الشخصية العدوانية في الظاهرة الإرهابية

والحقيقة أن المسألة التربوية والتعليمية لا بد أن تحظى بكل الأسبقية، إن كنا نتوخى معالجة الظاهرة الإرهابية بصدق، بدءاً من البيت ومن المراحل الأولى للنمو وللرعاية، فالبداية قد تكون الأصعب، لكنها ستكون الأسلم حتماً، والمهم أن نبدأ، بالنية الصادقة وبدراسة السبل وبالتنفيذ الفوري.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/01 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/01 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش

لا أدري حقيقة إن كانت الظاهرة الإرهابية التي تعانيها الإنسانية في وقتنا الراهن قد نالت حقها من الدراسة والبحث وسبل المعالجة الصحيحة، أم هي حبيسة دراسات سطحية (تظاهرية) ليس إلا.

فلا شك أن الظاهرة التي باتت مصدر قلق أمني واجتماعي ما انفك يتفاقم يوماً بعد يوم، خصوصاً بالأقطار التي تعاني التهديدات، سواء بالفعل أو بالوعيد، تحتاج إلى اجتثاث -اليوم قبل الغد- وتحتاج إلى جدية علمية وإجرائية في المعالجة، وقبل هذا وذاك تحتاج، بل تتوقف على تعاون وتعاضد الأجهزة الفاعلة، وبين الأقطار والتكتلات، كما تتطلب تنسيقاً وتواصلاً دائمين في إطار التجمعات والمنظمات الإقليمية والقارية المختلفة.

لكن بالنظر إلى أن الظاهرة تتصل بالإنسان، سواء من حيث الداء أو من حيث العدوان، أي أن الأمر يتعلق بالكائن الحي الناطق العاقل، فإن المسألة تحتاج إلى دراسة وإلى متابعة علمية وتربوية وطبية بالدرجة الأولى، بمعنى أن الأمر يتعلق بالوالدين وبالمدرسة وبالبيئة (المجال)، وبالقطاع الصحي قبل أن تمتد إلى القطاع الأمني والمتابعة القانونية والقضائية وغيرهما..

والحقيقة أن المسألة التربوية والتعليمية لا بد أن تحظى بكل الأسبقية، إن كنا نتوخى معالجة الظاهرة الإرهابية بصدق، بدءاً من البيت ومن المراحل الأولى للنمو وللرعاية، فالبداية قد تكون الأصعب، لكنها ستكون الأسلم حتماً، والمهم أن نبدأ، بالنية الصادقة وبدراسة السبل وبالتنفيذ الفوري.

إن أحد الأسباب الشائعة وراء الظاهرة الإرهابية يكمن في الشخصية العدوانية، أي الشخصية التي نَمت وفي دواخلها جنوح للعدوان، لا تجد ضالتها ومتعتها إلا في إلحاق الأذى بالغير، وهذا المرض -وأقول المرض- موجود وبكثرة، وأسبابه متعددة يصعب حصرها خارج الإحاطة العلمية والمعرفية الدقيقة.

ومن هنا، فإن بعض الدول -خصوصاً في أميركا وأوروبا وآسيا أيضاً- تستحق التحية والتنويه حقيقة، وتستحق أكثر أن يُقتدى بها في مجال رصد الظاهرة العدوانية لدى الأطفال في المدرسة بخاصة، ودور الرعاية الصحية والمستشفيات من قِبل مختصين ومهتمين، وقد استطاعت بالتالي الحد من المشكل الذي أرَّقَ أُسَراً عديدة إلى حد المعاناة اليومية، وبات اليوم يؤرق مجتمعات ودولاً عديدة، بل العالم برمته!

وإذا كانت بشاعة الإرهاب تتجلى في نتائجه ومخلفاته وعواقبه، فإنه لا يجوز بأي حال الاستهانة بالشخصية العدوانية بذرائع واهية، كأن يبرر لها بالانتماء لأسرة محترمة، أو أنها (فقط) تمر بظروف خاصة، أو الزعم بأنها حالة عصبية استثنائية.. إلى غير ذلك من التعليلات الوهمية الخاطئة العديدة المخالفة للموضوعية والبعيدة عن المعرفة الصحيحة.

وإذا كان الفعل الإرهابي ينطلق أساساً من العصبية والحقد والكره، فإن الشخصية العدوانية تنطلق في العدوان على الآخر واستهدافه من الحقد والكراهية أيضاً، بل لا يكفي للآخر أن يؤيدها ويخضع لها لتعفوَ عنه أو تعدل عن كراهيتها له وحقدها عليه، وهنا تتجلى الخطورة المضاعفة والاستثناء البشع الذي يختلف عن الحاقد والكاره و"العدو" بسبب الفقر وبفعل الظلم وغيره..

والغريب أن كثيراً ما يتجلى في بعض المرافق العامة والخدماتية وجود عناصر عدوانية تستهدف المرتفق أو الزميل أو المرؤوس لديهم بالعدوان والتحرش المتواصل، بينما المسؤولون في المستويات العليا تجدهم غير مبالين أو غافلين إلى أن تقع الكوارث والمصائب، أقلها حالات الانتحار مثلاً، وأهونها تعطيل مصالح الناس، وهناك من العدوانيين من لا يظهر عليهم الأثر المرضي، بل يبدون في حالات عديدة وكأنهم أعقل العقلاء، وهم في حقيقتهم مجانين بتمام معنى الكلمة!

إن صبر كثير من الناس وجبن كثير منهم وتجاهل جزء ثالث لا يمكن أن يحجب خطورة الإرهاب "الناعم" المتمثل في الشخصية العدوانية، والتي يعانيها الكثيرون في مواقع ومواضع مختلفة بكل أسف، لذلكم وجب التنسيق المحكم والمنسجم بين مختلف المصالح المعنية التي يمكنها التدخل بحسب مراحل الحالة، ولا ينبغي إغفال واجب الرصد والتتبع والمواكبة كل في إطار تخصصه وصلاحياته.

ولا شك أن هناك أسباباً أخرى عديدة للظاهرة الإرهابية المتفشية تكون قد تعرضت للتعاور فيما بين نقاشات ودراسات المفكرين والمختصين المتصلين بالميدان اجتماعياً ونفسياً وأمنياً وغيره، إلا أن الحالة العدوانية أراها تستوجب الاهتمام والعناية الخاصة؛ إذ لا يعقل أن تسند مهام التدبير لشخصية عدوانية ترى من أولى أولوياتها الحقد والكراهية إلى أقصى الحدود وتتعامل مع الآخر من هذا المنطلق!

والحقيقة أن المعضلة الإرهابية لا بد أن تخضع للمعالجة في إطار شمولي، بدءاً بالتوافق على تحديد مفهوم الإرهاب والفعل الإرهابي، وانتهاء بوضع تشريعات وقوانين تسطر حدود الحقوق الموافقة للقيم والنظم والمواثيق والمساطر ذات الصلة، والتي لا تلغي – بأي حال – أو تتجاهل الواجبات المجتمعية والعينية المشتركة نحو المشترك… مروراً بإعداد الدراسات العلمية والبحوث الموضوعية الموافقة للمبتغى من الدقة والانسجام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد