خطة الاستغباء لثلاثين يوماً

لأن المسلسلات في رمضان هي عبارة عن تجارة؛ فهمّ المنتجين والمخرجين الأول هو الربح المادي، بغض النظر عن القيمة الفكرية أو الفنية التي تقدمها، وبغض النظر عن أن تكون هذه الفكرة وليدة مجتمعاتنا أو مستوردة لا علاقة لها بنسيجنا الاجتماعي والثقافي. عدد المتابعين والكم الكبير من المشاهدة هو معيار نجاح أي عمل فني، وليس ما يقدمه من أفكار أو قيم اجتماعية أو إنسانية!

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/29 الساعة 06:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/29 الساعة 06:22 بتوقيت غرينتش

بضعة أيام وسوف يكون الشهر الفضيل بيننا مثلما عوَّدنا كل سنة، وربما عندما تنشر هذه الكلمات سوف يكون بالفعل قد تخطّى العتبة وأمسى ضيفاً خفيف الظل ينتظره الجميع بشغف، لما فيه من طاقة إيجابية تبعث الطمأنينة في النفوس، وتسبر غور الروح الكامنة في داخلنا.

وعلى الجانب الآخر يوجد مَن هم يرون في شهر رمضان شهر المسلسلات التلفزيونية التي تتسابق القنوات المختلفة لعرضها، بغض النظر عن القيمة الاجتماعية والأخلاقية التي تقدمها.

لقد سميت السينما بداية بالفن السابع من قبل الفنان والناقد الفرنسي من أصول إيطالية (ريتشيوتو كامودو) في نهايات القرن التاسع عشر، وذلك لأنها كانت تجمع أنواع الفن جميعاً من موسيقى وعمارة ونحت وشعر ورقص، وتميزت بوجود الإضاءة التي اعتبرت نوعاً آخر من الفن وليس أداة من أدوات السينما. وأن هذه الفنون عبارة عن نتاج حضاري وفكري لمجتمعاتها تظهر الثقافة التي تعبر عنها شرائحها. فهل مسلسلات رمضان كنوع من أنواع السينما تعد تعبيراً ملخصاً عن الحالة الثقافية التي تمر بها أزمة المجتمعات العربية؟

أهم شيء هو الربح السريع:

لأن المسلسلات في رمضان هي عبارة عن تجارة؛ فهمّ المنتجين والمخرجين الأول هو الربح المادي، بغض النظر عن القيمة الفكرية أو الفنية التي تقدمها، وبغض النظر عن أن تكون هذه الفكرة وليدة مجتمعاتنا أو مستوردة لا علاقة لها بنسيجنا الاجتماعي والثقافي. عدد المتابعين والكم الكبير من المشاهدة هو معيار نجاح أي عمل فني، وليس ما يقدمه من أفكار أو قيم اجتماعية أو إنسانية!

التوظيف السطحي للبيئة:

صحيح أن البيئة المحيطة هي الساحة التي تستمد منها الشاشة الصغيرة الأفكار المختلفة، وصحيح أيضاً أنه أينما نظرت حولك الآن في وطننا العربي سوف تجد الكثير من المآسي تغمره من المحيط إلى الخليج، ولكن مهمة المخرجين وكتاب السيناريوهات هو محاولة إيجاد حلول لهذه المآسي التي تنهش مجتمعاتنا، لا ضير من التكلم عن المشكلات الاجتماعية والسياسية ولكن بطريقة إيجابية، تعكس النية لرأب التصدعات ومعالجة المشكلات وليس تأجيجها بطريقة سلبية تؤدي بالمشاهد إلى اليأس وتوصله إلى طريق مسدود، مثل لصوص الليل الذين يتحينون الانقضاض على أي فريسة تهبهم الربح السريع.

تدني مستوى الأفكار والثيمات المطروحة:

ثيمة التدين:

نجد أن معظم المسلسلات الرمضانية تعكس مجموعة واحدة من الأفكار القاتمة، ففي موضوع التدين مثلاً نراها إما تتكلم عن سلبية الأيديولوجية الدينية بشكل عام على أساس أنها هي منبع التخلف والأفكار السلبية والعنف والسطحية واستعمال صور نمطية مثل: اللحى، الجلباب، المحجبات، المساجد. وتوظيفها بطريقة سيئة منتزعة من معناها الأصلي، أو تختزله في موضوع إقصاء الآخر والتعصب والصراع الطائفي.

ونجد ذلك بوضوح في الدراما المصرية على وجه الخصوص، وفي الحقيقة أن كل هذه الأشياء ليس لها علاقة بموضوع التدين بشكل مجرد، ولا تعكس أصلاً صورة المجتمع المصري الطيب والمحافظ بطبيعته، وأن هذا التوجه يسعى إلى تشويه صورة المتدين في مجتمعاتنا، وإبعاده عن صورة الاعتدال والتسامح الديني التي هي أصل وأساس الحضارة العربية الإسلامية.

ثيمة الخيانات الزوجية وحرب العصابات:

من غرف النوم إلى الخيانات الزوجية والتأثر بالمسلسلات التركية خاصة، إلى حرب العصابات و(المافيات) وتجار المخدرات، أفكار تجدها حاضرة بوضوح خاصة في الدراما السورية، إدمان الكحول وتعاطي مختلف أنواع المسكرات، تعرضها المسلسلات المختلفة كأنها حالة عامة للمجتمعات وليست حالات خاصة، إظهار البذخ والامتيازات التي تعيشها هذه الطبقة الخارجة عن القانون، ولكنها من ناحية أخرى تنعم بأرفع مستويات الحياة، من السيارات الفارهة والقصور والنساء والعاهرات وأمسيات السكر والمجون، كل هذه الأفكار التي تدفع إلى هدم المنظومة الأسرية وتعبث بعقول شبابنا وتلوث أفكارهم ومنظومتهم العقائدية والفكرية وتخلط الواقع بالمتخيل، والذي يؤدي بالنهاية إلى صعود جيل جديد ضحل الأفكار مشوه الرؤية.

ثيمة تحرر المرأة:

ما أكثر المسلسلات التي تتكلم عن المرأة وموضوع التحرش بالمرأة، سواء الجسدي أو اللغوي، وعلى الرغم من أن هذا الموضوع موجود في الواقع ويحتاج إلى حلول، ولكن هذه المسلسلات لم تحاول البحث عن حلول أو الإجابة عن تساؤلات تفشي الظاهرة، بالعكس عرضت الموضوع بشكل يؤدي إلى تأجيجه وتعقيده وإظهاره بطريقة سلبية بحتة، من خلال البحث في ثنايا المجتمعات المختلفة وبعض طبقاته وجماعاته المنزوية، سواء الطبقات الرفيعة أو الشعبية، وعرضت كل ما فيها مما يؤجج هذه الظاهرة، ويعرضها كأنها جزء طبيعي من نسيجنا العربي.

وقد تم التركيز على أنماط سيئة قاتمة للمرأة في مجتمعاتنا لتأجيج هذه الصورة، وهي حقيقة موجودة بهذه الصورة كحالات وليس كظاهرة، مثل تجسيد الصورة النمطية للمرأة – المطلقة، والمرأة – الراقصة، والمرأة – فتاة الليل، والمرأة – المريضة نفسياً أو المدمنة على المخدرات، وكل ذلك بالإضافة إلى التركيز على العنف ضد المرأة بصورته السيئة، سواء من العائلة، أو المجتمع أو الزوج.

ثيمة السلطان والحرملك:

زادت كثيراً المسلسلات التاريخية في الفترة الأخيرة، خاصة تلك التي تعرض حقبة معينة للسلاطين العثمانيين، أو سلالات العائلات المالكة أو الخلفاء. وكل هذه الأعمال ركزت بشكل كبير على الحرملك، أو قصر الحريم وما يتضمنه من جوارٍ ومحظيات وسبايا، وعلاقتهن الوطيدة بالقصر والقرارات السياسية، وكأن وجود الخليفة الفعلي وقراراته هي صورية فقط، تحركه هذه الجارية وتغير رأيه تلك المحظية، والدسائس بينهما هي الموضوع الرئيسي لتلك الأعمال الدرامية، والتي وحاولت إسباغ هذه الصورة العامة على هذه الأعمال، مع تغييب مقصود للإنجازات الإيجابية لتلك الحقب. كأن الدولة كانت تسيّر أمرها بنفسها والخليفة أو السلطان كان يقضي كل يومه في قصر الحريم!

ثيمة المآسي والحزن:

نجد الكثير من المسلسلات الرمضانية، خاصة الدراما الخليجية – التي تعاني حقاً من هشاشة في المواضيع التي تطرحها- تركز على البؤس والحزن، ومعظم حبكاتها تدور حول قصة حب أو عائلة أو أصحاب وكلها تنتهي بمصيبة أو نكبة، كأن هذه المجتمعات على الرغم من غناها المادي لا بد أن تعاني من مصائب ومآسٍ على الصعيد الاجتماعي، وتبقى مسلسلاتها تجتر نفس القصص المعادة في كل مرة، ولكن بطريقة مختلفة، غير قادرة على طرح مواضيع إيجابية تجذب المشاهد، فلا تحاول الخروج من هذا النمط المعاد وغير قادرة أيضاً على طرح مواضيع بديلة تستأثر باهتمام المواطن الخليجي والعربي على حد سواء.

كل ذلك يشير إلى أن صناع الدراما في الوطن العربي يشعرون بحالة (استغباء) تجاه المشاهد العربي والذين أثبتوا أكثر من مرة أنهم قادرون على ملئه بأي محتوى يقدمونه بغض النظر عن قيمته الفنية والاجتماعية، وأن هذا المشاهد لا يملك القدرة التي تؤهله لتذوق وفهم أو رفض أي محتوى.

وللخروج من هذا المأزق مطلوب وبشدة من المشاهدين أن يحاولوا بناء تذوقهم الفني من خلال التمعن في أي محتوى جديد، ويسألوا أنفسهم ماذا سيضيف لهم من قيمة فنية أو فكرية إنسانية أو اجتماعية؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد