في مطاردة الضباب

أما الآن، فكل شيء قد تغير.. لا تدري إن كان قد سئم منها بعد خمسة عشر عاماً من الزواج، أم أنه الاعتياد الذي غيَّب الشغف بينهما، تشعر برفضه لها، ولا مبالاته تجاه كل ما يخصها، ولا تدري إن كان الرفض هو الكلمة المناسبة لوصف حالها أم لا؟!

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/14 الساعة 04:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/14 الساعة 04:38 بتوقيت غرينتش

تقاسمه كل شيء منذ سنوات خمسة عشر.. السقف، وطاولة الطعام، وحتى السرير وكل تفاصيل الحياة، ولم تعد تشعر بعاطفة تجمعها به، فلا دفء ولا حنان ولا اهتمام.

زاغت عيناها وهي تتذكر كيف كانت علاقتهما في البداية، فبعد خطبتها إليه، كيف كان يستميت لأجل دقائق يحادثها خلالها، أو زيارة يجلس معها منفرداً، أو مشوار يخرجه برفقتها، كان حينها جذوة مشتعلة من العواطف، والدفء، مندفع حد التهور.. وكان المانع أمامه دائماً هو والدها، الذي يعارض الخروج والزيارات وأحاديث الهاتف.. وقد أسمعه أكثر من مرة: إن كنت تريد ذلك، فتزوجها وخذها إلى بيتك.. وهناك افعل ما شئت، أما في بيتي أنا، فممنوع.

وحتى في سنوات زواجها الأولى منه، كان يخطب ودها، يحضر لها الورود والشوكولاتة التي تحبها، يعينها في حمل الصغار والعناية بهم، يتفهم انشغالها عن احتياجاته، ويهتم بما يؤلمها ويزعجها.

أما الآن، فكل شيء قد تغير.. لا تدري إن كان قد سئم منها بعد خمسة عشر عاماً من الزواج، أم أنه الاعتياد الذي غيَّب الشغف بينهما، تشعر برفضه لها، ولا مبالاته تجاه كل ما يخصها، ولا تدري إن كان الرفض هو الكلمة المناسبة لوصف حالها أم لا؟!

* أنا تعبانة.

– سلامتك.

* أنت لا تأبه بآلامي.

– أنتِ دائمة الشكوى.. ماذا أفعل لك؟ أأحملك وأرقص بك حتى تتشافيْ؟

* لا أريد منك شيئاً.. شكراً.. آسفة على إزعاجك.

ثم تنطوي على نفسها وتغرق في عالمها الداخلي، تكتفي بأن تعيش كآلة منذ الصباح وحتى حلول الليل، تنظف البيت، وتطهو الطعام، وتغسل الملابس وتكويها، وتربي الأبناء، وتتابع همومهم ومشاكلهم، وتساعدهم في دروسهم، وتعتني بالحديقة… إلخ.

* أيكفي هذا؟

– طبعاً لا.. أنت مقصرة في حقي!

* ماذا تريد أيضاً؟.

– ألم تصنعي حلوى؟ أنت تعلمين أنني أحبها خاصة في الأيام الباردة، وأيضاً لم تنظفي لي بقعة الحبر عن قميصي الأبيض.

* أعلم ذلك ولكني متعبة، رقبتي تؤلمني بحدة، وتعيقني من إتمام عملي، وإصبعي مجروح ويسيل دماً كلما لامسه شيء.

– أوف.. يبدو أنك بحاجة للتبديل يا امرأة.

لم تنبس ببنت شفة، وقالت في نفسها: ما أنا بحاجة له حقيقة هو بعض الحب والاهتمام أيها الرجل الشرقي الذي لم يتعلم سوى أن يأخذ، فالعطاء غير موجودٍ في قاموسه.. أيها الرجل الذي نصَّب نفسه قاضياً يصدر الأحكام دون أن ينظر لنفسه ولا لتقصيره.

– ما بالك واجمة هكذا، ألم يعجبك الكلام؟

* وكيف يعجبني وأنت تنظر فقط لزلاتي وتقصيري؟ ما الذنب الذي ارتكبته؟ لماذا تعاملني بهذا الجفاء؟ ألست زوجتك التي كنت تحترق شوقاً للقائها؟ ما بالك اليوم لا تعبأ بوجودي وكأنني فقط موجودة لخدمتك وخدمة أبنائك؟

– ما شاء الله، ومتمردة أيضاً.. أجد الكتب التي تقرئينها قد أخذت تؤثر في تفكيرك، وتشجعك على التمرد عليَّ.. اعلمي منذ الآن أنني إن رأيت أحدها في يدك سأمزقه.

* والله مللت.. أستحاصرني أيضاً؟ ألا يكفيك أن الجهاز الذكي دائماً بين يديك تتصفح الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب وتنسى أن عليك مسؤوليات وأن هناك أسرة وزوجة بحاجة لك؟

– ما شاء الله، أتحاسبينني أيضاً؟ وهل أنا مقصر في أسرتي؟ أليست جميع طلباتكم مجابة؟ ماذا تريدين أيضاً؟

* أنا لا أريد منك سوى بعض الاهتمام بي وبأبنائك.. والاهتمام ليس معناه فقط تلبية الحاجات.

– أصبحت فيلسوفة دون أن أدري.. راجعي نفسك أولاً قبل أن تتكلمي.

وجدت النقاش معه عقيماً، لا يجلب إلا مزيداً من النكد.. تركته وذهبت تعدُّ الفراش للأولاد ليناموا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد