ظهر الرئيس عبدالفتاح السيسي، في الآونة الأخيرة، أجرأ من ذي قبل بسبب انتعاش صداقته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أشاد بنظيره المصري واصفاً إياه بأنه "رجلٌ رائع"، وأوضح أنَّه لا يعتزم السماح لقضايا حقوق الإنسان بتعكير صفو علاقتهما.
وبعد أن رحَّب ترامب بالسيسي في واشنطن الشهر الماضي، التقاه مرةً أخرى في الرياض، حيث التُقِطَت صورةٌ فوتوغرافية للرئيسين وهما يلمسان مُجسَّمَ كرةٍ أرضيةٍ ويتوسطهما الملك السعودي. وبعد عودة السيسي إلى مصر، فرضت حكومته قيوداً جديدة على وسائل الإعلام، وقاضت أحد المعارضين السياسيين المنافسين في المحاكم، ما ضيَّق الخناق على الحقوق السياسية وحرية التعبير، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وقالت إيمي هاوثورن، وهي خبيرةٌ في الشأن المصري بمؤسسة Project on Middle East Democracy التي تقع في واشنطن: "لا شك أن مصر وبعض الأنظمة الأخرى، مثل البحرين، تشعر بأنَّ لديها ضوءاً أخضر من ترامب لاتخاذ إجراءاتٍ قمعية باسم مكافحة الإرهاب، وتتوقع أنَّ إدارة ترامب لن تنتقدهم ولو بكلمةٍ واحدة".
وقال السيسي إنَّ الإجراءات الصارمة ضرورية لمواجهة التهديد الذي تُشكَّله الجماعات المتطرفة العنيفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي قتل أكثر من 100 مسيحي منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي في حملةٍ من أعمال العنف الطائفي. وفي الهجوم الأخير، قتل مُسلَّحون 30 شخصاً كانوا في طريقهم إلى أحد الأديرة بمحافظة المنيا في صعيد مصر.
ويعارض بعض النقاد استراتيجية السيسي في مكافحة الإرهاب لأنها أخفقت إخفاقاً ذريعاً على أرض الواقع، ومع ذلك، يبدو السيسي عازماً على تقديم بعض التقدميين والخصوم السياسيين ككبش فداء.
الجمعيات الأهلية
وأصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس الإثنين 29 مايو/أيار، قانوناً يفرض قواعد صارمة جديدة على الجمعيات الأهلية، ما يثير المخاوف من أنَّ الحكومة تعتزم تسريع حملتها القمعية ضد نشطاء حقوق الإنسان قبل الانتخابات الرئاسية المُقرَّر إجراؤها العام المقبل، وفق تقرير سابق نشرته عربي بوست.
وكان البرلمان المصري قد وافق على القانون الجديد – الذي تتوقَّع بعض الجمعيات الأهلية أنَّه سيُجبرها على الإغلاق – في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن السيسي تردَّد في التوقيعِ عليه آنذاك بعد تعرُّضه لانتقاداتٍ حادة من بعض مسؤولي الدول الغربية، وبالأخص نائبي مجلس الشيوخ التابعين للحزب الجمهوري وهما جون ماكين، وليندسي غراهام، اللذين هدَّدا بتخفيض المعونة الأميركية إلى مصر إذا تمت الموافقة على القانون.
ويفرض القانون الجديد الذي أقره السيسي، أمس الإثنين، قيوداً صارمة على المنظمات المحلية غير الحكومية في مصر، التي يبلغ عددها 47 ألف منظمة، فضلاً عن حوالي 100 منظمة تتلقى تمويلاتٍ أجنبية. ويجعل القانون عمل هذه المنظمات خاضعاً لهيئةٍ تنظيمية جديدة يقول العاملون في مجال العمل الأهلي إنها من المُرجَّح أن تكون أكثر من مجرد وسيلةٍ تستخدمها الجهات الأمنية المصرية للتدخل في عمل هذه المنظمات.
وستحتاج الجمعيات الأهلية إلى الحصول على إذنٍ من الهيئة الجديدة، التي لم تُنشأ بعد، لممارسة أي نشاطٍ ميداني أو نشر استطلاعات رأي. وعلى نطاقٍ أوسع، يجب أن تضمن الجمعيات أنَّ عملها "يُناسب خطط الدولة، واحتياجاتها وأولوياتها التنموية"، وفقاً لنص القانون.
وقال محمد زارع، وهو حقوقي بارز في مجال حقوق الإنسان: "هذه كارثةٌ مكتملة الأركان، لقد أخذوا كل شيء، وانتهى كل شيء. ولا يقتصر الأمر على منظمات حقوق الإنسان، بل يشمل الجمعيات الخيرية وأي كيانٍ مُنظَّم لا يخضع لسيطرتهم الفعلية".
ويُذكر أنَّ محمد نفسه يواجه حالياً محاكماتٍ على خلفية اتهامه بتعريض الأمن القومي للخطر، وهو ممنوعٌ من السفر خارج مصر، وفق تقرير هاف بوست السابق.
وفي الأسبوع الماضي، حجبت حكومة السيسي 21 موقعاً إلكترونياً في مصر، ومن بينهم مواقع الجزيرة، والنسخة العربية من هاف بوست، ومدى مصر، وهو منظمة إخبارية مستقلة نشرت العديد من التحقيقات في أعمال الأجهزة الأمنية. وبعد حملةِ احتجاجاتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، عاد موقع مدى مصر للعمل مرةً أخرى أمس، الإثنين 29 مايو/أيار.
المرشح المحتمل
ويوم الثلاثاء الماضي ألقت الشرطة المصرية القبض على خالد عليّ، وهو محامٍ بارز في مجال حقوق الإنسان، وقاد حملة المعارضة ضد القرار الذي أصدره السيسي في مطلع العام الماضي بنقل ملكية جزيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية. وكانت هذه الاتفاقية قد أغضبت الرأي العام المصري، وهي واحدةٌ من بضع قضايا قليلة يُعتبر الموقف السياسي للسيسي فيها عُرضةً للهجوم.
ورأى البعض اعتقال خالد عليّ جزءاً من محاولة السيسي إخلاء الساحة السياسية من المنافسين قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل. وإذا أُدين خالد علي، وهو أحد هؤلاء المنافسين، بتهمة "مخالفة الآداب العامة"، قد يواجه عقوبة السجن لمدة عامين، وسيُحرم من الترشُّح للرئاسة.
وفي واشنطن، تعرَّضَت علاقة السيسي الدافئة مع ترامب لانتقاداتٍ لاذعة من ماكين وغراهام. وفي بيانٍ مشترك صَدَرَ في ديسمبر/كانون الأول الماضي، انتقد ماكين وغراهام قانون الجمعيات الأهلية الجديد واصفين إياه بـ"الوحشي"، وتعهّدا بالسعي إلى تقييد المعونة الأميركية إلى مصر، التي تبلغ حالياً حوالي 1.3 مليار دولار، إذا سُنَّ هذا القانون. ولم يتمكن أحد من الحصول على أي تعليقٍ من مكاتبهما يوم الإثنين حول هذا الموضوع، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وقالت المُحلِّلة إيمي هاوثورن، التي تنبأت بأن يُضعِف القانون الجديد مصر لأنه سيُجرِّم نشاط العديد من الجمعيات الأهلية: "هذا يومٌ سيئ جداً لمصر".
وأضافت: "عانينا تجارب كارثية من رؤية ما يحدث حين تسحق الأنظمة الاستبدادية هذه المساحة بين المواطنين والدولة. هذا ما حدث في عهد القذافي بليبيا، وما حدث في عهد صدام حسين بالعراق. ولا يؤدي ذلك إلى الاستقرار أبداً".