بين لواء الثقة وحفظ الذكر

الشاهد أني تقلبت بين الأفكار! فقسوة الرجل، وعدم الأمان الذي استطعمت حتى يومنا هذا، أثارت حفيظتي، واختيار الله تعالى لحفظ الذِّكر في صدور الرجال أولَّ الأمر، كيف لتلكم الصدور أن تحفظ القرآن وتخون الرفقان! ما كان لأبي بكر أن يتخيَّر على يد الله تعالى غير مكان الأمن والسكون للكلام المقدس! فكيف ذاك!!

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/14 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/14 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش

معظم التقاطعات الحياتية بين آدم وحواء هي طواف حول محل الثقة الحرام، فحرمة المكان إنما تنبئ عن مكانة الرمزية، فقدسية المكان من قدسية المعنى الذي يمثِّل.. الثقة هي جند الله الأقوى والأخص، فأصل أي استسلام ثنائي إنما قوامه الثقة المطلقة، إطلاق الخلفية التربوية والمعتقدية للشخص فاعل الثقة.

وعن تجارب شخصية ومحيطه، فإن الثقة لحواء في آدم إنما هي من مخاطرات العمر، ذاك أن أحاسيس الرجل شديدة التقلب، بيد أن أحاسيس المرأة شديدة الوثاق بذات الروح، زد على ذاك جهل المرأة لطبيعة الرجل السيكولوجية، لأن المرأة معلومة قلباً وقالباً، بحكم طبيعتها العاطفية التي تكشف عن ساق تفكيرها ولُبه. أما تغليف قلب الرجل ومناعته الغالبة ضد عواطف الدهر، فربما تخلق تلكم الضبابية التي تنطلق منها معظم تقاطعاتنا مع الرجال.

الشاهد أني تقلبت بين الأفكار! فقسوة الرجل، وعدم الأمان الذي استطعمت حتى يومنا هذا، أثارت حفيظتي، واختيار الله تعالى لحفظ الذِّكر في صدور الرجال أولَّ الأمر، كيف لتلكم الصدور أن تحفظ القرآن وتخون الرفقان! ما كان لأبي بكر أن يتخيَّر على يد الله تعالى غير مكان الأمن والسكون للكلام المقدس! فكيف ذاك!!

ما كان لكلام الله أن يستقر في غير محالّ الثقة، التي تتناسب طردياً والخلق الآدمي الحالي. وبما أني من أشد المعترضين على دور نوائب الدهر في تشكيل أخلاق الرجال، ما قادني تلقائياً لقرع أبواب الحكم العطائية التي لو أوتيها الرجل لأوتي خيراً كثيراً، فحكمة عطاء الخُلق إنما هي من ثريا العطاءات.

المثير، أنه وإن لم يؤت الرجل ذاك الخير الكثير فتدريب النفس عليه وخلقه من محتملات الدنيا، فهو وليد الإرادة والتوكل. وهنا أتوقف لأدلي قليلاً بدلوي المثقل (بالنغائص) و(النقائص)، وأعود لذاك السطر الذي أشرت فيه لجند الله التقلب! فتقلب ما في صدور الرجال إنما يُتوج بما خرج من إشارات حواء العقلية، والتي تتسق ونظرية الجذب، وسيَّانية الأمر. إنه كلما زاد التشريف زاد التكليف.

أترى، تلكم الصدور ضاقت بذاك التكليف! لا أدري صحة الأمر، ولكني يوماً سُقيت بمعلومة رائجة أن كل من يحمل اسم النبي محمد الكريم صلى الله عليه وسلم بشتى صوره المكرمة لا يعرف الهدوء، رغم تميُّزه الملحوظ، فالأحمد والمحمد والمصطفى والمحمود والمجتبى والمكرم والأكرم والمدثر والمزمل وغيره، إنما يتقلبون بين جمال الخلقة والخلق، وبين أسرار تختلج في ضمائرهم، وبرغم غرابة الطباع فإن ملكية الفكر تسود هؤلاء المُشرَّفين بحمل العبء المحمدي.

فتشريف الاسم يزيد من تكليف المسمى، ربما أحد أهل العلم يوثق الكلمة أو يمحوها، ولكني أشدد على تبنِّي منابر علم ونفس لمسح معطيات من العديد من الأفراد المتوازنين نفسياً وروحياً وبدنياً، عن أسباب تنافر آدم وحواء الذي نشهد. وعن ملاذات آمنة يهرب إليها (الملدوغون) تحت حوائط الوحدة و(العمل)، اللذين أصبحا هما أبطال مسارحنا الحياتية التي نؤدي بها أدوار (ماسخة) لا بطولات بها، ولا سيناريوهات تذكر… وملفات مذهلة التراص بين أرفف مكاتبنا وأكتافنا.

فأصبحنا نتلذذ الملبس والمأكل والأسفار عن تلذُّذنا بآدميتنا التي أراد الله تعالى لها الثنائية برغم أنوف الفلسفات الراقية، التي تميل للحيوات المعقدة الترتيب، والأهداف المنطقية التي تعلو هممنا العارية تماماً من الأحاسيس التي تُضعف جبالاً نشطة لا تكلُّ ولا تمل من وضع الهدف تلو الآخر، وإقناع النفس آلا تأمر بسوء اختيار أو حُسنه، إنما تأمر بالتي هي أفضل بين ترتيب الأولويات العملية.

وقل للسعادة هلَّا أتيتِ!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد