اتَّهمت الشرطة في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون الأميركية رجلاً من أنصار نظرية تفوُّق العِرق الأبيض بالقتل المزدوج وجرائم كراهية، وذلك بعد مزاعم بذبحه راكبين اثنين وطعن ثالث على متن أحد قطارات الركاب في وقتٍ متأخرٍ بعد ظهر الجمعة، 26 مايو/أيار.
وقالت الشرطة الأميركية إن رجلين تعرَّضا للطعن حتى الموت في مدينة بورتلاند بولاية أوريجون، يوم الجمعة، عندما حاولا منع المهاجم من مضايقة امرأتين مسلمتين.
وقع الحادث على متن قطار قبل ساعات من بدء شهر رمضان، حسب تقرير لوكالة رويترز.
وقالت الشرطة إنها ألقت القبض على المهاجم، ويدعى جيريمي جوزيف كريستيان (35 عاماً) من بورتلاند، بعدما نزل من القطار بفترة وجيزة.
وأضافت أنها وجهت لكريستيان تهمتي القتل العمد، إضافة إلى تهم الشروع في قتل والتهديد من الدرجة الثانية، وبحيازة سلاح مقيد الاستخدام. وصدر أمر باحتجازه دون كفالة.
ووفقاً للشرطة، فإنَّ جيريمي جوزيف كريستيان، 35 عاماً، وبينما كان على متن أحد القطارات في ضاحية شمال شرقي بورتلاند، بدأ "يصرخ بتعليقاتٍ متنوعة أفضل ما تُوصَف به هو أنَّها خطاب كراهية ضد مجموعة من الأعراق والأديان"، وفقاً لتقرير نُشر في صحيفة الغارديان البريطانية.
وحين حاول رُكَّاب آخرين التدخُّل، طعن كريستيان ثلاثة منهم. وتُوفي أحدهم، ويُدعى ريكي جون، 53 عاماً، من منطقة بيست أوف هابي فالي في مسرح الجريمة. وأُعلِن أن شخصاً آخر يُدعى تاليسين ميردين نامكاي ميشي، 23 عاماً، من جنوب شرقي بورتلاند قد تُوفي في أحد المستشفيات المحلية. هذا في حين خضع شخصٌ ثالث يُدعى ميكا فليتشر، 21 عاماً، للعلاج نتيجة جروحه التي قالت عنها الشرطة إنَّها "من غير المُتوقَّع أن تكون مُهدِّدةً للحياة".
شابتان مسلمتان
وكانت إساءات كريستيان التي أُبلِغَ عنها مُوجَّهة لشابتين غادرتا مسرح الجريمة. وتعتقد الشرطة أنَّهما ربما تكونان مسلمتين، وأنَّ إحداهما ربما كانت ترتدي حجاباً. وناشدت الشرطة هاتين الشابتين بالتعريف عن نفسيهما.
وبعد الهجوم، أُفيد بأنَّ كريستيان قد فرَّ على قدميه من محطة هوليوود إلى مركزٍ طبي قريب، لكن سرعان ما اعتقلته الشرطة. ويبدو أنَّ أحد مقاطع الفيديو الذي التقطه أحد الهواة ونُشِر على قناة The Oregonian على موقع يوتيوب يُظهِر كريستيان وهو يسخر من الشرطة قبل توقيفه.
وفي وقتٍ مبكر من صباح السبت، 27 مايو/أيار، أُودِع كريستيان داخل سجن مقاطعة مالتنوما، ووُجِّهَت إليه تهمتان تتعلَّقان بالقتل والتهديد من الدرجة الثانية، وهي جريمة كراهية. واتُّهِم كذلك بمحاولة القتل وحيازة سلاحٍ مُقيَّد الاستخدام. ومن المُقرَّر أن يخضع للمحاكمة الإثنين، 29 مايو/أيار، في محكمة مقاطعة مالتنوما.
