كل إنسان هو شخص فريد بذاته، شخصيته، مشاعره، أحاسيسه وكيانه، لا يوجد له مثيل بهذه الحياة، قد تجد أناساً تنعطف بعض محطات حياتهم بك أو يعايشون نفس ظروفك أو يشبهونك بالملامح، لكن لن تجد لك توأماً قلباً وقالباً؛ لأنك مميز عن الباقين، ولكل منا حكاية مع القدر، يتذكرها كلما انعزل عن العالم بخياله وانفرد بفكره ليغوص في سيناريو قصته، وكلما جلست واسترجعت طفولتي، تذكرت أنه كان أول حلمي الطب وأول عشقي القراءة، أحببت قراءة القصص والكتب مذ كنت طفلة لا من أجل الثقافة والمعرفة، بل من أجل المتعة التي لمستها وأنا أقلب صفحات القصص وأغوص بخيالي في عالم جميل.
كبرت وكبر حلم الطب وأصبح قريباً من الواقع، شارف على التحقق بعد اقتراب موعد قبولي بكلية الطب، وكان كل شيء جميلاً إلى أن لعبت الأقدار ووجدت نفسي بانتظار ثم غروب لحلم أضحى وهماً، خلت أنه قد يتحقق يوماً.
أحسست آنذاك أن كل أحلامي انهارت وكانت صرخة الألم بداخلي تجعلني أرثي بمفردي لكن يظل وجهي مبتسماً ليحجب عن الناس ما أعيشه.
قد تتمنى بقوة تحقيق أحلام ثابرت من أجلها، أو العيش مع أناس ظننت أن السعادة برفقتهم أو سلوك طريق معين، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ويأتي القدر ليحملك إلى طريق آخر لم تتوقعه يوماً، لتكتشف فيما بعد أن لكل ما يحدث في حياتك حكمة إلهية، قد تستوعبها بعد أيام أو سنين لتدرك أن الخير فيما اختاره الله؛ لذا كن دائم التفاؤل والثقة بالله.
شاءت الأقدار أن أسلك مجال الإعلاميات ليستهويني فيما بعد وأتم دراستي به، وبالرغم من أنني كنت أقدر مهنة التعليم فإنني لم أفكر بها أبداً، راسلت مختلف الوظائف، وصدفة بدون رغبة راسلت وظيفة التعليم.
سافرت، واستمتعت وارتحت وحين عدت وجدت أنني مدعوة لاجتياز اختبارين كتابي وشفوي لولوج مهنة التعليم، لم أحس بشيء ولم أدرِ أيجب أن أفرح أم أزعل؟ أن أطلب التوفيق من الله أم ولوج مجال آخر أجد فيه نفسي؟ لم أستعد للأمر ووصلت للامتحان متأخرة بأكثر من نصف ساعة، لكن دخلت دون أي عائق، ثم اجتزت فنجحت وتفوقت.
اعترتني حالة من الذهول والخوف مما يخبئه لي القدر في هذه المرة، فأتى ولعب لعبته وأعاق ذهابي لاجتياز مباريات أخرى لأجد نفسي أمام مركز التعليم.
مرت بضعة أيام تملكني فيها إحساس اليأس والكآبة، قررت حينها المغادرة لولوج وظيفة أخرى، لكن حين رأيت ذلك الحلم في عيني أبي، الذي لم يشأ الإفصاح عنه حتى لا يؤثر على قراري، قررت البقاء، حتى إن لم يكن من أجلي فمن أجل أغلى الناس على قلبي.
مرت الأيام وكانت من أجمل الذكريات بحياتي، إلى أن تخرجت وجاء التعيين.
قدر لي هذه المرة أن أذهب إلى منطقة بعيدة لم أسمع يوماً بها وأوضع أمام اختبار جديد، تملكني هاجس الخوف خاصة بعد رؤية المكان الذي يتميز بصعوبة الظروف، البعد ونمطية الحياة.
وجدت نفسي أمام خيارين؛ إما أن أكون أو أن أكون؛ لأن اختياري لم يكن عن عبث، بل لحمل شعلة العلم إلى مَن هم أحوج إليها، لم تكن بالتجربة الهينة خاصة أني أدرس الإعلاميات بمؤسسة تفتقر للضروريات وأواجه في نفس الآن صعوبة التأقلم، إلا أنه سرعان ما وصلني أثير عملي ومدى التغيير الذي قدمته، تحفزت للمواصلة.
تجربة السفر والاستقلال بالذات تريك حياة أكبر مما عشته؛ لذا تعلمت الكثير من هذه التجربة وأصبحت أكثر اعتماداً على النفس، أوسع رؤية وأنضج فكراً.
كنت أعتقد أن الطب رسالة حياتي، لكن القدر وجهني نحو رسالتي الحقيقية التي تناسب كفاءاتي وقدراتي، والتي بإمكاني أن أضع فيها بصمتي ويكون تأثيري إيجابياً.
لم أرتدِ وزرة الطب بل كانت وزرة التعليم، ولم أتمكن من علاج أمراض، لكن استطعت علاج أفكار ومعتقدات، وساهمت في تنوير عقول، ولله الحمد؛ لذا الخير دائماً فيما يختاره الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.