قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تفكر جدياً في الاستعانة بخطة أمنية وضعتها إدارة أوباما في حال تم التوصل إلى حل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وعلى أثره تنسحب إسرائيل من بعض المدن الفلسطينية.
وبحسب التقرير الذي أعدته هآرتس الجمعة 2 يونيو/حزيران 2017 وقالت إن تفاصيل الخطة التي أطلق عليها "آلن" قد حصلت عليها بشكل حصري، بعدما أجرت لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين حضروا مناقشة هذه الخطة التي يعود اسمها إلى جون آلن، الجنرال الأميركي السابق الذي قام بإعدادها.
وأضافت هآرتس: "في الأسبوع الأول بعد دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عقد مبعوثه الخاص لعملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، جيسون غرينبلات، عدداً من اللقاءات مع مفاوضي السلام السابقين، من ضمنهم مسؤولون سابقون في إدارة أوباما، وفي واحدٍ من تلك اللقاءات المُطوَّلة، جرى إطلاع غرينبلات على خطةٍ أمنية مُفصَّلة جهَّزتها إدارة أوباما لليوم الذي يتلو إقامة دولةٍ فلسطينية، وهي معروفة داخل الإدارة باسم (خطة آلن)، على اسم الجنرال السابق بقوات مشاة البحرية الأميركية، جون آلن، الذي كان مسؤولاً عن إعداد الخطة".
تفاصيل المحتويات السرية للخطة
وبحسب هآرتس، لم تُعلَن خطة آلن، التي كتبها عشرات المسؤولين والخبراء الأميركيين والتي امتدت عدة أشهر، على الملأ، وبقيت معظم محتوياتها سريةً، حتى بعد انهيار محادثات سلام 2013-2014 التي قادتها إدارة أوباما، ونصح مسؤولون سابقون الإدارة الجديدة بالتعمُّق في تفاصيل الخطة؛ لأنَّه في حال أصبحت رغبة ترامب في عقد مفاوضاتٍ إسرائيلية-فسطينية أمراً جديَّاً، فإنَّه سيحتاج عاجلاً أو آجلاً إلى خطةٍ قوية لتوفير الأمن لإسرائيل في أعقاب أي اتفاق.
وفي الأسابيع الأخيرة، ظهرت بعض المؤشِّرات على أنَّ الإدارة الحالية تنظر بالفعل في الخطة الأمنية التي أعدَّتها الإدارة السابقة. وقرَّر الجنرال هربرت ماكماستر، مستشار ترامب للأمن القومي، اختيار كريس باومان، العقيد بسلاح الجو الأميركي، الذي كان مُنخرِطاً بعمقٍ في العمل المُتعلِّق بخطة 2014 الأمنية، ليكون الخبير الجديد في الشؤون الإسرائيلية-الفلسطينية بمجلس الأمن القومي. وبالإضافة إلى ذلك، أُطلِعَت الإدارة على خطتين أمنيتين كان قد أعدَّهما مسؤولون أمنيون أميركيون وإسرائيليون سابقون العام الماضي، 2016، واستعارت كلٌ منهما أفكاراً ومصطلحات من خطة آلن، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.
والخطة الأولى هي خطة أعدَّها مركز الأمن الأميركي الجديد ومقرَّه واشنطن، مع الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي غادي شامني، الذي كان قائداً للمنطقة الوسطى بالجيش الإسرائيلي. أمَّا الثانية، فهي خطة أعدَّتها منظمة "قادة من أجل أمن إسرائيل، وهي منظمة تتألَّف من مئات الضباط الكبار السابقين بالجيش الإسرائيلي، والتي التقى مُمثِّلوها بدورهم مسؤولين اثنين بإدارة ترامب. وعبَّر المسؤولون عن اهتمامهم بالاطِّلاع على هذه الخطط، لكنَّهم لم يتحدَّثوا عمَّا إذا كانت إدارة ترامب ستتبناهم.
عسكريون إسرائيليون أشادوا بالخطة
وقالت هآرتس إنها في الأسابيع الأخيرة، تقابلت مع عددٍ من المسؤولين البارزين الذين كانوا مُنخرِطين في العمل المُتعلِّق بخطة 2014 الأمنية في كلٍ من إسرائيل وأميركا. ولم تكتمل الخطة، لكنَّ أجزاء كبيرة منها قد قُدِّمت آنذاك لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعلون،وكانت الآراء بشأنها في إسرائيل مُنقسِمة: فقد حازت إشادة من مسؤولين عسكريين كبار، غير أنَّ يعلون رفضها، كما انتقدها نتنياهو.
وكانت هناك اختلافات مهمة في ردود فعل المسؤولين الإسرائيليين على الخطة. فقد كان يعلون مُتشكِّكاً للغاية حيالها، بينما كان اللواء نمرود شيفر، الذي كان رئيساً لشعبة التخطيط بالجيش الإسرائيلي آنذاك، وكان مسؤولاً عن المشاركة الإسرائيلية في الخطة، يعتقد أنَّ الخطة بإمكانها أن تُوفِّر المستوى الضروري من الأمن لإسرائيل في اليوم الذي يتلو أي انسحابٍ إسرائيلي من معظم الضفة الغربية، بحسب ما تقوله الصحيفة الإسرائيلية.
وثيقة من 26 نقطة
وبحسب مشاركين من كلا الجانبين، فقد قدَّم الجيش الإسرائيلي للفريق الأميركي وثيقةً من 26 نقطة حدَّدت المصالح الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية. وطُلِب من الفريق الأميركي تقديم حلولٍ فعَّالة لكلٍ واحدة من هذه النقاط. وكان بعض المسؤولين الإسرائيليين الكبار الذين شاركوا في المحادثات يعتقدون أنَّه تقريباً كل النقاط التي وردت في الوثيقة قد حصلت على إجاباتٍ مُرضية من الأميركيين. لكنَّ رأي القيادة السياسية -أي نتنياهو ويعلون- كان مُخالِفاً، بحسب هآرتس.
ومع ذلك، تمثَّلت إحدى القضايا التي كان الجانب الإسرائيلي يعتقد أنَّها لم تُعالَج بشكلٍ مُرضٍ، في التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في اليوم التالي لإقامة دولةٍ فلسطينية؛ إذ قال مسؤولٌ أميركي بارز سابق لصحيفة هآرتس إنَّ الجانبين لم يتمكَّنا من التوصُّل إلى اتفاقٍ تفصيلي بخصوص عددٍ من النقاط، أساساً؛ بسبب الكشف عن أحداث مختلفة في 2014، أي انهيار محادثات السلام التي حاول كيري إجراءها، وما تلاها من حرب غزة؛ وهو ما أدَّى إلى وقف المحادثات قبل الانتهاء من النقاط كافة.
مطار في الضفة الغربية
وبحسب هآرتس، اقترح الجانب الأميركي افتتاح مطارٍ في الضفة الغربية، من شأنه أن يُتيح رحلاتٍ فلسطينية مباشرة مع دول العالم، دون الحاجة إلى المرور عبر إسرائيل. ولم يجر الانتهاء من هذه المسألة أيضاً، غير أنَّ فريق آلن عرض حلاً ممكناً لأي تحدياتٍ أمنيةٍ قد تنشأ عن افتتاح المطار. وكان لدى بعض الإسرائيليين تحفظات على فكرةٍ أميركية أخرى؛ وهي إنشاء سرب من المروحيات الفلسطينية غير المسلحة تسمح للسلطة الفلسطينية بنشر "قواتها الخاصة" بسرعةٍ في المواقع التي يُشتبه في وجود محاولة لتنفيذ هجومٍ فيها. (وجديرٌ بالذكر أنَّه من المفترض أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح في إطار هذه الخطة، ونتيجةً لذلك، فإنَّ طائرات الهليكوبتر التي سيحصل عليها الفلسطينيون ستكون من نفس نوع الطائرات التي تستخدمها قوات الشرطة، وليس تلك التي تستخدمها القوات الجوية).
