نجح هذا الشاب السوري في مغامرة الهروب من مدينته، الرقة، مسقط رأسه في سوريا ومعقل تنظيم داعش الإرهابي بسوريا. وعندما وصل إلى تركيا كان جاهزاً للمغامرة الأكثر خطراً: الانضمام إلى شبكة جاسوسية لحساب أحد أجهزة المخابرات الغربية، مقابل المال.
كان حسن ضائعاً ومرهَقاً وبلا أمل عندما اتفق على عمله الجاسوسي الأول: تقديم معلومات عن مبنى يستخدمه تنظيم داعش سجناً. ومع المعلومات قدم حسن تحذيرات واضحة بعدم استهداف السجن؛ لأنه يعج على الأغلب بموقوفين أبرياء، ومختطفين لدى التنظيم المتشدد، ولكن السجن تعرض للقصف بعد أيام قليلة.
حسن، وهو اسم مستعار بناء على طلبه، تحدث مع الفايننشيال تايمز البريطانية عن صدمته في ذلك اليوم، "حملت نفسي وذهبت لأصرخ في الرجل، لكن ما كان منه إلا أن تبسم وقال: لكي تعمل هذا العمل، عليك أن تدوس قلبك ووجدانك بحذائك".
تقرير الصحيفة البريطانية يقدم ملامح العالم الخفي للعبة التجسس الغربي على تنظيم الدولة، وهو العالم الذي نشط كثيراً في الأشهر الـ6 الأخيرة، بهدف صناعة شبكات لجمع المعلومات عن التنظيم.
المزيد من السوريين الفارّين من قبضة داعش يلجأون إلى هذا العمل مع تقدُّم الزحف البري لقوات التحالف الأميركي باتجاه الموصل والرقة. "الكل أصبح يملك الجرأة على العمل مع التحالف. لِم؟ لأن الناس أضناهم التعب. البعض نهشهم العَوَز والآخرون، جل ما يريدونه أن ينتهي هذا الموضوع، حتى إن لدينا شباباً داعشياً، بعضهم من قادة التنظيم نفسه يعملون معنا، فهم يرون أن الهزيمة ستكون في النهاية من نصيب داعش ولا يريدون الموت مع التنظيم"، كما قال أحدهم للصحيفة.
لماذا يسقط المدنيون ضحايا في هذه العمليات؟
يعيش بعض السوريين المتعاونين مع المخابرات الغربية صراعاً ذاتياً، حين تؤدي معلوماتهم إلى ضربات تسقط مدنيين. فهناك علامات استفهام تتصاعد حول ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين من جراء قصف التحالف؛ وقبل أيام أقرّ البنتاغون أن 105 مدنيين قُتلوا في قصف التحالف على مدينة الموصل في شهر مارس/آذار الماضي، وكذلك يقول سكان الرقة إنه في الشهر نفسه لقي أكثر من 30 حتفهم في مدرسة تؤوي عائلات شردتها الحرب.
رغم ذلك، يتحدث البعض عن الدقة المتناهية لأهداف الغارات رغم أعداد المدنيين الذين يقتلهم التحالف في قصفه، وروى اثنان كيف أن صاروخاً أصاب شقة قائد في تنظيم داعش دون أن يمس الطابقين الأعلى والأسفل بأي أذىً. ويخشى آخرون أن المشكلة تكمن أحياناً في جودة المعلومات الاستخباراتية التي يقدمونها هم.
وروى أحد المتعاونين، وكان يقود مجموعة جواسيس، للصحيفة أنه كان يوبخ وسيطه الأميركي بسبب ضربة أسقطت مدنيين، "فقال لي الأميركي: نعم قصفنا، إن كنت أنت أعطيتنا معلومات رديئة، فالذنب ذنبك".
ما هي إجراءات داعش ضد عمليات التجسس عليه؟
عمد التنظيم الإرهابي إلى حظر ومنع استخدام الهواتف الجوالة والإنترنت في المناطق التي ما زالت خاضعة لسيطرته؛ ما أنضبَ مصادر معلومات المخبرين والجواسيس واضطرهم إلى البحث عن مصادر جديدة، كما يضيف التقرير. ومع تصاعد وتيرة الحملة على داعش، تزايد كذلك طلبُ الجهات المتعاملة مع الجواسيس. تضم قائمة العملاء الآن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والسعودية والأردن والإمارات، وغيرها.
تزايد الطلب لدرجة أن شكوكاً تساور بعض الجواسيس بأن قادة شبكاتهم يبيعون المعلومات نفسها لعدة بلدان، تحت ضغط الجشع وتزايد الطلب.
كيف تعمل هذه الشبكات في نقل المعلومات؟
يصف المخبرون والجواسيس شبكتهم المؤلفة من 3 إلى 4 طبقات من الخلايا المترابطة والمتشابكة، بدايتها من سوريين ضمن الداخل الداعشي، تمتد عبر حدود الجنوب التركي. يضيفون للجريدة البريطانية أن مهمة البعض هي التحقق من صحة المعلومات، ومن ضمنها الإحداثيات والصور، ثم ينقلونها إلى قائد فريقٍ تكون مهمته التعامل المباشر مع وسيط استخباراتي أجنبي.
ما هي المبالغ التي يحصل عليها الجاسوس العادي؟
تنقل "فايننيشال تايمز" عن أعضاء إحدى الشبكات الجاسوسية أن رئيسهم يجني 5 آلاف دولار كل شهر من التعاون مع إحدى حكومات التحالف، أما الأفراد والعناصر في الطبقتين الوُسْطَيَيْن -ومركزهما تركيا- فيكسبون ما بين 500 إلى 2000 دولار كل شهر، مقارنة بأفراد المصادر الميدانية على الجبهة، وهم من يواجه الخطر الأكبر من انكشاف أمرهم وتعرضهم للقتل، فهؤلاء لا يقبضون سوى 100 إلى 300 دولار في الشهر، مع حوافز إضافية للأهداف الثمينة.
أما الجائزة الكبرى، فتكون من نصيب من يقدم رقم هاتف أمير ما أو رقم أحد حراسه الشخصيين. ورغم أن تنظيم داعش كثيراً ما حظر استخدام الهواتف؛ منعاً لتعقب مقاتليه أو اقتفائهم وقرصنة أجهزتهم، فإن العديد من أفراد التنظيم ما زالوا على ما يبدو مستمرين في استخدام الهواتف الجوالة.
وهكذا كانت تلك البداية المضطربة لحسن والمقدمة لدخوله في العالم المظلم للوشاة والجواسيس الذين يعتاشون من بيع المعلومات الاستخباراتية للتحالف الأميركي؛ بغية إنزال الهزيمة بتنظيم داعش. هي وظيفة يستمر في امتهانها حتى الآن لسببين؛ أهمهما حاجته وفاقته. أما السبب الجزئي الثاني، فيقول إنه أمله أن زيادة توخِّيه الدقة في المعلومات التي يجمعها قد يكون من شأنها تقليل أعداد المدنيين الذين يذهبون ضحية القصف.