البواسير (Hemorrhoids) أحد الأمراض الشائعة التي يصطدم نحو نصف البالغين بعلاماتها، وهي أوردة بارزة ومتورمة في فتحة الشرج وفي الجزء السفلي من المستقيم، وهو يصيب الرجال والنساء على حد سواء، وتتضمّن الأعراض الشائعة للبواسير: خروج الدم مع البراز، أو في المرحاض، أو على المناديل الورقية. وتتضمن الأعراض الأخرى إفرازاً مخاطياً، وحكّة، وإحساساً بعدم الراحة، خصوصاً عند قضاء الحاجة، وعدم الشعور بأن الأمعاء قد أفرغت تماماً.
وقد كشفت دراسة تايوانية عن العلاقة بين البواسير واضطراب الانتصاب والنشاط الجنسي عند الرجال، وأن قرب الأعصاب المغذية للمستقيم من العقدة العصبية المغذية للبروستاتا قد يكون السبب في ذلك. فهذه العقدة مسؤولة إلى حد كبير عن الانتصاب، وربما كان ضغط الأوردة المتورمة (البواسير) على النهايات العصبية السبب في ضعف فاعليتها العصبية.
استُخدِمَت كلِمة "الباسور" لأول مرة في اللغة الإنكليزية عام 1398، وكانت مستمدة من الفرنسية القديمة، وهي نفس اللفظة التي استخدمها الكتاب المقدس "emorroides"، ومن اللاتينية "hæmorrhoida"، والمشتقة بدورها من الإغريقية بمعنى "القدرة على تصريف الدم".
عرفت مصر القديمة أمراض ومشاكل الشرج مثل البواسير، وقد كانت هذه الأمراض من الشيوع إلى الدرجة التي خصص معها في الفريق الطبي للملك طبيب سمي بحارس شرج الملك! وقد وردت أول إشارة إلى البواسير عام 1700 قبل الميلاد في بردية مصرية، وكانت تحتوي على النصائح التالية: "… يتوجب عليك إعطاء وصفة، وهي مرهم يؤمّن حِماية كبيرة؛ معدّ من أوراق وجذور السنط المسحوقة والمطبوخة معاً. اغمس شريطاً من الكتان الناعم فيه وضعه في فتحة الشرج، فيتعافى المريض على الفور". وفي 460 قبل الميلاد، شرح أبقراط طريقة مُماثِلة لعلاج البواسير مع وضع المريض على دورة عِلاجية من الخربق عندما يتعافى.
كان مرض البواسير معروفاً خلال العصور الوسطى بـ"لعنة فياكر"، نسبة إلى الراهب الأيرلندي فياكر، الذي أصيب به نتيجة لممارسته أعمال الحفر في حديقته، وبينما فياكر جالس ذات يوم على صخرة وجد فيها علاجاً سحرياً لمرضه، ومن وقتها صار من يعاني من البواسير توصف له طريقتان للعلاج: إما الجلوس على حجر منحنٍ مرة واحدة، ويلقى تعويذة على يد القديس Fiacre أو في حالات البواسير الشديدة، يتم شقها واستنزاف بعض الدم منها، ثم كيّها بالحديد الساخن، ولكم تخيل قسوة هذه العملية في عصور لم تعرف استخدام التخدير بعد!
من أهم العوامل والأسباب التي تساعد على ظهور البواسير، ونستهلها بواحدة من أهم خصائص البشر هي وضعية القامة المنتصبة عند الإنسان، وهي التي تمكننا من استخدام الأدوات وتطوير قدراتنا الذهنية. إلا أن هذه المزايا لم تحد من المشكلات التي نجمت عن وضعية وقوفنا على قدمين، فنتيجة للجاذبية ينتج عنها ضغط زائد للدم داخل الأوعية الدموية الموجودة بمنطقة الشرج، وهو ما يعني في المقابل قلة فرص حدوث البواسير في الحيوانات التي شاء طالعها أن تسير على أربع أقدام.
من المعلومات التي ينبغي أن نلتفت إليها أن الإمساك يسبب البواسير، أما الإسهال فلا! وهي معلومة خاطئة، الصائب فيها أن كلتا الحالتين "الإمساك المزمن" و"الإسهال المزمن" يعتبران على نفس الدرجة من الخطورة للإصابة بالبواسير.
الأعمال الشاقة التي تتطلب رفع أشياء ثقيلة والأعمال التي تعتمد على الجلوس لفترات طويلة: كالجلوس أمام شاشة الكمبيوتر أو القيادة الطويلة وارتفاع ضغط الدم في الأوردة نتيجة الوقوف لفترات طويلة، جميعها من العوامل التي تسبب البواسير، وكذلك الحمل وما يرافقه من ضغط الجنين النامي على كل الأوردة الموجودة في أسفل البطن، والتغيرات الهرمونية، والإمساك، وعادة ما تتلاشى أعراض باسور الحمل بعد الولادة.
