هلالنا ليس كأي هلال

رغم ما تعيشه القدس المحتلة من ضنك العيش تحت احتلال يجتاح المكان والإنسان، فإن القلوب تهفو في كل وقت لزيارة هذه المدينة، كيف لا وقد حلّ على أرض فلسطين شهر رمضان المبارك، لكن الاحتلال يُنغص في أغلب الأحيان على الفلسطينيين القادمين إليه من كافة البقاع وتمنعهم من زيارة الأقصى لُحججِِ باطلة وواهية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/10 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/10 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش

لا يمكن أن يكونَ نزولكَ عند أحدِ أبواب المسجد الأقصى مساوياً لنزولك في أي مكانِِ آخر في العالم، ففي قُبتها وميضٌ ساحرٌ ومسجدها لو نظرت إليه لأذبت الحجارة حنيناً، في تلك المدينة ترى وجه السَّماء ملخصاً فيها؛ لأن من يدخل مدينة القُدس؛ إّما أن يعود طفلاً يحب كل الأشياء، وإمّا أن يخرج منها مسنّاً لا يُدرك متى سَيعود إليها ثانية.

ينتظرُ الجميع في كافة بقاع الأرض بلهفةِِ الصوت الذي يُعلن أن رؤية الهلال ثبتت وأن اليوم التالي هو غرة رمضان، لكن هلال فلسطين والقدس ليس كأي هلال في العالم.

لمدينة القدس أجواء خاصة بها تختلف عن كافة البقاع في هذه الأرض وتُضاء شوارعها وأزقتها بالفوانيس المزركشة ورفع الأعلام واللافتات المزينة بآيات قرآنية ابتهاجاً بهذا الشهر المبارك.

رغم ما تعيشه القدس المحتلة من ضنك العيش تحت احتلال يجتاح المكان والإنسان، فإن القلوب تهفو في كل وقت لزيارة هذه المدينة، كيف لا وقد حلّ على أرض فلسطين شهر رمضان المبارك، لكن الاحتلال يُنغص في أغلب الأحيان على الفلسطينيين القادمين إليه من كافة البقاع وتمنعهم من زيارة الأقصى لُحججِِ باطلة وواهية.

وكأنَّ صَوتَ مؤذنها خُلِق من الورد كلما صَدح المُؤذن بالأذان ملأَ المكان عطراً كما أن لصوت المدفع لحظة الإفطار في هذه المدينة وقعاً خاصاً في آذان الجميع، تهفو له القلوب في أرجاء الوطن، لكن الاحتلال يمنع مَن هم خارج المدينة من الدخول للصلاة في ساحات المسجد الأقصى في أغلب الأحيان مما يُجبر الكثير من المتلهفين لزيارته بالدخول لهُ عبر طرُق مختلفة منها ما يعرفه الناس باسم "التهريب".

هم يكتفون بالنظر إلى شاشات التلفاز ويترقبون أخبار القدس والتهويد والاستيطان، ويستمعون لأحاديث هاتفية تورد من قلب المسجد الأقصى تُحدثهم بأجواء روحانية لم يشهدوا لها مثيلاً من قبل لعدم حصولهم على تصريح للدخول أو بحجة "الرفض الأمني".

يعيش الدفئ في قلوب الكثير من الغزيين في الجانب الآخر من الوطن وعلى بعد كيلومترات ليست بالكثير، فهم منذ سنوات عديدة لم يتسنَّ لهم زيارة المدينة المقدسة ولا تكحيل عيونهم بقبتها الذهبية، وحتى وإن سمح الاحتلال لهم فهو يسمح لكبار السن فقط.

لا شك أنك ترى العديد من المدونين خارج حدود تلك المدينة الفاتنة يغردون شوقاً وأملاً بتلاقي الأرواح في باحاتها، لا عبر منامها، حُلُماً جميلاً، ليته لم ينتهِ، كُلِ تلكَ التغريدات والكلمات تبقى حبيسة المواقع ويقرأها الناس، لكن بعيدة عن الالتقاء على أرض الواقع.

ما إن يصدح أذان المغرب في كل يومِِ من أيام رمضان تجد الكثير من العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية أو قطاع غزة على حد سواء، تجتمع كغيرها على مائدة الإفطار، ولكن هلالها ليس كأي هلال مرّ على أي أسرة ثانية، فالكثير من العائلات تفتقد إما لأسيرِِ أو شهيدِِ بدونه لم يكتمل نصاب العائلة كغيرها؛ ليكتمل هلال هذه العائلة كغيرها.

لكن الأسرى في السجون جعلوا من رمضان هلالاً ليس كأي هلال؛ حيث يتحدى الأسرى إجراءات الاحتلال التي تسعى لقتل حب الحياة بداخلهم، ويقهرون الجلاد بإرسال رسالة للعالم أن إرادتهم قادرة على العيش تحت كل الظروف.

ولا يغفل الأسرى رغم تلك الظروف عن العيش في أجواء رمضان حيث يتم إحياء الأمسيات خلال ليالي رمضان وإعداد الحلويات الرمضانية، ويبقى السؤال في ذهن الأسرى دوماً: "كم رمضان تبقى لنا حتى يستفيق العالم على معاناتنا وينفك القيد وتنهي العذابات ويكون هلال رمضان الأسرى كأي هلال آخر؟".

وفي الختام أقول: صمتٌ جميل والله يعلم سر الكلام، وخفقات الحب الغزي تبقى تنتظر هلال القُدس حيَّاً دونما حاجز أو احتلال.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد