قصة على الهامش المهم

ولكن بقي قليل جداً مسافة 20 متراً حتى أصل إلى منطقة أستطيع من خلالها أن أترك السيارة وأقوم بإحضار "البترول"، كم أنت مهم أيها السائل الذي جنن الولايات المتحدة الأميركية، عرفت الآن لماذا يحاربون من أجلك ويعبرون المحيطات، نعم إنك تستحق الكثير، اعتقدت أنك سائل فقط، ولكن طلعت سائل ومسؤول!

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/29 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/29 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش

ما سأرويه ليس مثل كل قصة أبحث فيها عن خيال خصب لأرويها لكم، ولكن ما حدث هو حقيقي يقف بقدميه على أرض الواقع الصلب.

هنالك للأسف عادة سيئة جداً فيّ أنني كسول جداً في موضوع "ملء بنزين السيارة" دائماً حين أرى المحطة مزدحمة على الفور من أول الخط أحول مجرى الطريق وأقول "فيها بنزين يكفي للطريق".

إلى أن حدث معي ذلك الموقف المحرج تماماً وعند الإشارة المزدحمة؛ إذ فجأة وبدون مقدمات سوى إشارة برتقالية تضيء وتقول لي بصوت عالٍ: "أبوس إيدك املأني حناناً وبترولاً"، كما تقول الست.

وعلى الفور وبلا أي مبالاة أضغط على دواسة البنزين وأتحسسها برفق كمن يركل بلنتي بطريقة رونالدية، فإذا بي اكتشف أن البترول نفد كمرتب موظف يوم 24 ولا تقل لي كيف، وإذا بي أحلّق بسيارتي في الفراغ العدمي!

تعجبت وأصبحت أقول لها: "أرجوكِ اجعليني أمرّ فقط من هذه الإشارة المزدحمة.. أرجوكِ اعملي بأصلك"، ولكنها ما زالت تسبح في العدمية والفراغ لا أعلم لماذا تذكرت على الفور جان بول ساتر، الذي كنت أقرأه بالأمس فقط، وعن عدمية الحياة ومبارزتها بلا مبالاة لتعبر بهدوء، ولكن ليس هذا وقت الفلسفة يا عمر، أرجوك انتبه فالشارع غاضب عليّ وهنالك ثورة قادمة.

توقفت السيارة! وكالعادة تتصل على جميع الأصدقاء تليفوناتهم مشغولة أو غير متاحة، كالعادة في أوقات الحب والطعام فقط هواتفهم متاحة.

وبدأت أشعر بإحساس مختلف تماماً، ولكن هل تصدقني ما أجمل أن تكون على معرفة لماذا توقفت؟ إحساس ممتع بالمعرفة، ولكن أيقظني من هذا الشعور الرائع صخب تعالي أصوات السيارات، وكأنك أجرمت في حق الإنسانية جرماً لا يغتفر.

لماذا أصبحنا هكذا في ضيق حينما نتوقف وكأننا ماء نهر جارٍ في حين أننا نعلم أننا نعيش الأيام نفسها، لماذا نركض سريعاً نحو التكرار؟

على العموم نزلت سريعاً، واستفقت من لحظة الخروج عن السياق التي عشتها لدقيقة، وبدأت أحاول أن أبحث عمن يساعدني.

على الفور جاءت الشرطة وبدأت تحاول مساعدتي ولكني أحتاج لمن يدفع معي السيارة، دفعوها معي بمنتهى الاحترام حتى إنني ركبت السيارة وهم يدفعونها عني، وهذا إحساس آخر قد لا يحدث لك كثيراً، حتى خرجت من المنطقة الحرجة في إشارة المرور وانتابني إحساس العبور العظيم الذي عشته في الروايات والقصص وأفلام يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول.. ما أحلى النصر!

ولكن بقي قليل جداً مسافة 20 متراً حتى أصل إلى منطقة أستطيع من خلالها أن أترك السيارة وأقوم بإحضار "البترول"، كم أنت مهم أيها السائل الذي جنن الولايات المتحدة الأميركية، عرفت الآن لماذا يحاربون من أجلك ويعبرون المحيطات، نعم إنك تستحق الكثير، اعتقدت أنك سائل فقط، ولكن طلعت سائل ومسؤول!

بالتأكيد كل المشاريع ستتوقف، بل الحياة كلها.

على الفور بدأت أدفع السيارة التي دفعتني كثيراً وحملتني كثيراً.. حملتني كثيراً! حضرتك ناقص تقول 9 شهور لتكتمل العبارة الصحيحة، من الواضح أنني انحرفت عن سبب كتابة هذا الموقف المهم، وهو أن الشارع بالكامل لم يتوقف بل بعضهم أبدى غضبه إلا واحد من عباده أوقف سيارته وجاءني رغم ملامح إجهاد يوم كامل تبدو عليه، وبدأ في سؤالي عن سبب التوقف؟ فأخبرته أن السبب هو نفاد بترول السيارة، وعلى الفور قال لي بلهجة مصرية "تعالى نروح نجيب".

هل تعرف إحساس "مارد الفانوس" باعتقادي لو ظهر لي لما سألته إلا أن أجد بترولاً يحرك هذه السيارة التي أصبحت جثة هامدة.

تحركنا وحقيقة لم أكن أطمح سوى أن يذهب بي إلى "محطة بترول"، ولكنه ذهب بي وانتظرني إلى أن حصلت على هذا السائل السحري الذي يحرك الحديد.

على الفور عدنا ووضعنا البترول واشتغلت السيارة والحمد لله، ولكن هل تعرف إحساساً باشتغال السيارة أنه كان مرادفاً حقيقياً بالنسبة لي لإحساس آخر تماماً وهو أن تجد في هذا الزمان مَن يمد لك يد المساعدة في أزمة تمر بها، بالتأكيد ما مررت به ليس أزمة بالمعنى المعروف، ولكنه على الأقل موقف يحتاج إلى مساعدة.

يا أصدقائي مَن يحاول أن يساعدك مهم جداً أن يوجد في المجتمعات؛ لأن مثل هؤلاء الشخصيات هي التي تجعلك تطمئن إلى أن الدنيا لسّه بخير.. ودمتم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد