ونحن نشهد أكثر من نصف قرن من النظام العالمي التقليدي وهو يهوِي في حالة سيئة، فإن التداعيات التي تحدث من عدم وجود بدائل ملموسة أصبحت سافرةً ومثيرةً للقلق.
هناك مواطن اشتباه يكثُر الكشف عنها والعَزوُ إليها عادةً، منها: التراجع الديمقراطي، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والتدهور البيئي، وتزايد البطالة أو العمالة الناقصة في الدول الغنية، وقرع طبول الحرب الباردة، وعدم القدرة على كبح الإرهاب، والخطاب الساخن من القومية اليمينية، وارتفاع موجات اللاجئين، والشعور المتزايد بعدم اليقين بشأن المستقبل.
ثم إنّ هناك آثاراً مأساويةً لخيبة الأمل الدولية التي تتفادَى الأنظار، ولكنها تؤثر على حياة مئات الملايين من الناس، سيّما الأبرياء.
ولأننا كثيراً ما نكون غيرَ مدركين لهذه التطورات نترك هؤلاء الضحايا على حافة الغموض والموت في نهاية المطاف.
وقد أشارت إلى هذه النقطة مقالةٌ نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأسبوعَ الماضي تتناول الأنباء التي جاءت بعد أن وَجهت الأمم المتحدة نداءً عاجلاً إلى أربع أزمات دولية للجوع، وأفادت تلك الأنباء بأن "الأموال لم تصل". سيكون من الصعب أن نبالغ في تقدير أهمية هذه النداءات من منظور الأمم المتحدة. فلو لم تأتِ استجابة عالمية استباقية، فإنه يُتوقع موتُ أكثر من 20 مليون شخص جوعاً.
وهذا كله في أربع دُول فقط: جنوب السودان، واليمن، ونيجيريا، والصومال. وهذه ليست سوى أخطر الحالات؛ ولا تزال توجد مناطق أخرى في جميع أنحاء العالم تعاني من قضايا الجوع الخطيرة.
فإلى أي درجة إذن كان سوءُ الاستجابة على نداء الأمم المتحدة الخاص؟ كان سيئاً جداً، في الواقع.
وَفقاً لمقالة واشنطن بوست، أسفر هدف الأمم المتحدة المُقدَّر بـ 6.1 مليار دولار أميركي عن استجابة بقيمة 2.2 مليار دولار أميركي فقط، أي ثلث المبلغ المطلوب. لقد أصبح العالم مشتتاً جداً من خلال العيش في حالة من الأزمات المستمرة والارتباك الذي يجعلنا نتجاهل حقيقة أن طفلاً يمنياً يموت كل 10 دقائق دون مساعدة.
هذا الأمر يهمنا، ولكن كل ذلك يحدث في وقت لا يكون فيه رد الفعل الضعيف كبيراً بسبب إرهاق المانحين، في حين أن كثيرين يشعرون بأن القليل الذي يقدمونه قد لا يصنع أي فرق:
"هم لا يستطيعون علاج سياستهم الداخلية".
"مستوى معيشتهم راكد ولا يستطيعون الصعود إلى المستوى الاقتصادي التالي".
"إن صفارات الإنذار تبدو ضئيلة جداً بالمقارنة مع الرفوف الجليدية في القطب الجنوبي التي بحجم مانهاتن ذات الأفق المفتوح أو ارتفاع مستويات المحيط".
وعلى الرغم من أفضل دوافعهم الخيرية، يشاهد المواطنون الفقرَ وهو يتنامى من حولهم، والحالات الصحية العقلية وفُرص الوظائف تتلاشى. في مثل هذا الوضع لا يزال من الصعب الاعتقاد بأن الأفراد يمكن أن يُحدِثوا فرقاً.
التحدي الأكبر هو مساعدة الناس في جعلهم يدركون أن كرمهم سيحدث فرقاً.
بصرف النظر عن أنهم قادرون على ذلك، طبعاً. فمن شأن تبرعات أسرةٍ كندية واحدة أن تُبقي أسرةً صوماليةً حيةً. حتى الهدية التي تبلغ 10 دولارات في الشهر يمكن أن تمنح طفلاً في جنوب السودان لفتةً طيبةً عندما يتخرج في المدرسة الابتدائية. وهدية مماثلة يمكن أن توفر مياه الشرب النظيفة لجميع أفراد الأسرة.
نحن ننسى كل هذه النقود القليلة عندما تغمرنا الأرقام بالملايين وتصدم حواسنا. ومع ذلك، فإن هذه الاستثمارات الصغيرة بل الهامة في البشرية تفتقد – على وجه التحديد – إلى أن تصبح النداءات الضخمة مثل تلك التي تصدرها الأمم المتحدة أساسيةً من حولنا. يوجد في عالَمنا أماكن متضررة مليئة بالأشخاص المكسورةِ خواطرُهم لمجرد محاولتهم البقاءَ على قيد الحياة. ويُعرب المانحون عن مخاوفهم من أن الصراع والفساد لا يزالان حاجِزَين أمام العطاء. كل هذا صحيح، ولكن التحدي الأكبر هو مساعدة الناس في جعلهم يدركون أن كرمهم سيحدث فرقاً؛ وفي الوقت الحاضر، فإن الناس يميلون بشدة إلى الشك في ذلك.
إن إلقاء اللوم على الحكومات النيجيرية واليمَنية وحكومة جنوب السودان والحكومة الصومالية بسبب فشلها في الوفاء بمسؤولياتها تجاه مواطنيها أمر مشروع، ولكن الملايين من المانحين الأسخياء في الدول الغنية يزدادون خيبة للأمل تجاه حكوماتهم، إلى درجة أنهم يتساءلون عما إذا كانت تلك الحكومات يمكن أن تُحدث فرقاً على الإطلاق.
ويتبخر هذا الشك في كثير من الأحيان عندما يرى المرءُ أن أسرةً إفريقية فقيرة يائسة للغاية تكتسب موطئ قدم في المستقبل من خلال الحصول على أبسط الأشياء، كالتربية والتعليم والمياه النظيفة والتغذية الكافية للحفاظ على الصحة. كانت الأم تيريزا تقول إنه "إذا لم تتمكن من إطعام 100 شخص، فأطعِمْ واحداً فقط". وهذا هو الآن أعظم تحدٍّ لنا: أن نؤمن بأن جهودنا ذاتُ أهمية حتى في عالم يتسم بالارتباك الكبير. فلْنُعَبّـرْ عن ثقةٍ بأن صنيعةً واحدة من الكرم في عالم فَقَدَ طريقَه هو إعطاءُ دفعة أولى في جوهر الإنسانية.
هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكنَدية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.