يقول الحلاج في قصيدة له:
الحبّ ما دام مكتوماً على خطرٍ ** وغاية الأمْنِ أن تدنو من الحذر
وأطيب الحبّ ما نمّ الحديث به ** كالنارِ لا تأتِ نفعاً وهي في الحجر
نعيش اليوم في زمن كل ما فيهِ سريعٌ ومختزل، أوقاتنا، أعمالنا، كلماتنا، وحتى مشاعرنا، وهذا ما يستدعي العجب شديد العجب!
كيف نختزل مشاعرنا، وهي التي وجدت للبوح بها والإفصاح عنها دون خوف أو تردد ولا حتى خجل.
في الزواج:
تقول لي إحدى الصديقات حين تمّت خطبتها ما كانت راضية تماماً عن قرار ارتباطها، لكن بعد مرور أشهر تعرفت أكثر على الرجل، واتضح لها أنه شخص رائع يحترمها ويحبها ويقدرها، وممتن لكونها ستشاركهُ مستقبله القادم.
لكن هذهِ الصديقة كانت تواجه مشكلة هي تخشى وتتردد كثيراً في أن تعبّر عن مشاعرها وحبها لزوجها وشريك حياتها المستقبلي، تخشى أن تغدق عليهِ بالكثير من كلمات الحب والاهتمام والاقتراب منهُ لربما يظن بها سوءاً، وتكون خادشة للحياء، وما إلى ذلك من التفاصيل الأخرى.
هذه الصديقة والكثير غيرها من النساء يكتفين بالكلمات والمشاعر التي تختزل الحب في قلبها وتحولهُ لصمت وملل طويل الأمد.
لماذا تخشى الزوجة أن تعبّر عن حبها بكامل الصدق والعطاء والوضوح لزوجها؟ وأساس هذه علاقة النقية هو العُمق والتوافق ووئام والصفاء والطمأنينة التي تسكن في قلب وروح كلا الزوجين.
لماذا حين نقول كلمات الحب نلتفت يميناً ويساراً وكأننا مشتبه بهم بجريمة مشاعرنا الصادقة تجاه ما أحلهُ الله تعالى لنا.
أذكر هنا قولهُ تعالى: "نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" (البقرة: 187).
في الكتابة:
ما إن كتبت أنثى سطرَين عن الحب حتى وقع عليها حد الخطيئة التي لا نجاة منها ولا مفر، كيف تكتب الحب، بلا شك هناك مَن يتربص لها ليوقعها في شباكهُ ويستغل مشاعرها وقلبها، لا بد أنها تكتب لرجل لا تعرفه أعيننا ويغدو جميع مَن حولها مصلحين ومحققين، والفتاة متهمة بجريمة الحب أثناء ممارستها فعل الكتابة وعيش الحب في كلمة!
من نِعم الله تعالى علينا الخيال والتأمل والتفكير وزرع الأحلام، لعلها من بعد الكلام تزهر حقيقة نحيا بها.
الأنثى حين تكتب عن الحب يعني أن مشاعرها الطاهرة مكشوفة ومفضوحة للعيان، هي تكتب عن رجل في مكان ما من العالم سيكون رفيقاً لها في يوم.
ولن تتردد أبداً في أن تشاركهُ ما كتبت من قصائد وقصص في الحب وكلمات الغزل والشجن، وقتها سيكون كل ذلك جميلاً جداً.
لكل النساء اللواتي يكتبن لا تترددن أبداً في كتابة الحب والتعبير عنهُ كما يليق بخيالكن الذي يهدينا في كل مرة الجمالَ والإبداعَ معاً كوجبة حب دسمة.
في الأخوّة:
أخي، صديق طفولتي، ابن عمي وعمتي.. لماذا نتجاهل كل هؤلاء الذكور في حياتنا ونبتعد عن أوقات طيبة مليئة بالفرح برفقتهم؟ لمَ نشعر بالغربة عن هؤلاء ولا نتعامل معهم بحرية لا تفقدنا الوقار بحدود الأدب والأخوة؟
أخوكِ الذي ولدتهُ أمكِ يستحق الحب، يستحق أن تقتربي منهُ؛ لتكوني صديقتهُ، ربما لتفكري معهُ وتشدي أزرهُ، فهو بحاجة لأنثى تسمع إليه وتهتم لأمره، لمَ كل هذا التجاهل والجفاء بينكِ وبين أقرب قريب واختزال الحب للأخ وكأنه غريب لا يربطكما سوى رابط الاسم والسكن؟
لماذا تلجأ الفتاة لتعاشر أصدقاء من الذكور في العالم الافتراضي بينما بإمكانها أن تكون صداقة واقعية جدية بمعرفة الأهل وعلمهم فصديقها الذي كبرت معه وكانت كأخت لهُ وأولاد عمها وغيرهم من الأصحاب والأقرباء يصلحون لأن يكونوا أصدقاء جيدين في علاقة تسودها الألفة والثقة ويحرص فيها الطرفان على مصلحة الآخر، هذهِ العلاقة البريئة التي يتشارك فيها الأصدقاء بأفكارهم وطموحهم وخططهم المستقبلية وتفاصيل يومهم بحرية ويتناقشون فيها من دون خوف أو اختباء وخجل من انكشاف أمرهم للعلن.
وأخيراً عندما نفصح عن أمر الحب في محله؛ حيث يليق بهِ، ونعبر عنهُ بكل صدق وبراءة واحترام لمشاعرنا قبل كل شيء، ستكون حياتنا أكثر سعادة وعفوية من خلال مرورها بالحب وعدم تجاوزه، بل الإفصاح عنه لا داعي بعد اليوم لاختزاله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.