يكثف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من هجماته خارج مناطق سيطرته في سوريا والعراق قبل وخلال شهر رمضان، وهو ما دفع محللين ومسؤولين للتساؤل عن سبب تأجيج التنظيم المتشدد لموجة العنف في الشهر الكريم.
وبدأ التنظيم بالتصعيد حتى قبل بدء رمضان ففي الثاني عشر من شهر مايو/أيار الماضي، استهدف التنظيم قاعة حفلات في مدينة مانشستر ببريطانيا؛ أودى بحياة 22 شخصًا، من بينهم أطفال، وتبناه التنظيم. وبعده بأيام هاجم التنظيم حافلة كانت تقل أقباطاً في محافظة المنيا وسط مصر، ما أسفر عن مقتل 29 شخصاً وإصابة 20 آخرين، وفقاً لوكالة الأناضول.
وفي بغداد، فجّر مسلحون من "داعش"، بعض الأسر التي تصطف لشراء الآيس كريم. وفي كابول، تسببت شاحنة مُفخخة في قتل 150 شخصاً، وأُلقي اللوم على التنظيم أيضاً.
وشن التنظيم هجوماً عنيفاً على العاصمة البريطانية لندن في 3 يونيو/حزيران 2017، وتسبب ثلاثة من أنصاره في قتل 8 أشخاص إصابة أكثر من 50 آخرين مستخدمين شاحنة وبعض الأسلحة البيضاء، بحسب وكالة رويترز.
وفي إيران، قُتل 17 شخصاً في هجوم مروّع يوم 7 يونيو/حزيران 2017 على مبنى مجلس الشورى الإيراني، وضريح الإمام الخميني في العاصمة طهران، وتبنى تنظيم "داعش" في بيان له المسؤولية. وأخيراً في أستراليا وباريس، ظهر بعض المهاجمين الذين يدعون انتماءهم لداعش.
خسائر متلاحقة
وتشير صحيفة "الغارديان" في تقرير لها الجمعة 9 يونيو/حزيران 2017 إلى أن حِدة تلك الهجمات ونطاقها الواسع فاجأت المحللين، وأضافت أن شهر رمضان كان مفضلاً لدى "داعش" للقيام بالهجمات، حتى قبل المكانة الدولية البارزة التي احتلها التنظيم وشهرته حول العالم.
إلا أنه منذ استيلاء "داعش" على مساحات شاسعة من الأرض في الأماكن الرئيسية بالشرق الأوسط، وإعلانه لخلافته في 2014، كان شهر رمضان يشهد تصعيداً في أعمال العنف. إلا أن الخبراء أكدوا وجود عنصر إضافي هذا العام، يؤجج الهجمات والضربات التي يقوم بها "داعش".
ويدعو التنظيم المتشدد أنصاره باستمرار إلى شن الهجمات على الغرب في شهر رمضان، وأبرز تلك الدعوات صدرت من المتحدث السابق باسم "داعش" أبي محمد العدناني (قُتل بغارة جوية)، عندما دعا في العام 2016 بتسجيل صوتي أنصار داعش لشن هجمات على الولايات المتحدة وأوروبا في شهر رمضان، وفقاً لموقع "DW" الألماني.
وجاء في التسجيل الصوتي آنذاك: "ها قد أتاكم رمضان شهر الغزو والجهاد شهر الفتوحات فتهيأوا وتأهبوا.. لتجعلوه شهر وبال في كل مكان على الكفار وأخص جنود الخلافة وأنصارها في أوروبا وأمريكا"، بحسب وكالة رويترز.
وجاء في التسجيل أيضاً "إن أصغر عمل تقومون به في عقر دارهم أفضل وأحب عندنا من عمل عندنا". ودعا البيان لشنّ هجمات على الأهداف العسكرية والمدنية على حد سواء.
دافيد جارتنستين روس، محلل مكافحة الإرهاب في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمقيم بواشنطن، قال إن "داعش ترغب في النجاة والبقاء على قيد الحياة كمؤسسة. فهي لا تريد الاختفاء من المشهد بعد خسارة أي من مناطق سيطرتها.. تأتي العمليات الخارجية على رأس قائمة نقاط قوتها، ولذا، تحتاج إلى استمرار تلك العمليات كي تستقطب التبرعات والمجندين وتحافظ على قوة اسمها وشعارها المؤسسي".
وعود بمواصلة القتال
وبحسب الغارديان ينكر تنظيم "داعش" وجود رابط بين الموجة الحالية من الهجمات في المملكة المتحدة وأوروبا، وسلسلة الهزائم العسكرية التي تعرض لها في معاقله الشرق أوسطية خلال الـ18 شهراً الماضية، وقال إنه سيسترد خلال الأعوام القادمة، "كل شبر من الأراضي التي فقدها"، حسب قوله.
ويخسر التنظيم مزيداً من الأراضي في العراق وسوريا، ويواجه هجوماً عسكرياً كبيراً في مدينة الرقة معقله الرئيسي في سوريا.
وفي العدد الأخير من مجلة رومية (Rome)، يقول "داعش" إن فقدان الأراضي "ليس بشيء جديد" ولن يؤدي إلا إلى "إعادة تنظيم صفوف التنظيم.. وإعادة إشعال نيران الحرب".
ويعتقد العديد من المحللين أن الانتصارات التي حدثت خلال الآونة الأخيرة ضد التنظيم في العراق وسوريا، قد لا تكون حاسمة.
ويقول جان بيير فيليو، الأستاذ المختص في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في معهد العلوم السياسية بباريس، إن أي انتصار مُفترض قد كان "ساحقاً ومثيراً" بسبب عدم وجود "شريك سني عربي موثوق فيه يُحارب إلى جانب القوات الكردية والشيعية التي يمكنها السيطرة على الأرض بدعم من المجتمعات المحلية بمجرد الاستيلاء عليها".
وأضاف فيليو قائلاً، "داعش بعيدة تماماً عن الهزيمة الكاملة والكلية.. فلم يتحرر سوى ثلثا الموصل فقط حتى الآن. ومن المتوقع أن تكون معركة الرقة طويلة وسيئة. وحتى بعد ذلك، فإن القضاء التام على داعش مُجرد وهم".
ويتوقع خبراء أن تحتفظ داعش بقواعدها المتناثرة في العراق وسوريا، حيث يمكنها من خلالها إطلاق -أو على الأقل التنظيم والإيحاء بإطلاق- المزيد من الهجمات الإرهابية على الغرب، فضلاً عن العنف المنتشر في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وقال جارتنستين روس، "إن الخسائر ستحد من قدرتها، إلا أن (المخططين الإرهابيين) لا يحتاجون إلى السيطرة على الأراضي، بل يحتاجون فقط إلى وجود ملاذ آمن، ولا يوجد نقص في العثور على تلك الأماكن في العالم".
وتُعد إحدى الديناميات القوية، هي التنافس المستمر مع "تنظيم القاعدة"، وهو الفريق المخضرم المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول. فإن التفجير الأخير الذي حدث في إيران، لم يخل أيضاً من الرغبة في التمييز الزائد بين "داعش" وتنظيم القاعدة، والذي لم يهاجم أبداً الدولة ذات الأغلبية الشيعية.
وقدد عزز تنظيم القاعدة وجوداً قوياً له في الساحل واليمن وسوريا في السنوات الأخيرة، ودعا مؤخراً لما يُسمى بهجمات "الذئب الوحيد" في الغرب. وقد شنت قوات تنظيم القاعدة التابعة للصومال، سلسلة من الهجمات على قوات الأمن المحلية في الأسابيع الأخيرة.
قال ريتشارد باريت، الرئيس السابق لمكتب مكافحة الإرهاب التابع للاستخبارات البريطانية MI6، "لقد ركزنا جميعاً على داعش بسبب المكاسب الإقليمية.. إلا أن تنظيم القاعدة لا يزال متواجداً.. وبشكل عام، هذا النوع من الإيديولوجية لا يزال جذاباً وفي غاية الفعالية.. فقد ظل في تزايد منذ عقدين على الأقل، ولا يزال يتزايد في العالم العربي وإفريقيا وآسيا".