اتجهت الأعين إلى مصانع الابنة المدللة للرئيس الأميركي في شرق آسيا. فبعد أسبوعين من الضجة التي أحدثتها إيفانكا ترامب، إثر اختفاء ناشطيْن كانا يحققان بشأن مصنعها للأحذية في الصين، جاء الدور على مصنع ملابسها في إندونيسيا، الذي عكس واقع عمل صعباً.
صحيفة الغارديان البريطانية تحدّثت مع 12 عاملاً في المصنع المذكور في مدينة سوبانغ الإندونيسية، فانكشفت الأجور المنخفضة للغاية التي وصلت حداً يمنع العاملين من العيش مع أبنائهم، إضافة إلى التهديدات التي تُوجَّه للنقابات، وعرض أجورٍ إضافية للنساء مقابل عدم الانقطاع عن العمل في فترات الطمث.
وخوفاً على لقمة عيشهم، طلب العاملون تغيير بياناتهم أثناء حديثهم عن الحياة داخل مصنع إيفانكا للملابس "بوما".
"لا تعجبنا سياسات دونالد ترامب"
وتقول علياء، التي دأبت على العمل في المصانع على فترات مُتقطِّعة منذ تركت مدرستها الثانوية الريفية، مروراً بإنجابها طفلين، وصولاً إلى وظيفتها الحالية في صنع الملابس لأشهر الماركات العالمية، إنها وزوجها أحمد لا يمكنهما حتى التفكير في سداد ديونهما كاملةً.
وينحصر كل ما جنته علياء من العمل لسنواتٍ في مصنع الملابس في غرفتين مستأجرتين بمبلغ 30 دولاراً شهرياً في نزلٍ متهالكٍ، جدرانهما مُزيَّنة بصورٍ لطفليهما، لأنهما لا يقدران على تكاليف إبقاء الطفلين معهما.
ويعيش الطفلان بدل ذلك مع جدتهما على بُعد ساعاتٍ بالدراجة النارية، ويريان والديهما خلال إجازة نهاية أسبوعٍ واحدةٍ كل شهرٍ، حين يكون بإمكان الأبوين تحمل تكاليف الوقود.
وتتقاضى علياء الحد القانوني الأدنى للأجور لوظيفتها في إقليمها، وهو 2.3 مليون روبية، أو ما يعادل 173 دولاراً تقريباً شهرياً، لكنه هو من بين الأقل على مستوى إندونيسيا بالكامل، وهو أقل بحوالي 40% تقريباً من الأجور في المصنع الصيني، الذي يعمل هو الآخر لحساب إيفانكا ترامب.
أما زوجها أحمد، الذي يعمل بدوره في مصنعِ ملابسٍ محليٍّ، فيقول: "نحن لا تعجبنا سياسات ترامب".
ويتحدث عن متابعته أخبار حظر المسلمين الذي أقره ترامب قائلاً: "نحن لسنا في منصبٍ يتيح أمامنا خياراتٍ تتعلَّق بوظائفنا انطلاقاً من مبادئنا".
وحين أُخبِرَت علياء أن موضوع كتاب إيفانكا الجديد يدور حول حقوق النساء في أماكن العمل انفجرت ضحكاً، وقالت إن فكرتها عن الموازنة بين العمل والبيت هي أن تتمكَّن من رؤية أبنائها مرة في الشهر.
وهناك حالياً 2759 عاملاً في بوما (مصنع إيفانكا)، طبقاً لمكتب القوى العاملة المحلي، من بينهم 200 عامل أعضاء في نقابات مهنية، مُقسَّمين على نقابتين، أما بالنسبة لباقي عمال المصنع غير النقابيين فإن حياتهم جحيم لا يُحتَمَل. ثلاثة أرباعهم تقريباً من النساء، وكثيرٌ منهن أمهات، وكثيرٌ منهن كعلياء يُكرِّسن دخلهن بالكامل تقريباً لأطفالهن الذين لا يستطعن غالباً تحمل نفقات العيش معهم.
أما سيتا، البالغة من العمر 23 عاماً، فهي عاملة استثنائية، إذ اضطرت للتخلي عن دراستها الجامعية حين مرض والداها، وبدأت العمل لدى بوما، وقد صرَّحت للغارديان أن عقدها سينتهي قريباً، بعد سبعة أشهرٍ من العمل.
وتقول: "هذه إحدى طرق الشركة لتقليل النفقات"، فهي لن تحصل على أي مستحقات لكونها عاملةً بتعاقد. وتضيف: "لم أعد أحتمل، أنا أعمل لساعاتٍ إضافيةٍ كل يومٍ دون أجرٍ إضافي، وما زلت لا أجني أكثر من 2.3 مليون روبية كل شهر، أنا أخطط للرحيل من سوبانغ، حيث الحد الأدنى للأجور متدنٍ للغاية، لكني لا أعرف إلى أين أذهب، فأنا ليس لدي صلاتٌ بأحد".
ظروف عمل صعبة
ورغم أنه لا توجد إساءاتٌ فاضحةٌ، تُعد ظروف العمل أبعد ما تكون عن كتاب ابنة الرئيس المسمى "Women who work – النساء اللاتي يعملن"، حتى صار من المستحيل على العاملين تخيُّل موقف قد تلبس فيه امرأةٌ فستاناً مما يحِكن.
يُذكَر أن إيفانكا ترامب كانت قد تراجعت عن إطلاق علامتها التجارية، في يناير/كانون الثاني، رغم أن كل المنتجات ما زالت تحمل اسمها على الشعار.
