ترتبط أسماء علامات تجارية كبيرة مثل "إتش آند إم" و"زارا" و"ماركس آند سبنسر" بالمصانع المنتجة لمادة الفيسكوز المُلوِّثة للبيئة، وهي مادة تُستَخدَم في صنع السيلوفان والحرير الصناعي، بحسب تقرير صادر حديثاً عن مؤسسة تغيير الأسواق الأميركية.
وتُعتَبَر مادة الفيسكوز، التي تُستَخدَم بديلاً للقطن أو البوليستر، بديلاً أرخص وأكثر دواماً من الحرير، خاصة في الفساتين والتنانير. ويقول الخبراء إنها تدخل في صناعة قطع الملابس بدءاً من التيشيرت ذي الـ12 دولاراً وحتى السترات التي يصل ثمنها إلى 2500 دولار، وفقاً لتقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وتُصنع مادة الفيسكوز من الألياف النباتية، مما يعني أنه يتم الترويج لها في بعض الأحيان كخيار أخلاقي للمستهلكين. ومع ذلك، يتم إنتاج معظم الفيسكوز حالياً باستخدام عملية عالية الكثافة الكيميائية، وفقاً لما نقلته صحيفة الإندبندنت البريطانية عن مؤسسة "تغيير الأسواق" (Changing Markets Foundation)، المعنية بالكشف عن الأداء غير المسؤول للشركات.
هل يجب عليك أن تخشى ارتداء منتجات الفيسكوز؟
تقرير مؤسسة تغيير الأسواق الذي أوردت الغارديان والإندبندنت أبرز نتائجه لم يتحدث عن أضرار مادة الفيسكوز على من يرتدي الملابس المصنوعة من هذه المادة، مما يشير غالباً لعدم وجود أضرار صحية لها على من يرتديها، ولكن المشكلة الرئيسية هي أضرار هذه المادة على العمال الذين يصنعونها أو يتعاملون معها صناعياً.
وزار الباحثون في مؤسسة "تغيير الأسواق"، 10 مصانع في الصين، والهند، وإندونيسيا. واكتشفوا أضراراً بيئيةً شديدة، من ضمنها تلوُّث الماء الناتج عن المخلفات المُلوِّثة غير المُعالَجة، وتلوُّث الهواء.
وتضمَّن التقرير ذكر علامات تجارية من ضمنها إتش آند إم، وإنديتكس (مالك علامة زارا)، وماركس آند سبينسر، وتيسكو، وفقاً للغارديان.
مشكلة كبيرة
وتواصلت صحيفة الغارديان البريطانية مع علاماتٍ تجارية، اعترف معظمها أن إنتاج الفيسكوز يُمثِّل مشكلةً صناعيةً كبيرة، ويقولون إنهم يستكشفون طرقاً للإنتاج بشكل مسؤول أكثر وجدير بالثقة.
وتُصنع مادة الفيسكوز، المعروف أيضاً باسم حرير الرايون، من السيلولوز أو لب الخشب؛ الذي يأتي عادةً من الأشجار اللينة مثل الزان، والصنوبر، والكينا.
وتُعد منتجات الفيسكوز من المُنتجات الثقيلة كيميائياً. وفي وسط عملية إنتاجها يوجد كبريتيد الكربون، وهو سائل شديد التطاير والاشتعال.
ويستشهد التقرير بالدليل بأن التعرُّض لكبريتيد الكربون ضارٌ لكلٍّ من العمال والقاطنين بجوار مصانع إنتاج الفيسكوز.
ولهذه المادة السامة أيضاً علاقة بأمراض القلب التاجية، والعيوب الخلقية، والأمراض الجلدية، ومرض السرطان. واكتُشِفَ تاريخياً أن استخدامها يُسبِّب مشاكل كبيرة للصحة العقلية لعاملي المصنع الذين يتعرَّضون لمعدلاتٍ مرتفعة من المادة السامة.
وتدخل مواد كيميائية سامة أخرى في صناعة الفيسكوز، مثل هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية)، وحامض الكبريتيك.
تلويث أكبر بحيرة عذبة في الصين
وزارت مؤسسة "تغيير الأسواق" 6 مصانع في الصين، وقالت إن المُحقِّقين اكتشفوا أدلةً على تلوُّث الماء والهواء، وتحدث آثاراً صحية خطيرة على المجتمع المحلي.
واستشهد التقرير بالدليل، في مقاطعة جيانغشى في جنوب شرقي الصين، بأن إنتاج الفيسكوز أسهم في تلوُّثِ بحيرة بويانغ، أكبر بحيرة عذبة في الصين، مما يسهم في الإضرار بالحياة البحرية.
وكان مصنع شركة شاندونغ هيلون من بين المصانع التي زارتها المؤسسة في شرق مقاطعة شاندونغ، وتقول المؤسسة إن الشركة تمد محلات إتش آند إم، وزارا، وماركس آند سبينسر.
ويزعم التقرير أن المناطق السكنية القريبة من المصنع مُلوَّثة بمستوياتٍ من كبريتيد الكربون، أعلى ثلاث مرات من الحد المسموح.
وبحسب التقرير، أخبر السكان المحليون المُحقِّقين أنهم لا يستطيعون الآن الشرب من ماء البئر لأنها مُلوَّثة.
