أكبر عائلة بسوق تجارة الآثار تكشف كيف تُنهب كنوز الشرق لينتهي بها المطاف في معارض أوروبا وأميركا

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/01 الساعة 18:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/01 الساعة 18:12 بتوقيت غرينتش

في مطلع مارس/آذار المنقضي، قام مسؤولو الشرطة السويسرية بتوقيف سيارةٍ على طريق جنيف، وبتفتيشها عُثِرَ على مصباحٍ زيتي أثري وفقاً لمصادر مطَّلعة على المسألة. وعندما فشل السائق في تقديم وثائق تثبت مصدر المصباح مقنعة بما يكفي لضباط الشرطة، تم القبض عليه اشتباهاً في تهرّبه من ضريبة القيمة المضافة كما هو متداول.

وساهم إلقاء القبض على السائق في تسريع عملية التحقيق التي تطمح السلطات إلى أن تُسلِّط الضوء على واحدٍ من أكثر الأسرار الفنية غموضاً في العالم، كيف تُنهَب القطع الأثرية في مناطق الحرب بالشرق الأوسط لينتهي بها الحال في المعارض الفنية الفاخرة على بعد آلاف الكيلومترات؟

ويعمل السائق، الذي لم يُفصَح عن هويته أو يُتَّهم بشيءٍ حتى الآن، لصالح علي أبوطعم، الأخ الأكبر في واحدةٍ من أكبر العائلات في سوق تجارة الآثار الدولي. وتمتلك العائلة صالات عرض تُطِّل على جادة ماديسون أفينو في نيويورك وفي جنيف أيضاً وفقاً للسلطات السويسرية، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

ويقول السويسريون إنَّهم كانوا يراقبون السائق لفترةٍ قبل توقيفه، وكانت هذه مجرد خطوةٍ ضمن تحقيقٍ أوسع يشمل علي أبوطعم وأخاه هشام، لمعرفة ما إذا كانوا متورطين في التعامل مع القطع الأثرية العراقية والسورية المنهوبة تحت إشراف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وفي تحقيقاتٍ منفصلة، قال مسؤولو الشرطة في بلجيكا وأجهزة الأمن الفرنسية إنَّهم يبحثون في علاقة الأخوين بأعمال النهب التي ينفذها تنظيم داعش.

وتقوم إدارة الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة حالياً بالتنقيب وراء الأخوين أبوطعم كجزءٍ من تحقيقٍ أوسع يشمل تجَّار الآثار داخل الولايات المتحدة، وذلك لمعرفة حقيقة مشاركتهم في تهريب القطع الأثرية المنهوبة من عدمها وفقاً لأشخاصٍ مطلعين على المسألة.

ولم تثبت إدانة أيٍ من الأخوين أبوطعم بارتكاب أي مخالفةٍ متعلقة بهذه التحقيقات. وصرَّح محامٍ متحدثٌ باسم شركتهم "فينيكس إينشانت آرت" قائلاً: "لم تقم الشركة على حد علمها ببيع أو شراء أي قطعٍ أثرية منهوبة، ناهيك عن القطع التي نُهبت من قِبَل داعش".

ويرى مسؤولون أمنيون أنَّ التجارة غير القانونية في العملات والتماثيل والقطع الأثرية كانت مصدر تمويلٍ حيوي للتنظيم، فطبقاً للتقرير الصادر عن مصلحة الجمارك الأميركية، فقد زادت الواردات من مقتنيات التراث السوري إلى ما نسبته 145% ومن نظيره العراقي إلى ما نسبته 61% وذلك بين الأعوام 2011 و2013، وهو ما دفع بعض المسؤولين الحكوميين للقول بأن تجارة الآثار أصبحت واحدة من مصادر الدخل الأساسية لتنظيم داعش، وفق تقرير سابق لعربي بوست.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2016، رفعت وزارة العدل الأميركية دعوى مدنية للمرة الأولى تُطالب بمصادرة جميع القطع الأثرية المرتبطة بتنظيم داعش، مُدّعيةً أن التنظيم يقوم بتسويق وبيع هذه القطع الأثرية لتمويل أعماله الإرهابية.

هذه القطع الأثرية، والتي تشمل خاتماً ذهبياً يحتوي على جوهرةٍ بالإضافة إلى حجرٍ من العصر الآشوري الحديث عليه رسمةٌ لرجلٍ مخصي، يُعتقد أنَّ قيمتها تبلغ مئات الآلاف من الدولارات وفقاً لوزارة العدل.

وعُثر على صورٍ فوتوغرافية للقطع الأثرية أثناء مداهمة منزل أحد قيادات داعش قُرب دير الزور في سوريا عام 2015 وفقاً للشكوى التي قُدِّمت إلى المحكمة الفيدرالية في واشنطن. وكما هو متعارف عليه في مثل هذا النوع من قضايا المصادرة المدنية، ذكرت الدعوى أسماء القطع الأثرية بوصفها مُدَّعى عليه، وليس معلوماً من يملك هذه القطع حالياً. إذ لم يتورَّط أي تُجارٍ في القضية.

وتُعتبر الولايات المتحدة وتحديداً نيويورك وجهةً رئيسية للقطع الأثرية المسروقة وفقاً للمحققين الأميركيين والأوروبيين. فأكثر من نحو 40% من الأعمال الفنية في العالم تتم المتاجرة بها داخل الولايات المتحدة الأميركية وفقاً لشركة "آرتس إيكونوميكس"، إحدى كبرى شركات الاستشارات في سوق الأعمال الفنية.

ويقول دومينيك ديجيوفاني، الذي صادر أكثر من 60 قطعة أثرية مسروقة خلال عمله كضابط جمارك في نيويورك قبل تقاعده عام 2014: "لا زال من السهل تهريب القطع الأثرية المسروقة هنا". ويُضيف ديجيوفاني أن التجار يستخدمون خدمات الشحن السريع والشحن الجوي لتهريب الآثار إلى مطارات الولايات المتحدة، كما يقومون بتخزين القطع الأثرية بكثرة داخل أمتعة الركاب.

وقرر مؤتمرٌ للأمم المتحدة عُقِد عام 1970 حظر المتاجرة في القطع الأثرية دون إذنٍ رسمي من البلد التي عُثر فيها على هذه القطع. وفي غمرة الأخبار المنتشرة عن نهب تنظيم داعش للآثار عام 2015، حظر مجلس الأمن بالأمم المتحدة جميع أشكال الإتجار في الآثار السورية، كما أكَّد على الحظر المفروض منذ التسعينيات على بيع الآثار العراقية.

وفي سويسرا، يُلزم القانون مُلَّاك القطع الفنية الأثرية بامتلاك وثائق تؤكد الأصل القانوني لقطعهم الأثرية.

وكانت السلطات السويسرية مُهتمةً بعائلة أبوطعم قبل القبض على السائق في مارس/آذار، إذ وضعوا زوجة علي أبوطعم تحت المراقبة وفقاً لمصادر مُطَّلِعة. وبعد تفتيش السيارة في مارس/آذار، راقب المُحققون زوجة أبوطعم، بيليانا فودين أبوطعم، سراً أثناء نقلها القطع الأثرية من المخزن الموجود داخل المنطقة الحرة في ميناء جنيف، وهي متاهةٌ من المستودعات المحصنة داخل المنطقة الصناعية بالمدينة، حيث يُمكن للناس تخزين بضائعهم ذات القيمة العالية دون الاضطرار لدفع ضرائبٍ عليها كما صرَّحت المصادر نفسها.

وأُلقي القبض على زوجة أبوطعم في أوائل مارس/آذار بعد أن فشلت في تقديم الوثائق اللازمة لمصدر وأصول بعض القطع الأثرية بحوزتها. وأُفرج عنها في النهاية دون إدانتها بأي تهمة.

وبعد القبض عليه في جنيف، اعترف السائق أمام المحققين بسفره عدة مرات إلى مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك حاملاً معه بعض القطع الأثرية الصغيرة داخل حقيبة يده، واعتاد أن يستقبله شخصٌ يعمل لصالح أبوطعم هناك وفقاً لمصادر مطلعة على التحقيقات.

ويقول تيمكين، مُحامي العائلة: "الوضع القانوني الخاص بسائق أبوطعم وزوجته يتعلَّق بالضرائب المحلية، وليس هناك أي صلةٍ بينه وبين مزاعم سرقة الآثار".

يذكر أن شركة العائلة التجارية التي تحمل اسم "فينيكس إينشانت آرت" تأسست على يد سليمان، والد أبوطعم، في الستينيات ببيروت. وورث الشركة الأخوان اللذين يحملان الجنسية اللبنانية والإقامة الكندية بعد وفاة والديهما في حادث تحطم طائرة عام 1998.

وعلّم الأب ابنه علي أبوطعم أسرار المهنة باصطحابه إلى اجتماعات العمل، قبل أن تنتقل الأسرة فيما بعد من لبنان الذي مزقته الحرب إلى جنيف، وفقاً لشخصٍ مُقرَّبٍ من العائلة، بحسب ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

وجذب هشام وعلي أبوطعم اهتمام السلطات المحلية في الماضي. إذ عثر تحقيقٌ أجرته إدارة الهجرة والجمارك عام 2003 على وثائق تُفيد بتورُّط العائلة في "تهريب قطعٍ فنية وأثرية حصلوا عليها بصورةٍ غير قانونية"، وفقاً لموقع الوكالة الأميركية على الإنترنت.

وفي العام التالي، حكمت المحكمة الفيدرالية في نيويورك على هشام أبوطعم بدفع غرامة قدرها 5000 دولار أميركي بعد اعترافه بتزوير تصريحٍ جمركي يقول إنَّ أحد أوعية الشراب تعود أصوله لسوريا، بينما كان مصدره يعود لأحد الكهوف الإيرانية المنهوبة طبقاً لسجلات المحكمة.

وصرَّح مُتحدثٌ باسم عائلة أبوطعم بأنَّ القطعة الأثرية تم شراؤها بحُسن نية، ولا يوجد دليلٌ على سرقتها أو نحتها بشكلٍ غير قانوني. وأضاف أنَّ الوصف الخاطئ جاء نتيجة خطأٍ مكتبي.

وفي عام 2004، حكمت محكمةٌ مصرية غيابياً بسجن علي أبوطعم 15 عاماً بعد اتهامه بتهريب قطعٍ أثرية من مصر إلى سويسرا. وفي تصريحٍ إعلامي قالت الشركة إنَّ أبوطعم لم يُدعَ للمشاركة في الجلسات، ولم يعرف خبر إدانته سوى عن طريق وسائل الإعلام.

ووفقاً لبيانات السلطات البلغارية، أدَّت الإدانة أمام المحكمة المصرية إلى توقيف علي أبوطعم في صوفيا ببلغاريا بعد صدور مذكرةٍ دولية بتوقيفه عام 2008. وقال متحدثٌ باسم شركة فينيكس إنَّ قرار محكمة صوفيا العليا ذلك العام أثبت براءة علي أبوطعم، واعتبر الاتهامات المصرية "كاذبة".

ورفضت سلطات الآثار المصرية التعليق على الخبر.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، صادر ضباط الجمارك في بلجيكا عدداً من القطع الأثرية السورية التي كانت في طريقها من صالة عرض أبوطعم في جنيف وفقاً لمسؤولين بلجيكيين والمتحدث الرسمي باسم معرض بروكسل للتحف والفنون الجميلة الذي كانت القطع الأثرية في طريقها إليه.

ويُحقق المسؤولون البلجيكيون فيما إذا كانت القطع تم الحصول عليها بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية وليس عام 1956 كما تزعم وثائق تاجر الآثار.

وفي رسالةٍ بالبريد الإلكتروني، قال علي أبوطعم إنَّ المصادرة جاءت بناءً على "معلوماتٍ كيدية" من أحد تجار الآثار الفرنسيين، وإنَّ كلا القطعتين الأثريتين تم شراؤهما قبيل الحرب.

اسم الأخوين أبوطعم مُدرَجٌ ضمن قائمةٍ تضم 15 تاجر آثار، بينهم 3 مقيمون داخل الولايات المتحدة، تُحقِّق السلطات الفرنسية في تورُّطهم بالاتِّجار في قطعٍ أثرية منهوبة على يد تنظيم داعش، وفقاً لوثيقةٍ اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية ومصدرين على علمٍ بالتحقيقات.

وصرَّح المسؤولون بأنَّ السلطات الفرنسية تجمع معلوماتٍ عن القطع الأثرية التي تبيعها عائلة أبوطعم وغيرهم من تجار الآثار، بالإضافة إلى مورديهم وعملائهم والتحويلات البنكية الدولية منهم وإليهم.

وتقع صالة عرض أبوطعم الأميركية في شارعٍ متفرع من جادة ماديسون أفينيو. ويزدحم الزوار داخل قاعةٍ خفيفة الإضاءة ذات أرضيةٍ حجرية تحتوي على حوالي 24 قطعةٍ أثرية معروضة دون أوصاف، ويصل سعر القطعة إلى مئات الآلاف من الدولارات.

وفي عام 2007، كان هشام أبوطعم يعيش في منزلٍ صغيرٍ أنيق قُرب هذا المعرض، حيث زاره أحد المراسلين الصحفيين. وتزيَّن المنزل من الداخل بأثاثٍ متواضع تضُّم طيَّاته عدداً من المنحوتات الرخامية التي يرتكز بعضها فوق عددٍ من القواعد.

ولازال علي أبوطعم يعيش في جنيف داخل شقةٍ كائنة في واحدٍ من أكثر أحياء المدينة ثراءً.

ويقول الأخوان إنَّهما باعا قطعاً أثرية لبعض أشهر المتاحف في العالم، ومنها متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، ومتحف جاي بول غيتي في لوس أنجلوس. ورفض المتحف النيويوركي التعليق على هذه التصريحات. وعلَّق متحف غيتي قائلاً إنَّه "حصل على قطعةٍ أثريةٍ واحدة في مجموعته من شركة "فينيكس إينشانت آرت" قبل أكثر من 20 عاماً".

علامات:
تحميل المزيد