وتحصل النساء العاملات في مصنع بوما بشكلٍ دائمٍ على امتيازاتٍ مُحدَّدةٍ جداً، حيث الإجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر للحضانة (تُقسَّم عادةً إلى ستة أسابيع أثناء الحمل، وستة أسابيع عند الولادة)، والتأمين الصحي الفيدرالي الإلزامي، والمكافأة التي تبلغ 10.50 دولار إن هن لم يتغيبن عن العمل أيام الطمث.
ووفقاً لصورةِ جدولٍ زمنيٍ اطلعت عليها الغارديان من أحد العمال، فإن الأهداف الإنتاجية التي يجب تحقيقها كل نصف ساعةٍ تقريباً، بين السابعة صباحاً والرابعة مساءً، هي بين 58 و92 قطعة، في حين أن الأرقام الحقيقية للإنتاج تبلغ بين 27 و40 قطعة، وتتذاكى الإدارة كما يقول وِلدان، العامل في المصنع والبالغ عمره خمسةً وعشرين عاماً: "يأخذون بطاقات هويتنا ويسجِّلون خروجنا من المصنع عند الساعة الرابعة، فلا يمكنك إثبات أي شيء".
ويقول سبعةٌ من العاملين إنهم تعرَّضوا للإساءة اللفظية، ودُعوا بأسماءٍ مثل: "الحيوانات"، و"القرود المعتوهة".
طرد الموظفين قبل رمضان
وبعيداً عن ذلك، فإن لشركة بوما نمطاً في طرد العاملين قبل رمضان مباشرةً، وإعادة تعيينهم بعد ذلك بشهر، لتجنُّب دفع "نفحاتٍ للأيام المقدسة"، وفقاً لما ذكره الكثير من العاملين. وينص القانون الإندونيسي على أحقية كل العاملين في زياداتٍ بالأيام المقدسة لهم أياً كان دينهم، وتتمثَّل الزيادة في أجر شهرٍ كاملٍ على الأقل، أو يزيد على حسب الدرجة الوظيفية.
وفي مايو/أيار الماضي، طُرِدَ حوالي 290 عاملاً من عملهم قبل رمضان، وفقاً لما ذكره توتو سونارتو القيادي باتحاد عمال إندونيسيا المدعوم من الدولة.
لدى إندونيسيا أكبر فجوة بين الأجور المرتفعة والمنخفضة لعمال الملابس بين الدول الآسيوية، وفقاً لمنظمة العمل الدولية.
وقال ديفيد ويلش، المدير المسؤول عن العمال الإندونيسيين والماليزيين في "مركز التضامن – Solidarity Center"، وهي منظمةٌ غير هادفة للربح، تدعم العمال في الدفاع عن حقوقهم: "عليك تقييم الحد الأدنى للأجور في إطار البلاد نفسها، وفي هذا السياق، لا تعتبر هذه الرواتب حداً أدنى كافياً لسد احتياجات العمال الضرورية. ونظراً للتفاوت في الأجور في جميع أنحاء إندونيسيا، نرى نزوعاً إلى نقل المصانع بشكلٍ متزايدٍ إلى المناطق ذات الأجور الأدنى… تلك التي تُملي العلامات التجارية الغربية شروطها عليها بشكلٍ مُتعمَّدٍ".
حقوق العمال
أما جيم كيدي، الناشط الأميركي في مجال حقوق العمال، والذي نَشَطَ في إندونيسيا لفترةٍ طويلةٍ فيقول: "لا أستغرب أن في مصنعٍ مثل هذا لا يعرف عامة العمال حقوقهم وما يُقره القانون عن الأجور والحقوق. ولكن مع أجور الفقر هذه -وأود أن أسميها بذلك- ليس لأن هناك شيئاً قانونياً يعني أنَّه أخلاقي".
وأضاف كيدي: "إنَّها تتحمَّل المسؤولية (إيفانكا). فاسمها هو الموجود على الفستان. وبدونها لا توجد أي علامةٍ تجارية".
وقالت كاري سومرز، مؤسسة "Fashion Revolution"، وهي منظمة عالمية غير هادفة للربح تعمل لتحسين صناعة الأزياء: "تدَّعي إيفانكا ترامب أنَّها المقصد والهدف النهائي "للنساء اللاتي يعملن"، وهو نفس اسم كتابها، ولكن هذا لا يمتد بشكلٍ واضح إلى النساء العاملات في مصانعها في جميع أنحاء العالم".
وقد تقلَّبَت ثروات العلامة التجارية إيفانكا بقوةٍ خلال العام الماضي، 2016. وخلال حملة والدها، ارتفعت المبيعات الصافية لعلامتها التجارية بنحو 18 مليون دولار في السنة المنتهية، في 31 يناير/كانون الثاني 2017، وفقاً لبيانات شركة جي 3 للملابس. ولكن في الأشهر الأخيرة، سحبت العديد من المتاجر علامتها التجارية، وأعادت شركة جي 3 تصنيف بعض بضائع إيفانكا ترامب سراً تحت علامة تجارية مختلفة، هي أدريان فيتاديني.
وقد شعر هيبي عبد مناف، وهو مسؤولٌ في وزارة القوى العاملة المحلية، بالإطراء بسبب العلاقة مع ترامب. وقال: "إنَّه دليلٌ على أنَّ السلع الإندونيسية جيدة بما فيه الكفاية للعالم. ونأمل أن يصبح هذا -أي جودة الملابس- من الأمورِ التي تشتهر بها إندونيسيا".