الهند وإندونيسيا
وذكرت الإندبندنت أن مؤسسة "تغيير الأسواق" وجدت "دليلاً واضحاً" على أن مصنعي الفيسكوز يقومون بإلقاء مياه الصرف الصحي غير المعالجة في إمدادات المياه المحلية.
ففي إحدى الحالات في جاوا الغربية، بإندونيسيا، وجد أن السكان المحليين يغسلون منتجات الفيسكوز في النهر، وبالتالي يعرضون أنفسهم مباشرة للمواد الكيميائية السامة الموجودة في الألياف. وقال المحققون إنه لم يعد أحد يسبح في هذا النهر".
وفي ماديا براديش، بالهند، التي هي موطن لمصنع كبير للفيسكوز، وجد أن الأسر تعاني من حالات السرطان وتشوهات الولادة بعد تعرض المياه الجوفية والتربة للتلوث الصناعي.
من المسؤول؟
وقالت مؤسسة تغيير الأسواق: "إن الإنتاج الضخم، الذي يقوده قطاع الأزياء السريعة، جنباً إلى جنب مع التراخي الصارخ في إنفاذ الأنظمة البيئية في الصين والهند وإندونيسيا، يثبت أنه مزيج سام.
وحذر تقرير المؤسسة من أنه ما لم تعمل صناعة الملابس على تنظيف الإنتاج، فإن الأضرار الناجمة عن إنتاج الفيسكوز سوف تزداد سوءاً.
وتؤدي الزيادة غير المسبوقة في الطلب على الملابس في جميع أنحاء العالم، مدعومة بالنمو السكاني وظهور مستهلكين من الطبقة الوسطى في الصين والهند، إلى إنتاج المزيد من الفيسكوز، حسب ما ورد في الإندبندنت.
وألقت ناتاشا هارلي، مديرة مؤسسة "تغيير الأسواق" باللائمةِ على تركيز صناعة الأزياء على حجم الإنتاج والتحوُّلات السريعة في خطوط الإنتاج. ونقلت الغارديان عنها قولها: "بالطبع هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق منتجي الفيسكوز، ولكن من الواضح أيضاً أن تجار التجزئة يضغطون بشدة على المنتجين ويطلبون منهم خفض التكاليف وخفض عدد مرات التسليم. وذلك الضغط الناتج عن العلامات التجارية نفسها يخلق وضعاً لا يمكن تحمله على الصعيدَين الاجتماعي والبيئي".
كيف تعاملت الشركات الكبرى مع التقرير؟
على الجانب الآخر، أعربت إدا ستلناك، مسؤولة الصحافة العالمية في شركة إتش آند إم، لصحيفة الغارديان، رداً على التقرير، عن قلقها البالغ إزاء نتائج التقرير.
وقالت إنهم سيتابعون مع منتجي الفيسكوز المذكورين الذين يتعاملون معهم. وتقول إتش آند إم إن طبيعة الفيسكوز القوية كيميائياً تُمثِّل مشكلةً صناعية كبيرة، وإنهم يعملون مع استشاري خارجي لتقييم سلاسل التوريد الخاصة بهم.
وقال متحدثٌ باسم ماركس آند سبينسر، إن الشركة قلقة بشأن التقرير، وإنها تضع على قائمة أعمالها الاستخدام الصارم للكيماويات التي تدخل في صناعة الفيسكوز.
وأضاف: "نحن نُشجِّع المُورِّدين بالفعل لإنتاج أكثر مسؤولية واستدامة، عن طريق تحفيزهم بالحصول على اعتماد ماركس آند سبينسر الأكاديمي. وبالرغم من ذلك، نعلم أنه لا يزال هناك الكثير لفعله".
وقالت متحدثةٌ رسميةٌ باسم إنديتكس، إنهم يعملون دائماً مع المُورِّدين لتحسين الظروف وضمان الالتزام بالممارسات المستدامة. وأضافت: "بنهاية العام الجاري، سننشر قائمة بمُورِّدي الفيسكوز المفضلين لدينا بناء على امتثالهم لمعاييرنا".
ولم تُعلِّق شركة تيسكو بشأن مُورِّدي الفيسكوز الخاصين بهم، بخلاف تصريحهم بأن شركة شاندونغ هيلون ليست ضمن مُورِّديها. وقال متحدث رسمي باسم الشركة إن تاجر التجزئة ملتزم بعدم حدوث أي تفريغ للمواد الكيميائية الخطيرة، وأضاف: "سنعمل عن كثب على هذه القضية مع مُورِّدينا".
وترى ناتاشا هارلي مديرة مؤسسة "تغيير الأسواق"، أن العلامات التجارية لا تبذل قصارى جهدها.
وتنقل الإندبندنت عن ناتاشا قولها، إن ماركات الأزياء الكبيرة لديها قوة شرائية هامة، ويمكنها أن تضغط على الموردين لتنظيف أساليبهم مع القليل من الجهد نسبياً.
ويدعو تقرير المؤسسة، حسب الغارديان، إلى وقف استخدام كبريتيد الكربون نهائياً في عملية إنتاج الفيسكوز، وأن يجري إنتاج الفيسكوز في نظامٍ حلقي مغلق، يلغي استخدام التفريغ الكيميائي ويمنع الإضرار بالعمال والبيئة.