أنا بائع حشيش!

وسألني بشيء من الثقة: عايز حشيش؟ فلم أستطِع الرد، وتعلق الكلام في حلقي، فلا يريد الخروج، ثم تدارك الموقف سريعاً بابتسامة عابرة، وقال: عايز أشتري حشيش، فلم أقدر على الرد أيضاً، لست أدري هل نفد الكلام منّي أم صعوبة الموقف هي التي جعلتني أعجز عن الرد؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/28 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/28 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش

في طريقي إلى البيت ينادي شاب في بداية الثلاثين من عمره بلونه القمحي المصري، والشعر المجعد، ونظارته التي أخذت حيزاً كبيراً من وجهه قائلاً: لو سمحت، فتوقفت ونظرت إليه، واستقبلته بابتسامة كعادتي التي اكتسبتها من عملي، الذي يحتم عليَّ استقبال كل عميل بابتسامة؛ لأخفي الإحساس الحقيقي لي، وليس لأجعل العميل يشعر بالراحة النفسية، كما علمنا مسؤول الموارد البشرية في الشركة.

وسألني بشيء من الثقة: عايز حشيش؟ فلم أستطِع الرد، وتعلق الكلام في حلقي، فلا يريد الخروج، ثم تدارك الموقف سريعاً بابتسامة عابرة، وقال: عايز أشتري حشيش، فلم أقدر على الرد أيضاً، لست أدري هل نفد الكلام منّي أم صعوبة الموقف هي التي جعلتني أعجز عن الرد؟

وأخيراً قال: أنا بسأل عن واحد اسمه بدر عايز أشتري منه حشيش، وهنا أفرج حلقي عن الكلام بعد معاناة، وقلت: لا أعرف، فقال: شكراً، وانصرف إلى وسط القرية باحثاً عن بدر، ولست أدري هل بدر أحد أنواع الحشيش أم أنه الاسم الحركي لبائع الحشيش؟!

أن يذهب شاب لشراء حشيش من مكان ما حتى لو كان قرية صغيرة شيء طبيعي، ولكن ما اعتبرته غير عادي هو توقيف أول شخص يقابله في الطريق ويطلب منه الحشيش (عايز حشيش)، فكأن الذي أرشده إلى المكان قال له إن كل أهل القرية يتاجرون في الحشيش، ثم يطلب أن يشترى الحشيش، فهو على ثقة تامة أن كل باعة الحشيش على قدر كبير من الشهرة، الكل يعرفهم، فكأنهم نخبة المكان!

وهنا فهمت من نظرة اللوم في عينيه أثناء الحديث؛ لأنني لا أعرف باعة الحشيش، ولا أعرف أماكن تجمعهم!

وأذكر هنا قصة حدثت في صالون العقاد، ونقلها أنيس منصور في كتابه والله زمان يا حب؛ حيث قال أحد الحاضرين للأستاذ: ما شعورك إذا عرفت أن كل الحضور لا يقرأون لك؟ فغضب العقاد، ولكنه استطاع أن يرد، فهو قادر بعبقريته على إحراج أصحاب الأسئلة الغبية التي تأتي في غير موضعها، فنظر له العقاد في غضب قائلاً: لا يدهشني هذا يا مولانا في زمن الجهل يتباهى القارئ بأنه لا يقرأ، والعالم بأنه لا يضيء للناس،
وعندما تذكرت هذا الموقف خفف عني الكثير؛ لأنني وجدته رداً قوياً على هذا الشاب الضائع، ففي زمن الجهل وضياع الهوية الوطنية والإسلامية يتباهى الشاب رمز القوة بأنه ذاهب ليشتري الحشيش، فيسأل أول مَن يقابله حتى لو كان مظهره يدل على أنه لا يتعاطى المخدرات!

وهذه فرصة لأوضح للشباب مخاطر الحشيش؛ لأن أكثر من شخص امتدح الحشيش، وكأنه شيء سحري؛ حيث قال بعضهم إنه يجعلك تركز في التعليم، ويعطيك قدرة هائلة على حل المشاكل، وهذا يخالف تماماً الأبحاث التي أثبتت أن تدخين الحشيش يقلل القدرة على التعليم والتركيز، والأهم أنه يُفقد الإنسان الإحساس بالزمان والمكان، ويسبب أيضاً الهلاوس؛ حيث يحكي لك روايات حدثت له وأنت لم ترَ شيئاً، ويقسم لك على ذلك، لكنه شاهدها فقط في خياله، والاستمرار في تعاطي الحشيش يسبب الإدمان؛ حيث لو قرر الإقلاع عن تناوله سوف يعاني من أعراض الانسحاب، كما أنه يزيد من معدل ضربات القلب، ويسبب اتساع حدقة العين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد