نظام عالمي نفطي جديد.. التوافق الروسي السعودي بشأن أسعار البترول يعيد رسم مستقبل الطاقة في العالم

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/01 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/01 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش

كان اللقاء الذي جمع بين الرجلين اللذين يديران إمبراطورية النفط، في كل من روسيا والسعودية، أبلغَ ما يكون في التعبير عن العلاقة الجديدة بين القوتين العظميين في عالم الطاقة.

فقد كانت تلك أول مرة يلتقي فيها إيغور سيتشين رئيس روسنفت، وأمين الناصر رئيس أرامكو السعودية، في اجتماع رسمي، بما يتجاوز المرات العديدة التي تصادف أن تقابلا فيها خلال المناسبات النفطية في مختلف أنحاء العالم.

وقالت مصادر اطلعت على ما دار في محادثات الاثنين في مدينة الظهران السعودية، الأسبوع الماضي، إن اللقاء فتح آفاقاً جديدة، وإن الاثنين ناقشا السبل الممكنة للتعاون في آسيا، مثل إندونيسيا والهند وفي أسواق أخرى.

ولم تكشف المصادر تفاصيل أخرى غير أن أي تعاون في آسيا بين روسيا والسعودية، أكبر بلدين مصدرين للنفط في العالم سيكون سابقة هي الأولى من نوعها.

وأكدت شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي، عقد الاجتماع، لكنها امتنعت عن ذكر تفاصيل ما دار في المحادثات المغلقة التي أجريت في اليوم نفسه، الذي قادت فيه السعودية أكبر أعضاء منظمة أوبك، وروسيا غير العضو في المنظمة اتفاقاً عالمياً لتمديد العمل بتخفيضات في إنتاج النفط الخام لدعم أسعار النفط.

وامتنعت روسنفت عملاق صناعة النفط التابعة للدولة في روسيا عن التعقيب.

ويمثل الاجتماع، الذي قالت المصادر إن جولة تخللته في المقر الرئيسي لشركة أرامكو رافق فيها الناصر سيتشين، دليلاً على الشراكة الجديدة المتسارعة وغير المتوقعة بين البلدين، وهي شراكة تتابعها عن كثب الدول الكبرى المستهلكة للنفط في العالم، والتي ظلت تعتمد لفترة طويلة على المنافسة الساخنة بين البلدين في الفوز بصفقات أفضل.

وفي الماضي لم يكن من المتصور أن يحدث هذا الوفاق بين موسكو والرياض.

وحتى عام مضى لم يكن هناك أي نوع من الحوار بين الجانبين حتى في مواجهة ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي، الذي أدى إلى انهيار أسعار النفط العالمية، بدءا من منتصف عام 2014. وكان سيتشين يعارض بشدة أن تخفض روسيا إنتاجها بالترادف مع منظمة أوبك.

وفي علامة على التنافس الشديد في السوق الآسيوية تفوق عرض روسنفت على عرض أرامكو، لتشتري الشركة الروسية مصفاة إيسار الهندية العام الماضي، وترفع نصيبها في أسرع أسواق الوقود نمواً في العالم.

ولم تكد شهور تمضي حتى كانت موسكو والرياض تتوليان الدور الرئيسي في اتفاق لخفض إنتاج النفط، تم التوصل إليه، في ديسمبر/كانون الأول، وتقرر تمديده في الأسبوع الماضي، بل إنهما تناقشان إمكانية التعاون في أسواقهما الرئيسية في آسيا.

وقال مسؤول خليجي رفيع في وصف هذه العلاقة: "هذا محور جديد من الود".

ويوم الثلاثاء استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولي ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، في الكرملين، وقال الرجلان إنهما سيعملان على تعميق التعاون في مجال النفط، وتقليل الخلافات بينهما فيما يتعلق بسوريا، حيث تؤيد كل من موسكو والرياض طرفاً مختلفاً في الحرب الأهلية الدائرة فيها.

وقال الأمير محمد، إن أهم شيء هو أن الجانبين يحرزان نجاحاً في بناء أساس متين لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط وأسعار الطاقة.

وقال بوتين إن البلدين سيعملان معاً من أجل تسوية "وضع صعب".

لماذا الآن؟

كان الفشل الذريع مصير المحاولة الأولى للتعاون بين البلدين؛ إذ عجز الجانبان عن الاتفاق على تدابير مشتركة في اجتماع لمنظمة أوبك، في ديسمبر/كانون الأول عام 2014، أي بعد ستة أشهر من بداية الانهيار في أسعار النفط، بعد أن كان سعر البرميل يتجاوز 100 دولار.

ومما زاد الطين بلة أن سيتشين تعهد بمواصلة العمل على زيادة الإنتاج حتى إذا انخفضت أسعار النفط إلى 20 دولاراً للبرميل. ورد وزير البترول السعودي آنذاك علي النعيمي بالقول، إن إنتاج النفط الروسي سينهار نتيجة لانخفاض الأسعار، واتضح فيما بعد خطأ هذا التنبؤ.

ومع ذلك تغير الكثير منذ ذلك الحين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، ومن رحم الضرورة خرجت الشراكة غير المتوقعة بين موسكو والرياض إلى الوجود.

وعندما انهارت أسعار النفط سجل اقتصاد كل من البلدين عجزاً بعد سنوات من الإنفاق السخي، وبدأ الآن فقط يشهد انتعاشاً بطيئاً. ولا يستطيع أي من البلدين أن يتحمل الآن صدمة أخرى من أسعار النفط؛ إذ تتجه روسيا إلى انتخابات رئاسية في أوائل 2018، كما تعهد الأمير محمد بإصلاح الاقتصاد السعودي وبيع حصة من شركة أرامكو في طرح عام أولي.

وبدا أيضاً أن تغيير وزير البترول المخضرم النعيمي وتعيين خالد الفالح الأكثر ميلاً للاتجاه البراغماتي، ليحل محله، كان له دور في التحول، وسهل الأمين العام الجديد لأوبك محمد باركيندو الحوار بين الجانبين.

وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في فيينا، بعد اتفاق روسيا وأوبك على تمديد العمل بتخفيضات الإنتاج "إذا قال الوزير الفالح شيئاً فأنا أعلم أنه سينفذ".

ويتطلع نوفالك لترتيب رحلة يزور فيها الفالح حقلاً نفطياً روسياً في الدائرة القطبية الشمالية، بعد أن زار منشآت لشركة أرامكو في صحراء الربع الخالي بنفسه، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال نوفاك مازحاً الأسبوع الماضي: "في العام الماضي أخذنا الوزير الفالح إلى الصحراء، ونحن نريد أن نريه صحراء الثلج".

"سباسيبا"

يوم الثلاثاء أكد نوفاك والفالح مجدداً في موسكو أنهما سيبذلان "كل ما هو ضروري" لتحقيق استقرار أسعار النفط، مستعيرين عبارة شهيرة استخدمها ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي قبل خمس سنوات في الدفاع عن اليورو.

كما بحث الاثنان توقعات إنتاج النفط من خارج منظمة أوبك، بما في ذلك النفط الصخري الأميركي الذي عاود النمو من جديد خلال العام الأخير، إذ عمل منتجو النفط الأميركيين في القطاع الخاص على خفض التكاليف، والتكيف مع أسعار النفط المنخفضة.

ويصدر الخام الأميركي الآن إلى جميع أنحاء العالم، كما أن احتمالات موافقة المنتجين في القطاع الخاص على التعاون مع أوبك شبه منعدمة، بسبب تشدد تشريعات مكافحة الاحتكار الأميركية.

وقال بول سايمونز، الدبلوماسي الأميركي السابق، الذي يعمل الآن نائباً للمدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية "روسيا ودول الخليج مهتمة بشكل ما بأشكال استقرار أسعار النفط، وتأملان أن تتمكنا من تحقيق ذلك دون الالتزام بالتخفيضات الضخمة التي اضطرا إليها في الثمانينات".

وتقول السعودية وروسيا إنهما ستحافظان على شراكتهما بعد انتهاء أجل الاتفاق الحالي لتخفيض الإنتاج.

وقال نوفاك يوم الأربعاء: "من الضروري وضع مبادئ إطارية جديدة للتعاون المستمر بين أوبك والمنتجين من خارجها، حتى بعد انتهاء أجل اتفاقات فيينا".

أما الفالح فقد أنهى كلمته بتوجيه الشكر إلى نوفاك باللغة الروسية قائلاً "سباسيبا" أي شكراً.

تحميل المزيد