واشتكى الأميركيون من أنَّ إسرائيل من جهةٍ تطالب الفلسطينيين بـ"رد فعلٍ سريعٍ" ضد أي هجوم، لكنَّها تعترض من ناحيةٍ أخرى على اقتراحات تمكين الفلسطينيين من القيام بذلك. وكان أحد الحلول التي نُوقِشت لهذه المشكلة هو إنشاء "نفقٍ جويٍ" محدود في الضفة الغربية يُسمح للفلسطينيين باستخدامه، تحت إشراف إسرائيل، مع قدرة إسرائيل على الرد فوراً على أي انحرافٍ فلسطينيٍ عن الحدود المتفق عليها لذلك "النفق"، بحسب هآرتس.
وقد كرَّس فريق آلن الكثير من جهوده لإيجاد حلولٍ أمنيةٍ لمنطقة غور الأردن. وتضمَّنت الخطة غرفة عمليات أميركية، وأجهزة استشعار، وطائرات من دون طيار، وتصويرٍ بالأقمار الاصطناعية، وتعزيز السياج الحدودي القائم على نهر الأردن بشكلٍ كبير.
وقد عرض الأميركيون إقامة حاجز مادي ثانٍ على الجانب الأردني من الحدود، لكنَّ الإجماع الإسرائيلي كان يقضي بأنَّ هذا ليس ضرورياً. وكان الإجماع الإسرائيلي هو أنَّه ما دامت القوات الأردنية الهاشمية تُسيطر على الأردن، فيمكن لإسرائيل الاعتماد عليها للحفاظ على الحدود آمنة؛ أمَّا في حال خسروا السلطة، فإنَّ السياج على الجانب الأردني لن يُحدث فارِقاً كبيراً.
وكجزءٍ من أبحاثهم، زار أعضاء الفريق الأميركي منطقة غور الأردن؛ لدراسة السياج الحدودي القائم. ووفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين، فقد توجَّهوا مباشرةً إلى السياج وظلَّوا يتحرَّكون سريعاً لمدة 15 دقيقة تقريباً قبل أن تكتشفهم دوريةٌ تابعة للجيش الإسرائيلي. وعرض الجانب الأميركي اختبار فرصة تطويره، وتعزيز السياج الحدودي، من خلال مطالبة نخبة قوات الكوماندوز الأميركية بمحاولة التسلل عبره.
ووفقاً لمسؤولين كبار شاركوا في المباحثات، فقد توقَّفت المحادثات الأميركية-الإسرائيلية المشتركة حول الخطة قبل أسابيعٍ قليلة من اكتمالها. وقد أمر وزير الدفاع الأسبق، موشيه يعلون، الجيش بتعليق المحادثات مع الأميركيين.
واعتقد يعلون أنَّ خطة آلن لم تكن خطة كاملة. وقال إنَّه على الرغم من تعامل الأميركيين بعنايةٍ مع قضية غور الأردن والتعاون الأمني المستقبلي بين إسرائيل والأردن، فإنَّهم لم يعالجوا المسائل الحرجة المتعلقة بالأمن في الضفة الغربية. وقُدِّمت أحدث نسخةٍ مُعدلةٍ من الخطة إلى نتنياهو ويعلون في اجتماعٍ عُقِدَ في مكتب نتنياهو عام 2014، وهو الاجتماع الذي أثار فيه رئيس الوزراء ووزير الدفاع آنذاك العديد من التساؤلات. وسجَّل كيري تلك التساؤلات، ووعد بالعودة بإجاباتٍ لها، لكنَّهم لم يُكمِلوا تلك المحادثة قط، بحسب الصحيفة الإسرائيلية
وكانت معظم الشكاوى التي أثارها نتنياهو ويعلون تدور حول الفشل في معالجة الوضع بالضفة الغربية بصورةٍ كافية بعد أي اتفاقٍ قد يكون مع الفلسطينيين. واستشهدوا بتهديد قذائف الهاون المُوجَّهة باتجاه مطار بن غوريون، وحقيقة أنَّ الاقتراح لا يضمن الحرية الكاملة للجيش الإسرائيلي في اتخاذ إجراءاتٍ داخل الضفة الغربية في حال فشِلت قوات الأمن الفلسطينية في إحباط هجمات أو تطوير الأسلحة. وقد أثار عددٌ من ضباط الجيش الإسرائيلي المشاركين في المحادثات أسئلةً مماثلة، ورأوا أنَّ الأميركيين متفائلون جداً فيما يتعلَّق بقدرات قوات الأمن الفلسطينية والتزامها.
صدمة ما بعد أوسلو وما بعد غزة
قال أحد المشاركين الإسرائيليين في المحادثات لصحيفة "هآرتس": "لم يتفهَّموا تأثير مجموعة الصدمات التي أصابتنا في أعقاب ما حدث بعد أوسلو، وفك الارتباط مع غزة، وانعدام الاستقرار الإقليمي". وكان الرد الأميركي على هذه المخاوف هو أنَّ الولايات المتحدة تُقدِّم لإسرائيل حلولاً فعالةً تُقدَّر بمليارات الدولارات، والتي سيجري استخدامها على مساحةٍ صغيرةٍ من الأرض، فضلاً عن مشاركةٍ إسرائيليةٍ مكثفةٍ على عدة مستوياتٍ. وأضاف مسؤولٌ أميركي سابق أنَّ "إسرائيل لا تزال تحتفظ بالقدرة على حماية نفسها بنفسها. وفي حال فشل كل شيء، فإنَّ خيار إسرائيل للدفاع عن نفسها لا يزال قائماً بوضوح".
وخلال محادثات عام 2014، اندلعت أزمةٌ سياسية حينما نشرت إحدى الصحف الإسرائيلية اقتباساتٍ عن إيجازٍ غير رسمي أجراه يعلون، وصف فيه كيري بالشخص "الموسوس والمُولَع بالمُثُل"، كما رفض آلن وخطته. وفي حين أنَّ يعلون لم يتراجع عن تعليقاته حول كيري جدياً، فقد تحرك للتواصل مع آلن للاعتذار وتوضيح أنَّه يُقدر عمل الجنرال وجهوده لإيجاد حلولٍ لأمن إسرائيل رغم الخلافات.
ورداً على دعوة التعليق من صحيفة هآرتس، كتب آلن: "شعرنا دائماً بأنَّ قيادة الجيش الإسرائيلي العليا دعمت عملنا. وعلى الرغم من وجود خلافاتٍ حول بعض التفاصيل، كُنَّا نعتقد دائماً أنَّ التقدم في الحوار الأمني يُبرِّر مواصلة المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي من أجل التوصُّل لاتفاق سلامٍ يقوم على حل الدولتين. أو بعبارةٍ أخرى، لم يكن الأمن عائقاً أمام المُضي قُدُماً للأمام".
ولا تملك إدارة ترامب حتى الآن خطةً ملموسةً لاستئناف مفاوضات السلام، واقتصرت تصريحات الرئيس ترامب حتى الآن على التعبير عن رغبته في تحقيق "السلام والمحبة" لإسرائيل والفلسطينيين. إلا أنَّ مستشار ترامب للأمن القومي، الجنرال ماكماستر، قد صرَّح الشهر الماضي في فعاليةٍ بمناسبة عيد الاستقلال الـ69 لإسرائيل بأنَّ الولايات المتحدة ملتزمةٌ بالتوصُّل إلى اتفاق سلام، وفي الوقت نفسه الحفاظ على أمن إسرائيل على رأس الأولويات.
ولا يبقى سوى أن نرى كيف ستحاول الإدارة الأميركية تحديداً الوفاء بهذه الالتزامات، والدور الذي قد تلعبه الخطة الأمنية للإدارة السابقة في هذا الجهد.
وزار ترامب إسرائيل والضفة الغربية في مايو/أيار الماضي، بعد زيارة مهمة للمملكة العربية السعودية، وعد فيها ترامب بتقارب حقيقي بين إسرائيل والدول العربية.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فإن الدول الخليجية عرضت على إسرائيل تقوية علاقاتها معها وفي العلن ولكن بشروط، ومنها انسحاب اسرائيل من بعض الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967.