محمد بن سلمان يجتمع مع بوتين بعد أيام من مغادرة ترامب للرياض.. فهل يمكن أن تلتقي المصالح؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/01 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/01 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش

لم يكد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان يلتقط أنفاسه في أعقاب الزيارة التي أداها إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي الزيارة التي شغلت وسائل الإعلام على الصعيد الدولي، حتى توجّه إلى العاصمة الروسية موسكو، في لقاء هو الثاني مع فلاديمير بوتين خلال هذا العام.

وعلى الرغم من أن زيارة الأمير السعودي إلى موسكو قد تشير في ظاهرها إلى طبيعة العلاقات الودية بين الدولتين، فإن تاريخ العلاقات بين موسكو والرياض يفند هذه المزاعم. فعلى امتداد القرن الماضي، اتسمت العلاقة بين البلدين بالتوتر.

وفي الحقيقة، تصيب البعض حيرةٌ من هذا التحول الجذري، لكن ربما يمكن اعتبار زيارة الأمير السعودي إلى موسكو بمثابة خطوة إيجابية لتعزيز التعاون بين الدولتين، وفق ما ذكرت صحيفة Russkaya Visna الروسية.

كانت المملكة العربية السعودية تميل أكثر نحو توطيد علاقتها بالغرب، في حين كانت تجمعها العديد من علاقات التعاون البناءة مع الدول الأوروبية على غرار المملكة المتحدة.

ومن المثير للاهتمام أن السعودية ساهمت بطريقة أو بأخرى في تدمير الاتحاد السوفييتي. ففي واقع الأمر يتمثل أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي في الانخفاض الكبير الذي شهدته أسعار النفط آنذاك، الذي نتج بالأساس على خلفية القرار الذي اتخذته الرياض في ثمانينات القرن الماضي، بشأن زيادة حجم إنتاجها من الذهب الأسود.

في الوقت الراهن، تعتبر السعودية الداعم الرئيسي للجماعات المسلحة التي تحارب في سوريا ضد بشار الأسد، الحليف الرئيسي لموسكو. وفي الأثناء، تجمع الرياض علاقات ودية للغاية بواشنطن، فضلاً عن العديد من المصالح المالية والعسكرية المشتركة.

وفي هذا الإطار، تعهّد ترامب بتمكين السعودية من الحصول على أحدث الأسلحة الأميركية. وذلك حتى تتمكن من مواجهة حلفاء روسيا الاستراتيجيين في المنطقة؛ إيران وسوريا بالإضافة إلى التنظيم الشيعي في لبنان، حزب الله، وقد أبرم الرئيس الأميركي خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض صفقات عسكرية بنحو 380 مليار دولار، بحسب تقرير سابقة لعربي بوست.

تطور غير مسبوق

وعلى الرغم من تردّي العلاقات بين البلدين في ما مضى فإنها شهدت، مؤخراً، تطوراً غير مسبوق، خالف كل التوقعات. فقد قبلت كل من روسيا والسعودية الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض حول العديد من المسائل الشائكة وعلى رأسها أسعار النفط.

وفي سياق ذي صلة، يبدو أن كلاً من روسيا والسعودية في حاجة ملحة للتواصل وذلك في إطار تكثيف جهودهما لاستعادة التوازن بين أسعار النفط والدولار في السوق العالمية. ففي واقع الأمر، لا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن موسكو والرياض يعتبران من أبرز منتجي النفط في العالم. ونظراً لأن سوق النفط السعودية تؤثر بشكل كبير على أسعار النفط العالمية، فإن هذا يُحتم على روسيا إيجاد حلول دبلوماسية والاتفاق مع المملكة.

ووفقاً للعديد من الخبراء الدوليين، يُعد تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط الذي تم التوصل إليه بين موسكو والرياض وليد مصلحة مشتركة تقتضي تثبيت أسعار النفط التي تؤثر بصفة مباشرة على اقتصاد الدولتين. ومن المرجح أن يستمر العمل بهذا الاتفاق حتى آذار/مارس 2018.

من جهة أخرى، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متلهف لإنعاش الاقتصاد الروسي خدمةً لمصالحه السياسية. وفي المقابل، يسعى الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، إلى تركيز جملة من الإصلاحات الاقتصادية التي لم تشهد لها المملكة مثيلاً، في سبيل تعزيز مكانته في صلب الدولة.

ويمكن القول إن المملكة العربية السعودية قامت بإجراء عملية حسابية واقعية، هذه المرة، من شأنها أن تخدم مصالحها ومصالح روسيا على حد سواء، حتى تكون قادرة على إقناع الطرف الروسي بالمضي قدماً في الاتفاق الذي يجمعهما دون الإخلال بمصالح بعضهما بعضاً.

وفي الأثناء لا يمكن أن تستغني موسكو عن أحد أهم مميزاتها، ألا وهي براغماتيتها، خاصة أن نهج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقوم بالأساس على إعطاء الأولوية التامة لمصلحة روسيا قبل كل شيء.

والجدير بالذكر أن روسيا ما فتئت تؤكد على طبيعة علاقاتها الودية مع دمشق والصداقة الجيدة التي تربطها بتل أبيب. لكن، في الواقع، ما يجمع موسكو بهذه الأطراف هو مصلحتها الشخصية لا غير. وفي هذا الصدد، لا يمكن إنكار الإنجازات التي حققها الرئيس الروسي الذي تمكّن من تعزيز مكانته على الساحة الدولية، خاصة من خلال التدخل في الحرب السورية.

فضلاً عن ذلك، نجح الرئيس الروسي في الترويج لفكرة مفادها أن روسيا تعمل لخدمة المصلحة العامة، في حين أن المصلحة الخاصة هي المحرك الرئيسي وراء كل تحركات وأهداف بوتين.

وفي الوقت الذي عمد فيه الرئيس الروسي إلى توطيد علاقاته مع كل من سوريا وإيران، حاول التقرب من المملكة العربية السعودية، فضلاً عن أنه سعى إلى تأكيد صداقته بإسرائيل. وعلى الرغم من أن كل هؤلاء الأطراف تجمعهم علاقة عداوة واضحة، إلا أن ممثلي هذه الدول قاموا بزيارات إلى موسكو لأسباب مختلفة، علماً بأن الرابط المشترك بينهم هو خدمة المصلحة المتبادلة.

وتجدر الإشارة إلى أن الأمير محمد بن سلمان، الذي توجّه إلى موسكو بعد أيام قليلة من مغادرة ترامب للرياض، يسعى جاهداً لتحقيق مصلحة المملكة والبحث عن آفاق جديدة للتعاون، على الرغم من كل التناقضات التي تنسب لاستراتيجيته المتبعة. وذلك ما يفسّر لقاءه الشخصي مع بوتين مباشرة بعد مقابلته لترامب أهم الحلفاء الاستراتيجيين للمملكة.

الحرب ضد إيران

وفي سياق متصل، تم التطرق لمسألة الحرب ضد إيران خلال زيارة ترامب إلى الرياض. وفي الأثناء، وقّع كلا الطرفين على جملة من الاتفاقيات بشأن توريد الأسلحة الأميركية إلى المملكة. ومن المؤكد أن إيران كانت على قائمة المداولات بين الأمير السعودي وبوتين، وقد تكون إحدى أهم المسائل التي تناولاها، نظراً للعلاقات التي تربط روسيا بإيران.

وما لا شك فيه أن أي مواجهة بين إيران والسعودية من شأنها أن تلقي بظلالها على منطقة الشرق الأوسط برمتها. وفي هذا الصدد، وفي ظل سعيها لإخماد الصراع القائم بين إيران وإسرائيل، من الممكن أن تحاول روسيا فضّ النزاع السعودي الإيراني، ما قد يؤدي إلى خلق تسوية طويلة المدى. وفي المقابل، من المرجح أن يتطلب تحقيق ذلك الكثير من الوقت بالإضافة إلى العديد من التنازلات من قبل الطرفين.

وفي شأن ذي صلة، لا يخفى على أحد أن مواقف كل من روسيا والسعودية فيما يخص المسألة السورية متناقضة. لكن ذلك لن يحول دون إيجاد أرضية مشتركة للحوار والوصول إلى حل. وفي هذا الصدد، أدركت الرياض أنه وفي سبيل الوصول لأي حل مع موسكو، ينبغي عليها أن تعتمد على نهج دبلوماسي فضلاً عن محاولة مجاراة مصالح روسيا وطموحاتها.

ومن هذا المنطلق، تجمع موسكو جملة من المصالح مع العديد من الأطراف والجهات الدولية. وبالتالي، لن تتوانى روسيا عن تكوين علاقات استراتيجية مع أي طرف، على غرار إيمانويل ماكرون وبنيامين نتنياهو، وذلك وفقاً لمصالحها الخاصة. ويبدو أن الأمير محمد بن سلمان قد أدرك هذا الجانب جيداً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الروسية وطبيعة علاقاتها الدولية.

تحميل المزيد