لا شك أننا عندما نذكر كلمة "المستشفى" يتبادر إلى أذهاننا ذلك المكان المخصص لعلاج المرضى، والمجهز بعيادات للأطباء، وغرف للعمليات، وغرف للإنعاش، وأخرى للمرضى، ولمَ لا قاعات مجهزة لاستقبال المرضى وذويهم.
إننا نرسم في مخيلتنا ذلك المكان الآمن، الذي يحتضن المريض ويحرص كل الحرص على إجراء الفحوص اللازمة، كما يحرص على المساواة في المعاملة بين جميع المرضى دون التفرفة بينهم، ويعمل جاهداً على توفير الهدوء والراحة النفسية للمريض بشكل مستمر.
إلا أننا وما إن نحتك بالمستشفيات العمومية، إلا ونصطدم بالحقيقة المريرة؛ إذ إننا نشك ما إن تطأ أقدامنا هذه المستشفيات، أننا في محلات للاتجار بأرواح المواطنين.
حيث إن المرضى، وخصوصاً أولئك الضعفاء ذوي الدخل المحدود، تتفاقم معاناتهم وأوجاعهم كلما اتجهوا صوب تلك المستشفيات المشؤومة؛ حيث تبدأ رحلة المريض الشاقة بدءاً بالساعات الطوال، التي يقضيها في انتظار من يوليه اهتماماً؛ إذ في كل مرة يؤجل أمره إلى حين، وقد يدخل في سبات عميق على كرسي الانتظار الطويل، ومروراً بالإجراءات المعقدة التي تقوم بها إدارات المستشفيات؛ لينتهي به الأمر فوق ذلك السرير تحت رحمة بعض الأطباء والممرضين بقلوب قاسية كالحجارة لا ترق ولا تلين، مما قد يترك آثاراً نفسية عميقة لا تندمل جراحها في نفس المريض؛ لينسى أمر علاجه بعد ذلك ويبدأ حلمه بساعة فرج تحرره من ذلك السجن المشؤوم.
ولن نبالغ عندما نقول إن مستشفياتنا العمومية أصبحت تحصد أرواح المواطنين أكثر.. بدلاً من علاجهم، فبالإضافة إلى النقص الكبير في صفوف الأطباء وافتقار المستشفى للتجهيزات الطبية اللازمة، أصبح فكر معظم كوادر المستشفيات من أطباء وممرضين أنانياً لحد الظلم، وهذا ما زاد من معاناة المرضى من إهمال مطلق، وسوء المعاملة، وتفضيل هذا على ذاك، مما جعل المواطن البسيط يفقد ثقته في المستشفيات العمومية، وقد يفضل المكوث في منزله ينتظر زفرته الأخيرة على أن يتجه للمستشفى قصد تلقّي العلاج.
ولعل أسوأ ما قد يواجه المريض داخل هذه المستشفيات الواسطة والمحسوبية؛ إذ أصبحت هذه الظاهرة الأخيرة التي قد تجعل الباطل حقاً والحق باطلاً، منتشرة في مجتمعاتنا عامة، ومستشفياتنا على وجه الخصوص كانتشار النار في الهشيم، وقد أدت هذه الظاهرة التي اكتسحت جل القطاعات، وعلى رأسها قطاع الصحة، إلى تقسيم المجتمع إلى فئات وطبقات متفاوتة، وزرعت حقداً دفيناً في صفوف المواطنين، مما قد يؤدي إلى توتر العلاقات الإنسانية بينهم؛ لذا وجب العمل الدؤوب من أجل استئصال هذه الخصال الذميمة، وذلك عن طريق تفعيل دور الرقابة الداخلية في المستشفيات العمومية، وكذلك القيام بحملة توعوية لبناء جسر الثقة بين المرضى والأطباء من جديد، ومن ثَمَّ التخلص من المشاكل الناتجة عن عدم حصول المريض على أبسط حقوقه، ألا وهو الحق في العلاج، الذي يعتبر واجباً ضرورياً من واجبات الطبيب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.