اللوموند الفرنسية: سياسة السعودية باليمن قوَّت الحوثيين وورطتها بالعمل مع جماعات مصنفة إرهابية في الغرب

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/01 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/01 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش

اتَّحد عدد من جيران قطر (السعودية والإمارات والبحرين) مصحوبين بمصر واليمن ودول أخرى أصغر، في الـ5 من شهر يونيو/حزيران 2017، وقطعوا العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ووضعوها تحت الحصار جواً وبحراً وبراً.

ووجهت تلك الدول اتهامات عدة للدوحة، نفتها مراراً، معتبرةً أنها قُدمت من دون أدلة، بحسب تصريحات المسؤولين القطريين، وقدمت دول الحصار قائمة من المطالب، وقال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن "الدوحة مستعدة للتفاوض بشأن قضايا مشروعة تهم جيرانها بالخليج"، لكنه أضاف أن بعض المطالب تنافي المنطق، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز، الخميس 29 يونيو/حزيران 2017، فيما أوشكت المهلة التي حددتها دول الحصار للرد على مطالبها على الانتهاء.

الخبير في شؤون الخليج نيل بارتريك اعتبر هذه الأزمة "تمثل الفشل التام لمشروع الوحدة الخليجي". وفقاً لما ذكرته صحيفة "Le Monde Diplomatique" الفرنسية، الثلاثاء 27 يونيو/حزيران 2017.

وتساءلت الصحيفة: أي ضوءٍ تُسلِّطه هذه الأزمة على اتهامات السعودية الموجهة ضد جارتها الأصغر منها حجماً، لكن المساوية لها في الثروة، وما علاقة هذه الأزمة بالعلاقات بين كلٍّ من قطر والسعودية واليمن، حيث تنخرط الدولتان في عملياتٍ عسكرية منذ عام 2015.

الملف اليمني

وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أنه قبل عقدٍ من الزمن، تعاملت السعودية وقطر مع الصراع بين علي عبد الله صالح والحوثيين بطريقةٍ مختلفة إلى حد كبير.

فقد شارك الجيش السعودي، قبل حملته العسكرية الحالية في اليمن، في الحروب المدمرة التي خاضها صالح ضد الحوثيين (2004-2010)، مُدمِّراً بنية تحتية هائلة، ومُتسبِّباً في الكثير من القتلى بين المدنيين.

وتضيف الصحيفة أن السعودية أمدَّت الحكومة اليمنية آنذاك بالأسلحة، من بينها صواريخ ربما يستخدمها أولئك المعارضون لتدخلها العسكري ضدها الآن، وسمحت للجيش اليمني باستخدام أراضيها للقيام بعملياتٍ عسكرية ضد المتمردين.

هذه الحروب العقيمة لم تؤد إلا إلى تقوية الحوثيين وفضح عجز الجيش السعودي، بحسب "Le Monde Diplomatique"، (ولهذا السبب لم تلتزم السعودية بنشر قواتٍ برية عبر حدودها الجنوبية في حربها الحالية ضد ميليشيات المتمردين).

ومن تلك الحروب المتقطعة التي جرت في بدايات القرن الواحد والعشرين، استنتج ياسر العوضي، نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي العام، في مقابلة مع الواشنطن بوست، 7 يونيو/حزيران 2008، أنَّ "السعودية تهتم بهذه الحرب في اليمن أكثر من اهتمام اليمن نفسه بها". واعترف بأنَّ السعودية مارست ضغوطاً على اليمن من أجل أن "تقوم بحملةٍ" على الحوثيين.

وبحسب نبيل خوري، الذي عمل نائباً للسفير الأميركي في صنعاء بين عامي 2004 و2007، فقد "كان السعوديون تقريباً مهووسين بتدمير الحوثيين. وبسبب هذا الانشغال بالحوثيين (…) لم يكن السعوديون، ببساطةٍ، متحمسين للهجوم على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية".

وانتقد السفير الأميركي لدى اليمن بين عامي 2007 و2010، ستيفن سيتش، دخول السعودية هذه الحرب. فقد قال في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2009: "ليس ثمة الكثير من الطرق لتشجيع الإيرانيين على التدخل في التمرد الحوثي أكثر من اصطفاف كل جيران اليمن السُّنّة لتمويل وتجهيز عبد الله صالح وعمليته التي وصفها بـ(عملية الأرض المحروقة)".

جهود الوساطة

وبينما حاولت السعودية التفوق على محاولات وساطة قطر لتحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس في فلسطين، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2006، عن طريق رعاية اتفاق مكة بين الفصيلين بعد ذلك بعام، اتخذت طريق الحرب في اليمن (ستبدأ السعودية مغامرتها العسكرية هناك عام 2009).

وبخلاف السعودية، ربطت قطر نفوذها بجهود الوساطة بين الفصائل اليمنية المتحاربة. ففي 2007، دعت القيادة القطرية إلى الدوحة أعضاء من الأحزاب المتعارضة، كان من بينهم اللواء علي محسن، الذي قاد الحملة العسكرية ضد الحوثيين (يشغل حالياً منصب نائب الرئيس في الحكومة اليمنية في المنفى)، والراحل الدكتور عبد الكريم الإرياني (مستشار صالح)، وعضو البرلمان بدر الدين الحوثي.

وتوصلت قطر إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في الـ16 من يونيو/حزيران 2007، بعد ثلاث سنواتٍ من الحروب المتقطعة، لكن هذا الاتفاق الهش انهار بعد تجدد الاشتباكات. ثم استؤنفت محادثات السلام في الدوحة، ووقَّع الطرفان المتحاربان ورئيس الوزراء القطري اتفاقاً جديداً، في الأول من فبراير/شباط 2008.

وعارضت السعودية هذا الاتفاق خوفاً من أنَّه قد يمهد الطريق لتولي قادة الحوثيين مناصب حكومية. وأراد اللواء علي محسن، الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بولي العهد ووزير الداخلية الراحل نايف بن عبد العزيز، مواصلة الحرب، وشجَّعت أفرع من حزب الإصلاح الملك الراحل عبد الله على الانضمام.

وبعد اتهاماتٍ كاذبة اتهمهم فيها باختطاف عددٍ من المواطنين الألمان والبريطانيين والكوريين الجنوبيين في صعدة، محافظة الحوثيين، شنَّ الرئيس اليمني حرباً أخرى، أكثر تدميراً من سابقاتها، على الحوثيين.

شارك الجيشان اليمني والسعودي في هذه الحرب السادسة معاً. وأعلنت السعودية رسمياً الجهاد ضد "الأشرار" خارج حدودها التي مثَّلت واحدةً من أهم أسباب وجود الدولة السعودية منذ القرن الثامن عشر.

ووجه جيران قطر اتهامات لها بـ"إيواء الإرهابيين وجماعات طائفية"، حسب تعبيرهم، وفي تعليقها على ذلك قالت الصحيفة الفرنسية: "يتساءل المرء إذا كانت السعودية التي تقود حملة الضغط على قطر لحملها على تحويل سياستها الخارجية بالكامل محقةً في ذلك".

وأضافت أنه في عام 1990، شجعت السعودية على إنشاء "الحزب الإسلامي"، التجمُّع اليمني للإصلاح، والذي وصفته الإيكونوميست بأنَّه "فرعٌ محلي من أفرع الإخوان المسلمين" الذي تعاديه السعودية.

الدعم السعودي

وفي كتابتها عن فترة بداية الألفية الثالثة، توضح المحاضِرة الكبيرة بقسم الأمن الدولي والتنمية بجامعة سيدني، سارة فيليبس، أنَّ "الإخوان المسلمين، الذين يشكلون الأساس لجزءٍ كبير مما يُعرف الآن بحزب الإصلاح، كانوا مدعومين من جانب السعودية أيضاً. وبينما لم يعد الحزب يتلقى الأموال مباشرةً من السعودية (على الرغم من أنَّ بعض أعضائه، وأبرزهم الشيخ عبد الله الأحمر وأبناؤه، لا يزالون يتلقون أموالاً بشكلٍ شخصي)، فإنَّه يُعتقَد على نطاقٍ واسع أنَّ الحزب لا يزال يتلقى أموالاً بشكلٍ غير رسمي من شركائه الأيديولوجيين داخل السعودية".

وكان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر من قبيلة حاشد عظيم النفوذ في المناطق الشمالية من البلاد. وباعتباره شخصيةً بارزة في حزب الإصلاح، فقد مثَّل تعايش المكونات القبلية والإسلامية التي تفضلها السعودية. وظل الشيخ الأحمر ركيزة أساسية من ركائز قيادة الحزب إلى جانب كونه أحد المقربين من علي عبد الله صالح حتى موته المفاجئ عام 2007.

سياسات مختلفة

وكما كان الحال في الحروب السابقة في اليمن (2004ـ2010)، تعاملت قطر والسعودية مع مظاهرات الربيع العربي عام 2011 بطريقتين مختلفتين جذرياً.

فكما قال غيرد نونمان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون في الدوحة، تعود أحد جذور الصراع الحالي إلى "استياء السعودية والإمارات من استقلالية السياسة الخارجية لقطر، بما في ذلك دعمها لحركات الربيع العربي".

فقد وقَّعت دول الخليج على اتفاقٍ، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بعد التفاوض حول استقالة صالح التي جاءت عقب مظاهراتٍ مستمرة. حدَّدت هذه الاتفاقية مستقبل صالح السياسي بعد الاستقالة، ومبادئ الحكومة الانتقالية. وانضمت أحزاب اللقاء المشترك، التي كان حزب الإصلاح قد سيطر على قيادتها، إلى الحكومة الجديدة.

اتفاق انتقالي

صُمِّم هذا الاتفاق الانتقالي، الذي دعمته دول خليجية أساسية بكل قوة، لطي صفحة المظاهرات الشعبية والحفاظ على الوضع السياسي الراهن، عن طريق استبدال علي عبد الله صالح بنائبه عبد ربه منصور هادي.

واشترط الاتفاق أنَّ فقط أعضاء الأحزاب السياسية القائمة (حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك) هم من سينضمون للحكومة الجديدة. ولم يعطَ ممثلو حركات مثل أنصار الله (الحوثيين) والحراك الجنوبي لا مناصب وزارية ولا رئاسة محافظات.

فقد كان المسؤولون يشعرون بالاستياء من دور الحوثيين بصفتهم ميليشيا جيدة التسليح، لكن غير فاسدة. لكن في 2011، أخفقوا في منح الحوثيين الفرصة كي يصبحوا جزءاً من العملية السياسية بشكل يتجاوز مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان من شأنه أن يمنحهم حصة في الحكومة الجديدة.

وزادت التوترات أيضاً بسبب مشاركة حزب الإصلاح، بخلاف الحوثيين، في المناقشات حول الاتفاق الانتقالي، ولاحقاً حاز عدداً كبيراً من الحقائب الوزارية ومناصب حكام المحافظات (أكثر من أي حزبٍ آخر من أعضاء اللقاء المشترك)، لا سيما في الشطر الشمالي.

ومكَّن الاتفاق الانتقالي حزب الإصلاح، بدعمٍ من السعودية، من الهيمنة على الحكومة. وعلى مدار العامين السابقين، أصرت كلٌّ من السعودية والحكومة اليمنية في المنفى على العودة إلى الاتفاق الانتقالي (إلى جانب تطبيق قرار مجلس الأمن لعام 2016 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني)، وهو الأمر الذي لن يساهم مع ذلك في حل الأزمة في اليمن.

تغيير المواقف

وبخلاف السعودية، كانت الإمارات معارضة دوماً للإخوان المسلمين، ولطالما اضطهدت أعضاءها. ومع ذلك، فقد أصبح حزب الإصلاح مكروهاً من جانب السعودية بعدما أدان بعض أبرز أعضاء الحزب دور السعودية في إسقاط حكومة الرئيس المصري محمد مرسي، في شهر يوليو/تموز 2013.

ونتيجةً لذلك، وضعت السعودية حزب الإصلاح على قائمتها الخاصة "بالإرهاب". ثم تغير كل هذا بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، في شهر سبتمبر/أيلول 2014، فتحسنت العلاقات التي كانت سيئة بين السعودية والإصلاح تدريجياً.

وكان قادة الإصلاح قادرين على استغلال الأزمة من خلال إقناع السعوديين بأنَّهم قد أضروا بالحزب عندما وضعوه في القائمة السوداء. ويبدو أنَّ السعودية قد شعرت، في ظل هذه الظروف، أنَّ الإصلاح يمثل أقل الخيارات سوءًا في الشمال، وفقاً لصحيفة "Le Monde Diplomatique".

ومنذ وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم، أصبح هناك تقارب بين السعودية وحزب الإصلاح. فقد استضافت السعودية، في شهر يوليو/تموز 2015، بعد أربعة أشهر من بدء عملية عاصفة الحزم، عدداً من قادة الإصلاح.

وقبل تدخُّل السعودية، كان الكثير من السُّنّة في المناطق الواقعة جنوب العاصمة صنعاء متعاطفين مع الحركة الحوثية، لأنَّهم كانوا مستائين من الحكومة التي هيمن عليها حزب الإصلاح. ويقاتل بعض أولئك السُّنّة في صف الحوثيين في محافظتي إب وتعز لهذا السبب ذاته.

من جانبها تدعم الإمارات السلفيين في الحرب الجارية في اليمن. وربما يكون سبب وصول القتال حول تعز، حيث يلقي الإصلاح بثقله في معركة ضد الحوثيين، إلى طريقٍ مسدود، هو ممانعة القوات الإماراتية في الاشتراك بشكلٍ أكثر حسماً في حالة كان تحقيق انتصارٍ هناك سيؤدي إلى تقوية حزب الإصلاح.

ومؤخراً، اتهمت السعودية قطر بـ"اختراق اليمن عن طريق رشوة الإصلاح"، وهو السلوك الذي سيربطه الكثير من اليمنيين بالتعاملات السابقة للسعودية مع الحزب الإسلامي والقادة اليمنيين المهمين الآخرين.

وزعمت صحيفة الوطن المملوكة للسعودية أنَّ قطر قد أغدقت الأموال على حزب الإصلاح (خصوصاً لجناح الإخوان المسلمين) وحكومة عبد ربه منصور هادي، من التبرعات المالية السخية والعقارات في قطر مقابل التجسس والعمل الاستخباراتي، حسب قولها.

كما اتهمت قطر بأنها سعت إلى شراء ولاء أولئك الأشخاص، "من أجل تقويض مهمة التحالف وإعاقة التسوية السياسية للأزمة في اليمن".

وعبَّرت السعودية أيضاً عن قلقها من التراكم المتزايد للأصول العسكرية لقطر. وقال الرئيس ترامب في بداية المحادثات مع أمير قطر في شهر مايو/أيار الحالي، خلال زيارته الأولى لعددٍ من الدول الخليجية منذ توليه منصبه: "واحدة من الأمور التي سنناقشها (…) هي شراء قطر للكثير من المعدات العسكرية الجميلة".

إلقاء اللوم على قطر

كرَّر العميد الركن ثابت حسين صالح، نائب مدير المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية اليمني، مزاعم صحيفة الوطن بأنَّ قطر تسعى للسيطرة على شبه الجزيرة العربية.

وقال صالح إنَّ قطر لديها خطة لحكم شبه الجزيرة بأكملها من خلال الأحزاب التي تمثل "الإسلام السياسي"، ومن خلال جمعيات خيرية، ووسائل أخرى.

ومن المحتمل أن يكون أحد أسباب اتهام قطر بتقويض الحرب في اليمن هو ما أذاعته قناة الجزيرة، في الـ27 من شهر مايو/أيار قبل أيام قليلة من بدء الحملة الإعلامية المكثفة ضد قطر.

فقد قالت الجزيرة إنَّ الإمارات تدير سجوناً سرية في جنوب اليمن خارج سيطرة الحكومة اليمنية، وقدمت قائمة بمراكز الاعتقال في عدن والمكلا، وكلاهما ميناءان مهمان.

وذكر موقع "الجزيرة.نت" نقلاً عن منظمة سام للحقوق والحريات أن تلك المعتقلات تديرها تشكيلات عسكرية، منها قوات الحزام الأمني في عدن وقوات النخبة الحضرمية في المكلا الخاضعتان بصورة مباشرة لإشراف الإمارات العربية المتحدة العضوة في التحالف العربي.

واعتبر الباحث الكبير في معهد الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا، غاري سيك، أن تقرير الجزيرة أغضب أبو ظبي والرياض، لا سيما أن وكالة أسوشيتد برس أكدت هذا التقرير ووسَّعت نطاقه بعد حوالي شهرٍ من هذه الحادثة بعد مقابلات أجرتها مع معتقلين سابقين.

وذكرت الوكالة أنَّ حوالي ألفي شخص قد اختفوا في شبكةٍ سرية من السجون، حيث احتجزوا وعذبوا. مضيفةً أن قادة لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي طلبوا من وزير الدفاع جيمس ماتيس التحقيق في ضلوع محققين من الولايات المتحدة في هذه السجون.

والآن تدفع قطر ثمن تسليط الضوء على هذه الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أنَّ الجزيرة قد قلَّلت بشكل كبير من تركيزها على زعماء الخليج منذ تولى تميم بن حمد آل ثاني منصبه أميراً للبلاد، في الـ25 من شهر يونيو/حزيران 2013، فإنَّ صحافتها الاستقصائية لم تتوقف قط عن إثارة غضبهم.

وفي ضوء كل هذا يأتي مطلب السعودية وحلفائها (من بين 13 مطلباً) بإغلاق قناة الجزيرة ثمناً لرفع الحصار، وهو مستوى غير مسبوق من الرقابة على دولةٍ مستقلة.

وكانت الأمم المتحدة قد اعتبرت الجمعة، 30 يونيو/حزيران 2017، أن مطالب دول الحصار من قطر بإغلاق قناة الجزيرة أمر غير مقبول وهجوم واضح على حرية الرأي والتعبير، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.

تنظيم القاعدة

ومن بين الاتهامات التي وُجهت لقطر، اختراق اليمن، من خلال دعمها لتنظيم القاعدة، لكن الصحيفة الفرنسية أشارت إلى أنه بعد 6 شهور من بدء التدخل السعودي في اليمن، فحص جورجيو كافييرو ودانيل فاغنر العلاقة بين التحالف الذي تقوده السعودية وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في مقالٍ نُشِر في مجلة فورين بوليسي (23 سبتمبر/أيلول 2015).

وقال المؤلفان إنَّ "السعودية قد اتحدت مع تنويعة من الفصائل اليمنية السنية في محاولة لسحق تمرد الحوثيين".

وقد ورَّط هذا الأمر المملكة في التعاون مع جماعاتٍ إسلامية سُنّية تصنفها السعودية -إلى جانب حكومات عربية وغربية أخرى- على أنَّها تنظيمات إرهابية.

وقد صنفت إدارة أوباما تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، على أنَّه أخطر فرع للقاعدة في العالم، وأخطر تهديدٍ إرهابي للأمن القومي الأميركي.

وعن طريق وضع التنظيم نفسه في مقام القوة السُّنّية المنضبطة القادرة على المواجهة الفعالة للمتمردين الحوثيين، فقد أثبت نفسه باعتباره شريكاً بحكم الأمر الواقع في الحملة المدعومة أميركياً تحت قيادة السعودية في اليمن، وذلك على الرغم من كون التنظيم هو الهدف الأساسي لحملة هجمات الطائرات بدون طيار المستمرة التي تشنها واشنطن".

وفي هذا السياق، قال المحلل الكبير للشؤون العربية في مؤسسة جيمس تاون، مايكل هورتون، مؤخراً إنَّ "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب طرفٌ أصيل في الائتلاف"، وإنَّ حرب اليمن قد تؤدي إلى انتشار تنظيم القاعدة بدلاً هزيمته، وفقاً لما ذكرته صحيفة "الإيكونوميست"، في 10 يونيو/حزيران 2017.

وفي شهر يونيو/حزيران الحالي، نصح محافظ حضرموت، أحمد سعيد بن بريك، ترامب بإيقاف حملة الطائرات بدون طيار ضد القاعدة، مقترحاً أنَّ هزيمتها ينبغي أن تترك للقوى المحلية. ومع ذلك، فمنذ أن قطَّع الجيش اليمني أوصال الإمارة التي أنشأها التنظيم في الأقاليم الجنوبية عام 2013 بالشراكة مع الحوثيين، لم تقم أية محاولة جادة للقضاء عليه. وبخلاف مدنٍ يمنية أخرى سيطر عليها الحوثيون لعددٍ من السنوات، فإنَّ عاصة إقليم حضرموت لم تقصفها قوى التحالف قط عندما كان يتحكم فيها تنظيم القاعدة.

مفارقة

وكانت دول الحصار (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر)، قد وضعت قائمة بأسماء شخصيات وكيانات على قوائم الإرهاب، بحسب وكالة رويترز، ومن بينهم عبد الوهاب محمد عبد الرحمن الحميقاني، السكرتير العام لحزب اتحاد الرشاد السلفي، الذي أُنشئ عام 2012، وهو يمني الجنسية.

وتوجه اتهامات للحميقاني بعلاقته مع تنظيم القاعدة، لكن المفارقة أنه عاش في الرياض، ولم يكن ينظر إليه حتى وقت قريب بعين السخط من جانب مضيفيه السعوديين. ولم يمنع اتهام الإدارة الأميركية له لا الحكومة اليمنية ولا السعودية من السماح له بمواصلة أداء دورٍ في الحياة السياسية.

وبعد التدخل السعودي في اليمن عام 2015، أصبح عضواً في الفريق الذي مثَّل الحكومة اليمنية في المنفى في جلسات الحوار الفاشلة التي رعتها الأمم المتحدة في جنيف بين الحكومة اليمنية والحوثيين، في شهر يونيو/حزيران 2015.

ويعمل الحميقاني أيضاً في مؤسسة عيد الخيرية، وهي مؤسسة غير حكومية أنشئت في الدوحة عام 1995. واتهم خصوم قطر في الخليج هذه المنظمة أيضاً بدعم "الإرهاب". وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإنَّ هذه المنظمة غير الربحية واحدة من بين الكثير من المنظمات الخيرية القطرية التي تُشكِّل "قطاعاً متطوراً للغاية يوفر المساعدة والدعم في الداخل والخارج".

وترى الصحيفة الفرنسية أنه بعد خطاب ترامب، في 21 من شهر مايو/أيار 2017، في السعودية، "جُعل الحميقاني كبش فداء".

وأضافت أن هذا التوقيت يعكس رغبة القيادة السعودية في إرضاء الرئيس ترامب الذي حثَّ خلال زيارته على الاتحاد لمحاربة التطرُّف في العالم الإسلامي.

ورأى ترامب المزاعم الموجهة ضد قطر من عدد من الدول العربية، باعتباره تصديقاً على المخاوف التي أثارها في الرياض. فكتب تغريدةً على تويتر قال فيها: "خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، قلتُ إنَّه لا يمكن استمرار تمويل الأيديولوجية المُتطرِّفة. فأشار القادة إلى قطر قائلين: انظر!"

وحققت السعودية والدول الخليجية الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي هدفين من خلال التشهير بالحميقاني، بعد أسبوعين من زيارة ترامب للمنطقة.

فقد زعم ترامب، في 9 من شهر يونيو/حزيران، أنَّ "قطر… تاريخياً كانت من مُموِّلي الإرهاب بدرجةٍ عالية للغاية، وفي أعقاب هذا المؤتمر في الرياض جاءت الدول وتكلموا معي حول مواجهة قطر بسبب سلوكها، فاتخذنا قراراً: هل نتخذ الطريق السهل أم نقوم أخيراً بالفعل الصعب، لكن الضروري"، بحسب شبكة "سي إن إن".

وتقول صحيفة "Le Monde Diplomatique": "ثَمَّ تكون الدول الأربع قد أظهرت انصياعها لمظلومية الولايات المتحدة حول التشدد الإسلامي على أمل أنَّها لن تبيع المزيد من الأسلحة إلى قطر، وربما تفكر في نقل قاعدة العديد، التي أُقيمت عام 1996، بعيداً عن إمارة قطر الصغيرة، لتكون في نفس درجة ضعف البحرين واليمن".

وقد أدى اتهام الحميقاني بالإرهاب من قبل الدول الأربع إلى نتائج عكسية على أرض المعركة في وسط اليمن. فقد انسحبت القوات التي تقاتل الحوثيين في محافظة البيضا (محل ميلاد الحميقاني) من مواقعها، اعتراضاً على إدراجه في قائمة الإرهاب، ما أدى إلى السماح للحوثيين بتحقيق مكاسب في المنطقة. ويُظهِر هذا التصرف انتشار السلفيين في المنطقة الجنوبية الوسطى منذ فقدوا مراكزهم الرئيسية في الشمال عام 2013.

ولا تترك وسائل الإعلام الرسمية في الرياض فرصة تمر دون التشهير بهذه المنظمات. فكانت إحدى الجمعيات الخيرية القطرية وتدعى راف (والتي اتهمت هي الأخرى بالارتباط بالإرهاب) قد وزَّعت خلال شهر رمضان وجبات مجانية على المدنيين المقيمين في الملاجئ حول الموصل، حيث يحارب الجيش العراقي تنظيم "داعش".

وبسبب أنَّ الطعام قد اُعِدَّ في مطعم خارج المعسكر وظل داخل السيارات حتى وقت الإفطار، فقد مرض المئات ممن أكلوا الطعام بفعل التسمم، وتوجَّب نقلهم إلى المستشفى. وبحسب النسخة الدولية لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية (عدد 15 يونيو/حزيران 2017) "لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت حتى رُبِطَت الواقعة بالجغرافيا السياسية".

فقد أظهرت إحدى محطات التلفاز السعودية صوراً للأطفال المرضى قابعين على أرض عيادة مزدحمة، معلِّقين على ذلك بأنَّ "مؤسسة راف القطرية الإرهابية" قدَّمت وجباتٍ وسمَّمت مواطني الموصل النازحين.

وختمت الصحيفة الفرنسية بالقول: إن "هذه الحملة السعودية الإعلامية الشرسة ضد جارتها مستقلة الفكر، ومحاولتها عزلها ربَّما تصلح مثالاً آخر على تجاوز السعودية".

تحميل المزيد