عندما قال ديستوفيسكي: (علامَ يجب أن أكون ممنوناً! فقد عشت أسوأ اللحظات بمفردي) لم يقصد نفسه وحسب، بل تحديداً كان يقصدني بشكل جيّد.
فعادةً عندما نفرح ونحتفل، يتسارع الأصدقاء لمشاركتنا مظاهر الفرح والابتهاج، فالناس يريدون عرساً ليشبعوا رقصاً لا لمشاركة العروسين فرحتهما!
على العكس من الحزن، فلا أحد يرغب بمشاركتك كآبتك، بل يرغبون بمشاركتك فرحك ومظاهره، فيميل أصدقاؤك للضحك معك على أتفه الأسباب، ولا يرغب أحدهم بالبكاء معك ولو كان السبب موجعاً حقاً.
والأسوأ من ذلك أنك عادة ما ترى نفسك في قاع الجحيم، وتروي قصتك لأصدقائك بكل ألم، فيقاطعونك قبل أن تكمل، معلقين أن الموضوع تافه وأنك تضخم حجم المشكلة، هنا يأتي ببالي بشدة المثل القائل: (مَن يضع يديه وقلبه في الماء المغلي، ليس كمن يلعب بالماء البارد)، فكم من المرات هرعت لأصدقائي لأحدثهم عن مشكلة، فكانت في وقتها محور حياتي، فرأوها تافهة وبسيطة.
وكم كان ردهماً بعيداً عن الموضوع، فمرة قاطعتني صديقتي وأنا أحدثها عن مشكلة تعتصر قلبي وسألتني عن (ستايل) شعرها!
والأخرى بعد أن رويت لها المشكلة، ردت بكلام عن زوجها وعملها، ما وجه الشبه بين ما أكلمها عنه وبين ما ردت به؟ صدقاً لا أعرف.
وأذكر جيداً الليالي الصعبة التي انكمش فيها قلبي، حتى والدتي لم تكن تدري وقتها بحزني، وتخطيت كل تلك الليالي وحدي وانتشلت قلبي بيدي من قاع الجحيم.
على العكس من الفرح، فحتى في أبسط المواقف التي تكون فيها سعيداً يلاحظ الجميع لمعة عينيك وثغرك الباسم، لكن لا أحد باستطاعته أن يرى أن قلبك في جوفك يتألم أو أنك تداري دموع عينيك، فقد ستر الله قلبك في جوف قفصك الصدري لحكمة ما؛ لكي لا تتعرى بحزنك أمام الملأ.. من هنا بدأت بالندم على كل لحظات حزني التي ركضت فيها لأصدقائي، فلماذا أشاركهم بتفاصيل هذا القلب الذي ستره الله؟!
وكما دارى الله القلب وجعله عضواً داخلياً، فقد كشف الثغر الباسم، وجعل بإمكان أي أحد أن يلاحظ ابتسامتك، ربما هناك حكمة في الموضوع أن الفرح حالة عامة للمشاركة، والحزن فعل وحيد يخص ذاتك فقط.
عزائي لنفسي بعد كل هذا أنني بجبروت كبريائي أستطيع أن أنتشل نفسي من أي نوبة حزن، وأن بإمكاني أن أرمم قلبي دون اللجوء لمساعدة أحد.. فما من يدٍ في هذا العالم بإمكانها الطبطبة بلطف على قلبك سوى يديك.
فحتى الأصدقاء إن طبطبوا سيلجأون لتأنيبك وقول الجملة المشهورة: (حكتلك رح تندمي وما سمعتي كلامي!!).
كن صديقاً صادقاً لنفسك، وستنتصر ذاتياً على كل المشاكل والصعوبات، فالجميع يفرح ويحزن، لكن ليس الجميع بإمكانهم تجاوز الحزن ومساعدة أنفسهم دون أن يتطور لمراحل متقدمة، وليس الجميع أيضاً لديهم من يشاركهم فرحهم، أي أننا نحتاج للآخرين بشدة لنفرح، تخيل مثلاً حفلاً بلا معازيم، ولكن لا نحتاج سوى لأنفسنا للانتصار على الحزن، فحقاً لا أحد يأبه بحزنك، كن قوياً لأجل نفسك، وتذكر أنه لولا النار لما صقلت السيوف، ولولا الروح التي تحترق من الداخل لما استطعت أن تنير نفسك من الخارج، ولولا المشاكل لما عرفت أنك بهذه القوة.
فكل مرة تحزن فيها وتنتصر على نفسك، ستكون بمثابة نجمة شرف توضع على كتفك، وستكون درساً يسجّل في كتاب حياتك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.