من الأسباب أيضاً عدم تناول الغذاء الغني بالألياف، وعدم تناول الفواكه والخضراوات بانتظام، وقلة شرب الماء والسوائل بشكل عام والسمنة وقلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة، والتي تؤدي إلى كسل في حركة الأمعاء.
من العوامل الأخرى التي تسهم وبقوة في ذلك، الأمراض الصدرية المزمنة كالسعال الحاد والتدخين والاستخدام المفرط للملينات أو الحقن الشرجية، حيث يغير ذلك من وظيفة الإخراج الطبيعية، وكذلك الضغط الشديد بقوة عند التبرز، لذلك يجب أن يأخذ الشخص وقته الكافي في الحمام مع تجنب الجلوس في الحمام في الوقت نفسه لوقت أطول من الضروري، لأنه يُجهد الأمعاء ويشكل ضغطاً على الأوعية الدموية الشرجية.
هناك ارتباط بين الوراثة والإصابة بالبواسير، ففي حالة وجود تاريخ عائلي من المرض، فإن الإصابة بالبواسير يتزايد احتمالها.
إن أفضل طريقة للتعامل مع البواسير هي تجنب حدوثها، فالوقاية من المرض أفضل من الوقوع في براثنه، ومن النصائح المفيدة في هذا الصدد: تجنب الإمساك المزمن، والاهتمام بالتغذية الجيدة بتناول كمية أكبر من الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة، وذلك بهدف تليين البراز وتناول العيش البلدي، الذي يوجد به الردة، لمنع حدوث الإمساك، مع ضرورة تجنب المخللات والشطة والتوابل الحارة.
وإذا أصيب الشخص بهذا المرض فيجب عليه تنظيف منطقة الشرج بالماء والصابون مع التجفيف المستمر للمنطقة، وبشكل يومي، مع مراعاة تجنب استخدام ورق المراحيض الجاف، بل استبدله بورق مراحيض رطب لا يحتوي على الكحول أو العطور، وعمل مغاطس دافئة لفترة تتراوح ما بين 10- 15 دقيقة، ثلاث لأربع مرات يومياً.
ويعتبر ترك البواسير دون علاج أمراً خطيراً، فقد حذرت دراسة حديثة لمعهد الأبحاث الصحية في العاصمة التشيكية براغ من عواقب صحية وخيمة على صحة الإنسان، في حال إهمال علاج البواسير، حيث يكون العلاج بالمراحل الأولى من المرض أسهل ولا يتطلب أي تدخل جراحي، في حين أن المضاعفات المصاحبة للمراحل المتقدمة تنتج عنها الإصابة بأمراض خطيرة مثل سرطان القولون والبروستاتا.
أما العلاج المستخدم فهو على نوعين: علاج دوائي، وآخر جراحي، وذلك للحالات الصعبة والمتقدمة. ويتضمن العلاج الدوائي استخدام بعض الأدوية التي تباع دون وصفة طبية، مثل الكريمات أو المراهم أو اللبوسات، التي تحتوي على مواد مثل الهيدروكورتيزون (Hydrocortisone) وليدوكايين (Lidocaine) التي تعمل على تخفيف الألم والحكة ولو بشكل مؤقت، كما قد يحتاج المريض إلى لبوس جليسرين شرجي حتى يلين البراز من أسفل عند فتحة الشرج، وهو ما قد لا يتوافر في بعض الملينات الأخرى، التي تلين البراز من فوق ولا تلين من أسفل. ومن العلاجات العشبية المفيدة التدليك برفق بزيت اللافندر ولبخة أوراق النعناع الأخضر، مع قليل من الملح لتسكين الألم،
ويمكن كذلك الاستفادة من الخصائص المهدئة لزهور نبات البابونج في علاج وتهدئة البواسير. ولا يمكننا أن نغفل أهمية استخدام الكمون الشهير لدى المصريين القدماء نظراً لاحتوائه على الألياف وكذلك الرمان، والذي يستخدم على نطاق واسع منذ مئات السنين، فقشر الرمان يحتوي على الكثير من المواد العفصية التي تتميز بخاصية التقلص التي تساعد على الشفاء، والفاكهة نفسها غنية بالفلافونويدات المشهورة، المهمة لحماية وتقوية الأوعية الدموية الوريدية. ومن المفيد استخدام جل الصبار الموضعي على منطقة الشرج، لخصائصه القابضة التي تساعد على التئام الجروح، كما أن تناوله عن طريق الفم مفيد أيضاً، فعصير الصبار يعتبر مليناً، والجرعة الموصى بها منه هي شرب نصف كوب من عصير الصبار 3 مرات يومياً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.