استيقظ سكان الإسكندرية، صباح الخميس 1 يونيو/حزيران 2017، على أغرب صورة لمبنى في العالم: برج سكني من 13 طابقاً معلق في الهواء، مستنداً إلى المبنى المواجه له!
الغريب أن المبنى الفارع مال بكل هدوء إلى الجانب الآخر من الشارع من دون أن يتحطم أو يصاب بالتصدع والشروخ، وهو ما زاد من الأسئلة بشأن ما جرى: لماذا "مال" المبنى؟ وإلى أين سيصل؟ ولِم لَم يتعرض للانهيار؟ وما العلاج الفني الوحيد في هذه الحالة؟
بداية الحكاية.. إخلاء فوري للمنازل
"أخلوا المنازل"، نداء تردد على مسامع سكان شارع الخشخاني والشوارع المجاورة له بمنطقة الأزاريطة وسط الإسكندرية، في الساعة التاسعة من مساء الأربعاء 31 مايو/أيار 2017، الخامس من شهر رمضان، ليتبدل حال المنطقة في دقائق قليلة من الهدوء إلى الضجيج.
حي الأزاريطة، هو واحد من أرقى أحياء الإسكندرية، ويتميز بموقعه الجغرافي المتميز والذي يقع في منتصف محافظة الإسكندرية، وهو من أقدم أحياء الإسكندرية حيث يظهر الفن الروماني بالبناء الروماني واليوناني القديم.
ويضم الحي مجمع كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان ويطل على كورنيش الإسكندرية، وتقع مكتبة الإسكندرية على حدوده، كما يخترقه خط الترام.
قبل الإفطار، أبلغ الأهالي مسؤولي حي وسط الإسكندرية بانهيار أجزاء من المبنى رقم 18 بشارع علي الخشخاني. وبعد إزالة ما تبقى من المبنى، تصور الجميع أن الأزمة انتهت، ولكن فوجئ السكان منتصف الليل تقريباً بنداء عاجل من سيارات الدفاع المدني، بإخلاء مبنى آخر مكون من 13 طابقاً، إنه البرج الذي أصبح الأشهر في وسائل الإعلام طوال اليوم، وبث كثيرون صورة حية له على فيسبوك.
أين ذهب السكان بعد إخلاء المباني؟
"سبنا حاجتنا كلها يا بنتي زي ما هي ونزلنا"، كلمات عبّرت بها الحاجة نادية التي تسكن العقار المجاور للعقار المائل، افترشت أرض الساحة الخارجية لأحد مساجد المنطقة منتظرةً وصول المحافظ أو أي من المسؤولين، معلقةً: "ما حدش جالنا وإحنا على قعدتنا دي من 9 بالليل لصباح ربنا!".
ساعات الانتظار لم تكن العامل الوحيد لغضب نادية وجاراتها، فالبعض لم يتمكن من تناول الأدوية الخاصة بهم، والجميع يتجرع تجاهل المسؤولين. "يقولوا لنا حيعملوا إيه ولا حنفضل هنا لحد إمتى".
مسؤولو المحافظة قالوا إنهم انتهوا من تجهيز مراكز الإيواء العاجلة للسكان المتضررين، تم تجهيز 4 مدارس في محيط المنطقة، ووفرت إدارة الإسكان المركزي ومديريات الشباب والرياضة والتربية والتعليم والتضامن الاجتماعي أماكن لإيواء المئات من السكان، بالإضافة إلى مساهمات الجمعيات الخيرية.
وقال محافظ الإسكندرية الدكتور محمد سلطان، إنه تم توفير وحدات سكنية بالعامرية (مدينة تبعد عن قلب محافظة الإسكندرية 35 كيلومتراً تقريباً على طريق إسكندرية-القاهرة الصحراوي) لتسكين السكان المتضررين بشكل دائم.
وما هي الرواية الرسمية لما جرى؟
"المحافظ معايا على التليفون"، هكذا قال المهندس علي مرسي، رئيس حي وسط، بعد سؤال من أحد المواطنين عن غياب المحافظ ودوره في متابعة ما يحدث، في الوقت الذي تواجد فيه اللواء مصطفى النمر مدير أمن الإسكندرية وعدد من قيادات المنطقة الشمالية العسكرية.
مرسي، كان يجيب عن أسئلة المواطنين والصحفيين بالقرب من العقار المائل ظهر الخميس. "حي وسط الإسكندرية تلقى البلاغ مساء الأربعاء بسقوط أجزاء من العقار رقم 18 في شارع علي الخشخاني بالأزاريطة، فتوجه المهندس المختص إلى مكان العقار وتأكد من صحة البلاغ. كان هناك أجزاء لا بد من إزالتها؛ لأنها تمثل خطراً على المارة والعقارات المجاورة، وبالفعل بدأ مقاول الإزالة في تنفيذ القرار".
ما هو القرار الأول بعد ميل المبنى؟
عقب إزالة الأجزاء المتبقية، لاحظ فريق الدفاع المدني أن البرج المجاور بدأ يميل إلى الأمام، وعلى الفور أصدرت سيارات الدفاع المدني إنذاراً تطالب فيه الأهالي بإخلاء المنطقة. المهندس علي مرسي يؤكد أن قرار الإخلاء جاء قبل بدء ميل العقار الملاصق للعقار المتهدم، وأن الميل حدث في نحو الساعة الثانية صباحاً. "العقار المائل صادر في حقه 3 قرارات إخلاء، وفي الأصل بُني عام 2003 بترخيص لـ3 طوابق، إلا أن مالك العقار خالف القرار ووصل إلى الطابق الـ13".
كان القرار الأول صباح الخميس هو "صلب العقار" قبل إزالته، أي دعمه حتى لا يواصل الانهيار أو الميل، كما جاء في توصية الدكتور إيهاب المصري رئيس لجنة المنشآت الآيلة للسقوط بالمحافظة، والعميد أحمد العزازي رئيس اللجنة الهندسية في المنطقة الشمالية العسكرية.
لماذا يميل مبنى إلى الجهة الأخرى ولا يتهدم؟
رفض رئيس حي وسط الإسكندرية الحديث عن السبب الحقيقي وراء ميل العقار بهذا الشكل، وقال إن هناك لجنة من كلية الهندسة ستتولى ذلك الأمر، موضحاً أنه تم حصر أعداد السكان المتضررين لتسليمهم أماكن بديلة للسكن.
"ما حدث هو مظاهر ضعف السيطرة على تراخيص العقارات"، رأي فني من متخصص، هو الدكتور صلاح هريدي أستاذ العمارة في كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية.
"مساحة الشارع مع ارتفاع العقار تؤكد مخالفته، والسبب الرئيسي وراء ميل المبنى هو ضعف الأساسات رغم تماسك المبنى ذاته، وهو دليل على قوة بنائه".
يرجح د. هريدي أن الأساسات لم تكن بالعمق المناسب، "أي أن يكون الأساس مناسباً لارتفاع أقل من الارتفاع الحالي للعقار، أو أن يكون تم الحفر إلى جانبها، أو أن يكون أسفل العقار صهريج قديم أو غيره باعتبار أن الإسكندرية مدينة قديمة".
هل حدث الميل بسبب انهيار المبنى المجاور؟
"لو صح هذا الافتراض فمعناه أنه لا توجد أساسات"، يشرح د. هريدي، موضحاً أن تفجُّر ماسورة مياه أسفل العقار لا يؤثر بالدرجة الكبيرة التي تحدث الميل.
"الأساس أكثر أجزاء المبنى تكلفة، وهنا أكيد اختصروا وأكيد هناك لعب"، يتحدث المهندس هريدي عما يصفه بالتواطؤ من بعض المهندسين في الأحياء والذين يتغافلون عن متابعة مثل هذه العقارات، "واضح إن الناس شغالين على كيفها".
كيف سيتم هدم العقار؟
وعن مراحل إزالة العقار، قال المحافظ إنه تم البدء في هدم الجزء العلوي الخلفي من العقار هدماً يدوياً تدريجياً؛ منعاً لحدوث أي انهيار مفاجئ للعقار أو حدوث أي خسائر في العقارات المجاورة. وبالفعل، عصر الخميس كانت عمليات الهدم على الهواء مباشرة بموقع فيسبوك؟
المحافظ أكد أن المحافظة والقوات المسلحة ومديرية الأمن وكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية- اتخذت الإجراءات كافة للحفاظ على أرواح المواطنين، وعودة الحركة الطبيعية للمنطقة بأسرع وقت.