حين يكون هناك حوار بين شخصيتين وينتهي الحوار، وهما يتمشيان، فإن نهاية المشهد لا تكون بنهاية الحوار أو بعده بقليل، بل يرافقهم المصور حتى يختفيا في نهاية الزقاق، أو أن يختفوا في الأفق، بالإضافة إلى مشاهد داخل بيت الإمام، فمشهد إعطاء أم أحمد لحقيبته ومرافقته في خروجه تكرر كثيراً جداً.
ثالثاً: الحشو الذي لا يخدم الحبكة
يقول أرسطو عن الحبكة الدرامية: "إنها تنظيم للأفعال والأجزاء بحيث لو غُير جزء ما، أو نزع لانفرط الكل"، وهذا توصيف دقيق عن أهمية الحبكة في صياغة العمل الدرامي.
ما لوحظ في مسلسل الإمام وجود مشاهد كثيرة وحوارات ليس لها أي علاقة بالحبكة الأصلية، وهي قصة الإمام، كمشاهد الإمام أحمد مع أمه في بعض الأحيان خصوصاً، فمثلاً على سبيل الذكر لا الحصر، المشهد الذي دار بين الإمام أحمد وأمه في إحدى الحلقات، كانت أم أحمد تعد الطعام، فيما هو كان ينوي الخروج، فقالت الأم: أين تذهب؟ قال: سأذهب لحضور جنازة أحد جيرانهم، فقالت الأم: رحمه الله، وخرج أحمد وانتهى المشهد، مشهد كهذا ومثله الكثير تكرر مراراً أثناء المسلسل، أضف إلى ذلك حوار أم عامر مع كُنتها، ومشاهد فوز مع زمردة السيدة التي حبستها، ومشاهد أخرى داخل سوق بغداد، وكل هذا جعل المسلسل يبدو بإيقاع بطيء.
رابعاً: انعدام الإشارات التي تسبق الحادث
ما زلت أذكر في مسلسل عمر، الذي أخرجه حاتم على، في الحلقة الأولى تحديداً، عندما جاء عمر بالحطب لخالته، وبعد أن أعطاها الحطب وهمَّ بالرجوع، قالت له خالته: "على رسلك"، أي توقف كي أحضر لك شيئاً، وفي ذلك الحين بقي هو في الباب فيما خالته ذهبت تحضر له تمراً وزبيباً، في مدة انتظاره هذه، أطلق عمر نظره إلى الكعبة؛ حيث كان هناك مجموعة من الأشخاص يتوسلون بالأصنام أن ترزقهم أو تعطيهم الذرية، وهو كان يبدو كأنه غير مقتنع بما يرى، أو هكذا وصلت الرسالة للمشاهد، القصد، أن الأعمال الدرامية دائماً ما تعطي تلميحات أو إيحاءات تخدم القصة الأصلية منذ بداية العمل، فمثلاً مشهد مسلسل عمر أعطانا إيحاء عن مستوى التدني العقدي في تلك الفترة التي سبقت الإسلام، على خلاف مسلسل الإمام، فلم تكن هناك تلمحيات ولو قليلة عن المعتزلة، التي هي القصة الأبرز في المسلسل، إذا ما علمنا أن المعتزلة ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.