تجمع لليمين المتطرف
وكان كريستيان مشاركاً بارزاً في تجمُّعاتٍ لـ"اليمين المتطرِّف" أُقيمت مؤخراً في بورتلاند. وفي "تجمُّعٍ لحرية التعبير" في متنزه مدينة مونتافيلا في 29 أبريل/نيسان الماضي، صُوِّر مقطع فيديو له وهو مُلتفٌ بالعلم الأميركي ويؤدي التحية النازية. وفي وقتٍ سابق من هذا اليوم، أُفيد بأنَّ الشرطة قد صادرت عصا بيسبول منه. وصوَّره الصحفيون المحليون بينما كان يصرخ بإهاناتٍ عنصرية ويُهدِّد بإطلاق النار على "أي شخص يحاول نزع سلاحه منه".
وقالت كات دافيلا، التي كانت من بين المُحتجِّين المناهضين لتجمُّع حرية التعبير، إنَّ كريستيان قد "ظهر في وسط الفعالية، وجاء مباشرةً نحو المتظاهرين المناهضين لذلك التجمُّع بشكلٍ مُتعمِّدٍ للغاية، وهو يُلوِّح بعصاه إلى جانبه ويُحدِّق فينا".
وقالت إنَّه بينما كان يقترب أكثر، "منعته الشرطة وأخذت عصاه، وظلَّ يصرخ كثيراً فحسب من مكانه هذا".
وكشف حساب كريستيان على موقع فيسبوك اهتماماً كبيراً من جانبه بالرموز المختلفة لليمين المُتطرِّف. ففي الأسابيع الأخيرة، نشر موادَ ساخِرةً وأخرى تهاجم المحتجين "المناهضين للفاشية"، الذين تصادموا مع تجمُّعاتٍ مختلفة "لليمين المتطرِّف" في مختلف أنحاء البلاد. وفي الفترة التي سبقت تجمُّع حرية التعبير الذي أُقيم في أبريل/نيسان، كتب منشوراً قال فيه: "أبحث عن بضعة رجال أو سيدات لنزع الأقنعة عن أي شخصٍ يرتديها في مسيرة حرية التعبير المُقبلة"، مشيراً بذلك إلى عادة المحتجين المناهِضين للفاشية في إخفاء هُوياتهم.
دعم النازية
كما نشر كريستيان علناً مواد معادية للسامية وداعمة للنازية الجديدة. ففي 9 مايو/أيار، ادَّعى أنَّه تحدَّى بن فرينس، المُدَّعي إبَّان محاكمات نورمبرغ، للمشاركة في مناظرةٍ "أدافع فيها عن النازيين". وفي اليوم نفسه، نشر قائلاً: "يحيا فينلاند!! يحيا النصر!!"، جامِعاً بذلك شعاراتٍ شبيهة استخدمها الناشط ريتشارد سبنسر في أحد التجمُّعات بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية مع المصطلح "Vinland – فينلاند" المرتبط باليمين المُتطرِّف. (محاكمات نورمبرغ هي سلسلة محاكمات عقدها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية لمجرمي الحرب من القادة النازيين في مدينة نورمبرغ الألمانية).
وقال شاين بيرلي، الباحث المناهض للفاشية المقيم في بورتلاند، ومؤلِّف كتاب "Fascism Today – الفاشية اليوم" الذي يصدر قريباً، لصحيفة الغارديان البريطانية إنَّ "فينلاند" تشير إلى منطقة من شرقي كندا يُفتَرَض أنَّ البحار ليف إركسون قد استقر فيها قادماً من آيسلندا. أمَّا بالنسبة لليمين المُتطرِّف، فإنَّها تُستَخدَم، على حد قول بيرلي، كطريقةٍ للتأكيد على أنَّ القوميين البيض هم "فايكينغ في عالمٍ جديد يواصلون فيه المعركة القديمة من أجل الحفاظ على شعبهم". (الفايكينغ هو لفظ يُطلَق على ملَّاحي سفن ومحاربين قدامى في المناطق الإسكندنافية، بما في ذلك آيسلندا التي جاء منها إركسون، وهم من ذوي البشرة البيضاء).
