شكوك في وفاء روسيا بتعهداتها بشأن تقليص إنتاج النفط.. إليك أساليبها المخادعة مع أوبك

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/29 الساعة 17:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/29 الساعة 17:40 بتوقيت غرينتش

كانت أسعار النفط العالمية تعاني من ركودٍ شديد. ولما كانت هذه العائدات مهمةً لتسيير الاقتصاد الروسي، فقد كان الكرملين يبحث عن حل.

لذا، فقد نحّى القادة الروس السياسة جانباً وعقدوا اتفاقيةً مع السعودية، وافقت موسكو حينها على الانضمام إلى اتفاقية منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" لتقليص الإنتاج، وذلك بنية العمل على رفع أسعار النفط العالمية.

ونجح الاتفاق ظاهرياً: ارتفعت الأسعار، ومعها ارتفعت قيمة الجازولين والبضائع الاستهلاكية في الدول المتقدمة.

لكن كانت هناك مشكلة رئيسية: روسيا لم تفعل أي شيء في الحقيقة، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وقال ألكسي توربين، الذي كان من كبار المسؤولين بوزارة الطاقة في ذلك الوقت، وساعد على التفاوض حول الصفقة مع السعوديين: "كان للعلاقات العامة أثر كبير وجميل".

كان هذا الأمر منذ 16 عاماً، لكن مرة أخرى، فإنَّ الكرملين المعتمد على النفط، إن لم يكن في أمسّ الحاجة إلى عائداته، فهو على الأقل مهتم برفع أسعاره. ومرة أخرى وفِي ظرف مشابه تبرز الأسئلة حول ما إذا كان الكرملين جاداً في تقليص الإنتاج أم أنَّه يدير حملة أخرى للعلاقات العامة.

زادت الإنتاج بدلاً من تخفيضه!

وقال فلاديمير ميلوف، الذي كان حينها يشغل منصب نائب وزير الطاقة في روسيا، في مقابلةٍ صحفية حول اتفاقية عام 2001 مع أوبك، والتي كانت أول اتفاقية من نوعها بين روسيا والمنظمة التي تسيطر عليها السعودية: "كانت هذه الاتفاقية مجرد مذكرة مشروطة". وافقت الحكومة الروسية في الاتفاقية على خفض إنتاجها بقيمة 150 ألف برميل يومياً. لكنها في الحقيقة زادت من إنتاجها للنفط بقيمة حوالي 50 ألف برميل يومياً طبقاً لميلوف.

وأضاف ميلوف بتبجح: "ليس الأمر أنَّنا لم نلتزم فقط بالتقليص المتفق عليه، لكنَّنا في الحقيقة زدنا الإنتاج. كانت منظمة الأوبك غاضبة للغاية".

والآن، تسعى روسيا مرةً أخرى لطمأنة الأسواق بأنَّها ستفي بالتقليص المتفق عليه مع أوبك، والذي أُعلِنَ عنه يوم الخميس الماضي في اجتماعٍ بفيينا.

ويأتي الاتفاق الأخير امتداداً لاتفاق عُقد في ديسمبر/كانون الأول 2016، حين قرر المنتجون تقليل 1.8 مليون برميل يومياً من المعروض بالسوق.

لكن قبل اجتماع الخميس 25 مايو/أيار 2017 الأخير، كان المستثمرون يأملون بأن يقلل منتجو النفط الإنتاج أكثر من ذلك للحد من الفوضى العالمية التي أدت إلى انخفاض السوق لمدة ثلاث سنوات تقريباً، وفقاً لما جاء في تقرير لـ"سي إن بي سي".

ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن الفترة الماضية شهدت تراجع هيمنة منظمة الأوبك على النفط، ذلك أنَّ الشركات الأميركية، التي تعلمت كيفية استخلاص كمياتٍ ضخمة من النفط الصخري في عمليةٍ تسمى التكسير الهيدروليكي، قد حولت الولايات المتحدة إلى منتِجٍ متقلب للنفط، وأصبحت قادرةً على تعديل حجم الإنتاج سريعاً لموازنة التغيرات في السوق.

وتقول الصحيفة الأميركية: "لو وضعنا كل هذا في الاعتبار، فإنَّ منظمة الأوبك، التي تضم 13 دولة، لم يكن لديها خيارٌ سوى العمل مع روسيا، على الرغم من التاريخ الطويل للكرملين في محاولة رفع أسعار النفط العالمية بأقل قدر ممكن من الجهد، أو دون جهد على الإطلاق، لتقليص الإنتاج فعلاً.

الحرب السورية

وما ساهم في تعقيد الاتفاق أن روسيا والسعودية لا تزالان منقسمتين للغاية حول سياسات الشرق الأوسط، ويدعمان طرفين يواجهان بعضهما في الحرب الأهلية السورية.

وكان إيغور يوسوفوف، وزير الطاقة الروسي خلال اتفاق 2001 مع الأوبك، قد قال في مقابلةٍ صحفية: "روسيا مهتمة دوماً بالأسعار الأعلى، وكلما زاد السعر، فهذا أفضل. لكنَّ روسيا لن تصبح أبداً عضواً في أوبك".

هذه المرة اتفقت أوبك، وروسيا، والمنتجون الآخرون الأصغر، في ديسمبر/كانون الأول على خفضٍ للإنتاج يستمر مدة ستة أشهر بقيمة 1.8 مليون برميل يومياً، يبدأ من الأول من يناير/كانون الثاني ويستمر حتى الثلاثين من يونيو/حزيران، بهدف تقليص المخزون العالمي الممتلئ حالياً ليصل إلى المستوى المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية. ومددت اتفاقية يوم الخميس هذا الخفض في الإنتاج لمدةٍ أطول.

نصيب الدول المنتمية لمنظمة الأوبك من خفض الإنتاج يصل إلى 1.2 مليون برميل يومياً، بينما وافقت الدول غير المنتمية لأوبك على تخفيضٍ بقيمة 600 ألف برميل يومياً. ووافقت روسيا على أكبر نسبة تخفيض من بين الدول غير الأعضاء، فتعهدت بتقليص الإنتاج بمعدل 300 ألف برميل يومياً. وتشمل الدول الأقل إنتاجاً غير الأعضاء في الأوبك المكسيك، وكازاخستان، وغينيا الاستوائية.

وكانت روسيا تتباطأ في تنفيذ نصيبها من الاتفاق. وبحلول مارس/آذار 2017، قالت الوكالة الدولية للطاقة إنَّ روسيا قد خفَّضت الإنتاج بمقدار 170 ألف برميل يومياً.

وعلق وزير النفط السعودي خالد الفالح قائلاً إنَّ المنتجين من خارج منظمة الأوبك لا يزالون "يتعلمون" الحاجة إلى متابعة تنفيذ عمليات خفض الإنتاج. وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في الثاني من مايو/أيار 2017 إنَّ روسيا حقَّقت حد التخفيض المُستهدف.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى، فخلال انهيار أسعار النفط عام 2008، تحدث إيغور سيتشين، نائب رئيس الوزراء الروسي آنذاك، عن إنشاء احتياطي نفطي وطني لإبقاء النفط الروسي بعيداً عن الأنظار، والمساعدة في رفع الأسعار العالمية. وفي الوقت نفسه، خفضت حكومته ضريبتين رئيسيتين، وهما ضريبة استخراج المعادن وتعريفة التصدير، ما أوجد حافزاً لدى شركات النفط الروسية لتصدير المزيد من النفط.

خيانة روسية

وفي أثناء خيانة روسيا لاتفاقية دول أوبك عام 2001، حسب تعبير "نيويورك تايمز"، قال مايكل لينش، رئيس شركة الاستشارات الاستراتيجية في مجال الطاقة والبحوث الاقتصادية، إنَّ "البيانات كانت شحيحة للغاية لدرجة أنَّه عندما بدأ الناس في إدراك أنَّ روسيا لم تكن تمتثل للاتفاقية، كان الأمر قد أصبح مثيراً للجدل". فقد ارتفعت الأسعار بالفعل.

وقال مايكل إنَّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي كان يهدف مرةً أخرى إلى التأثير على "سيكولوجية التُجّار، كما أن معظمهم لم يكن موجوداً عام 2001، عندما كانت هناك مشاكل فى الامتثال للاتفاق".

والملاذ الوحيد الذي تملكه السعودية في حال أخفقت روسيا في تحقيق خفض إنتاجها الحالي هو الانسحاب من الصفقة.

وتابع مايكل حديثه عن الروس قائلاً: "يمكنهم الفرار بفعلتهم إلى حدٍ ما"؛ نظراً لأنَّه من المستحيل العثور على حوالي 100 ألف برميل مُخبأ في أنابيب النفط الروسي الكثيرة ومواقع التخزين الروسية. أما السعوديون "فيمكنهم أن يدّعوا أن كل شيء يسير على ما يرام، ويبتسموا ويصافحوا الروس".

ما هو أثر الشتاء الروسي على النفط؟

تقول نيويورك تايمز: "كي نكون مُنصّفين، فإن العديد من حقول النفط الروسية تقع في أقصى الشمال، حيث تُحفر الآبار تحت تربةٍ متجمدة، ما سيؤدي إلى تجمُّد الآبار إذا توقف الإنتاج، لذلك فإنَّ صناعة النفط الروسية لا يمكنها خفض الإنتاج بسهولة دون الإضرار بشكل دائم بآبارها.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ صناعة النفط الروسية ليست مملوكةً بشكلٍ كامل للدولة، والحكومة لا يمكنها إجبار الشركات قانونياً على الامتثال. ولكن يقول مسؤولون ومحللون سابقون إنَّ الكرملين يمتلك اليوم فرصةً أفضل لإقناع الشركات بالامتثال للاتفاق مقارنةً بعام 2001، لأنَّ الرئيس فلاديمير بوتين يتمتع الآن بسلطةٍ أكبر على شركات النفط.

لكن وكالة بلومبيرغ لفتت إلى أن الإنتاج الروسي يكون عادة ثابتاً أو يتراجع في النصف الأول من العام، ووفقاً لتقرير من المحللين في مصرف سبير، فإنه بالمقارنة مع مستويات أكتوبر/تشرين الأول 2016، كان من الممكن أن تشهد البلاد انخفاضاً متوسطاً يتراوح بين 40 ألفاً و50 ألف برميل يومياً خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2017 حتى دون اتفاق أوبك.

وخلال فصل الشتاء الجليدي، تستفيد الشركات من الطرق المجمدة في سيبيريا لنقل منصات الحفر بدلاً من التوسع في الحفر في ظل الظروف المناخية القاسية.

ويزيد هذا القطاع نشاطه الاستخراجي في وقت لاحق من العام بعد نهايةً الشتاء عندما يرتفع الإنتاج عادة، وفقا لما نقلته بلومبيرغ عن مصرف سبير.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفا قوله فى الاسبوع الماضى أن الإنتاج الحالي انخفض بمقدار 250 ألف برميل يومياً اعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول، وسيتم تنفيذ التخفيضات التي تم التعهد بها فى البلاد البالغ عددها 300 ألف برميل نهاية مايو/أيار 2017.

الاكتساح الأميركي

وقال يوري شافرانيك، وزير طاقة روسي سابق آخر، إنَّ روسيا لديها حافز أقوى أيضاً للتعاون الآن بسبب التهديد الجديد الذي يلوح في الأفق باكتساح النفط الصخري الأميركي لسوق النفط.

ومع ذلك، ما زالت هناك شكوك بين خبراء أجانب بأنَّ اتفاق تقليص الإنتاج يمكن أن يصمد أمام هذه الأزمات.

وقالت أغنيا غريغاس، المختصة بشؤون الطاقة الروسية في المجلس الأطلسي للأبحاث، ومؤلفة كتاب "The New Geopolitics of Natural Gas"، إنَّ "الإحصاءات الروسية حول إنتاج النفط، وشعبية بوتين، وأي شيء آخر مهم استراتيجياً، يجب أن يتم التعامل معها بريبة وشك".

علامات:
تحميل المزيد