وسط جهود الكونغرس المستمرة لتشديدِ العقوبات على "حزب الله" اللبناني، توالَت الوفود من السياسيين والمصرفيين اللبنانيين إلى واشنطن في شهر مايو/أيار الماضي، في محاولةِِ منهم لتقليص آثار أية عقوباتٍ جديدة على القطاع المصرفي اللبناني، بحسب ما ذكرته صحيفة "فورن بوليسي" الجمعة 2 يونيو/حزيران 2017.
وتتضمن تلك العقوبات مشروعَ تعديل يُعرَف بقانون تعديل التمويل الدولي لـ"حزب الله" لعام 2017، والذي لم يُطرَح بصورةِِ رسمية حتى الآن في الكونغرس.
وتشير الصحيفة إلى أنه من شأن هذا القانون أن يُشدِّد على اللوائح المالية للبنوك اللبنانية، ويُوسِّع دائرة الرقابة لتضم حلفاء "حزب الله" من أجل الكشف عن أية تمويلاتٍ محظورة للمجموعات المرتبطة به.
منظمة إرهابية
ويأتي هذا الإجراء بعدما اعتبرت كلٌّ مِن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وجامعة الدول العربية وغيرها حزبَ الله مُنظَّمةً إرهابيةً.
وسُرعان ما لاقى المشروع، الذي كشفت عنه وسائل الإعلام اللبنانية في أبريل/نيسان الماضي، معارضةً هناك.
وبحسب صحيفة "ديلي ستار" اللبنانية الناطقة بالإنكليزية، قال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في مؤتمرِِ صحافي في 28 أبريل/نيسان الماضي أنَّه يأمل في التعاون مع السِّياسيين الأميركيين لـ"تغيير" مشروع القانون، وإنَّ هذه العقوبات ستكون "قاسيةً على لبنان"، على حد تعبيره.
وتخشى شخصيات سياسية ومالية أن يضر مزيد من الضغط بقطاع البنوك، وهو حجر زاوية في اقتصاد لبنان غير المستقر.
ويُمثِّل القطاع المصرفي الدعامةَ الأساسية للاقتصاد اللبناني، لذا يهدف وفد المصرفيين والسياسيين إلى نقل رؤيتهم للكونغرس الأميركي، وهي أنَّ هذا المشروع بدون أية تعديلاتٍ سيضر باقتصادهم، بل وحتى بالاستقرار العام للبلاد.
عقوبات مشددة
ونقلت وكالة رويترز عن ياسين جابر، وهو سياسي لبناني ضمن الوفود التي زارت واشنطن في مايو/أيار الماضي، قوله: "هناك سؤالٌ واحدٌ يجب أن يضعه كلُّ من يريد الضغط على لبنان في حسبانه: هل تريد حقّاً دولةً فاشلةً أخرى في الشرق الأوسط؟".
ويأتي هذا المشروع كمرحلةِِ ثانيةِِ ضِمن سلسلةٍ من الجهود التي تهدف إلى تضييق الخناق على تمويل حزب الله.
ففي عام 2015، وقَّع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قانوناً لمنع تمويل حزب الله دوليّاً. وهو المشروع الذي صاغَهُ إد رويس، الممثِّل الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا.
ومن شأنِ هذا المشروع تشديد العقوبات على تمويل الجماعات السياسية سواء في داخل لبنان أو خارجه، ويأتي مشروع التعديل متَّسِقاً أيضاً مع تركيز الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب على مكافحةِ تمويل الإرهاب، خاصةً الجماعات التي تتلقى تمويلاً إيرانيّاً كحزب الله.
مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ماثيو ليفيت قال: "ينبغي لنا قولُ الكثير للوصول إلى قياسِِ دقيقِِ ولتلافي تأثير مثل هذه التشريعات على بقية الاقتصاد اللبناني. إن القطاع المصرفي اللبناني هو العمود الفقري لاقتصاد لبنان، ولا يريد أحدٌ أن يُقوِّضَ ذلك"، ثم تابع قائلاً إنَّ الهدف هو "تمكين المصرفيين اللبنانيين مِن تحديد التمويلات المحظورة في إطار نظامهم المصرفيّ"، لا تقويض "النظام المصرفيّ نفسه".
وكما يقول ليفيت -وفقاً لـ فورن بوليسي– فإنَّ حماية القطاع المصرفي اللبناني من هذه العقوبات الواسعة لم يكن هو هدف السياسيين والمصرفيين اللبنانيين الوحيد عند محاولتهم الضغط على واشنطن. وقال: "الكثير مِن مضمون ما جاءت به هذه الوفود خلال الجولة الأولى وهذه المرة مِن جديد يبدو معنيّاً أكثر بمحاولات حلفاء حزب الله لوقف هذه القرارات".
تجفيف التمويل
وتقول الولايات المتحدة إن "حزب الله يتلقى تمويلاً ليس فقط من إيران لكن عبر شبكة من الأفراد والشركات اللبنانية والدولية". ويهدف القانون الذي صدر في عام 2015 لقطع مصادر التمويل هذه.
وفجّر تطبيق القانون توترات داخلية في لبنان. وفي ظل خشيتها من فقدان علاقاتها مع بنوك المراسلة بدأت البنوك اللبنانية تغلق بعض حسابات عملائها بما في ذلك شيعة ليسوا أعضاء في "حزب الله".
ويتمتع "حزب الله" بنفوذِِ قويِِّ في السياسة اللبنانية، بل إنَّه أيضاً يَعتبر الرئيس المسيحي ميشال عون حليفاً له، ويحظى الحزب وذراعه العسكري الممتد بدعم الشيعة في لبنان، وهم يشغلون مقاعد كثيرة في البرلمان، وهذا ما يجعل من الصعب التمييز بين الأحزاب السياسية الشيعية والجماعات المرتبطة بحزب الله.
وقال علي حمدان، المُنحاز إلى حركة أمل، والذي زار واشنطن أيضاً في مايو/أيار الماضي، لوكالة رويترز إنَّهم "توصَّلوا إلى تفاهُمِِ ما" مع المسؤولين الأميركيين الذين تحدَّثوا معهم.
وأضاف أنَّ الرسالة التي جاء بها الوفد إلى واشنطن هي أنَّ "المزيد من العقوبات الأوسع نطاقاً يُعَد وصفةً تدميرية للبلاد". وهي الرسالة التي يرى حمدان أنَّها بلغَتْ المُشرِّعين الأميركيين بشكلِِ واضحِِ تماماً.