لماذا يعارض ختان الذكور؟
وكتب كريستيان مؤخراً عدة منشورات على حسابه يعارض فيها ختان الذكور، وقال: "أريد وظيفةً بالنرويج أقطع فيها رؤوس الأشخاص الذين يختنون الأطفال"، ونشر مقالاً بشأن المحاولات الأخيرة في النرويج لحظر تلك الممارسة.
وقال بيرلي إنَّ الختان هو "موضوع نقاشي شائع في أحاديث نشطاء حقوق الرجال للتدليل على وجود اضطهادٍ للرجال على صعيد الثقافة".
ونشر كريستيان أيضاً مواد من وسائل الإعلام تُصوِّر مشاركته في تجمُّع حرية التعبير الذي جرى، في أبريل/نيسان، مشيراً إلى استخدامه لعلمٍ أميركي كرداءٍ خارجي بطريقةٍ شبيهة "بالملوك".
وقد يكون انخراط كريستيان في سياسات اليمين المتطرف حديثاً نسبياً. فقد قال شخصٌ تعرَّف عليه في حفلٍ لموسيقى الهيفي ميتال في بورتلاند، والذي تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هُويته، إنَّه حينما التقى كريستيان قبل 8 سنوات، كان كريستيان شخصاً غير مهتم بالسياسة.
وقال هذا الشخص: "لطالما كان جيريمي (كريستيان) شخصاً مُحطَّماً للغاية منذ عرفتُه. فقد نشأ عملياً في السجن، وكانت فترة طفولته مُريعة، لكنَّني كنتُ أعرف دوماً أن له قلباً طيباً".
وأضاف الشخص أنَّ كريستيان قد شُخِّص بالاضطراب ثنائي القطب (الهوس الاكتئابي)، وأنَّ "لديه شخصية وسواسية للغاية، فهو يتمسَّك بفكرةٍ أو بشيءٍ ما بقوة ويذهب حتى إلى آخر العالم من أجلها".
وبحسب السجلات، يمتلك كريستيان تاريخاً من العنف. ففي عام 2002، وبينما كان يرتدي قناع تزلُّج، قيَّد يدي أحد أصحاب المتاجر في شمال بورتلاند في الخزينة، بينما كان يسرق المال والسجائر. وبعد عملية السرقة، أطلق ضابط شرطة النار على وجه كريستيان.
وتشير عمليات البحث إلى إداناتٍ له في عام 2002 في تهم خطفٍ من الدرجة الثانية، وحمل واستخدام سلاحٍ خطير، والسرقة من الدرجة الأولى. وتشير السجِّلات كذلك إلى أنَّ كريستيان قد اتُّهِم، دون أن يُدان، بجرائم تتراوح بين حيازة سلاح ناري وتهريب بضائع، وفقاً لصحيفة الغارديان.
وجاء هجوم الجمعة قبل أسبوعٍ فقط من تجمُّعٍ آخر "لحرية التعبير" اليميني يُقام في وسط مدينة بورتلاند، من المُقرَّر أن يجري في 4 يونيو/حزيران. وتُنظِّم مجموعة Patriot Prayer هذه الفعالية، وهي المجموعة نفسها التي نظَّمت التجمُّع الذي أُقيم في أبريل/نيسان. وسيشارك في هذا التجمُّع عددٌ من مشاهير "اليمين المُتطرِّف" في البلاد. وسيُنظِّم المناهِضون للفاشية احتجاجاً مضاداً.
وأصدرت واحدةٌ من المجموعات الرئيسية التي ستُنظِّم الاحتجاج المضاد للفاشية، وهي مجموعة Rose City Antifa، بياناً صحفياً نادراً في وقتٍ متأخر من يوم السبت، 27 مايو/أيار. وقالوا فيه إنَّ كريستيان كان "مجرد شخص من بين العديد من أنصار تفوُّق العِرق الأبيض الذين حضروا عدداً من التجمُّعات الأخيرة التي نظَّمها مُدوِّن الفيديو المقيم في فانكوفر وواشنطن، جوي غيبسون". ويقود غيبسون مجموعة Patriot Prtayer التي نظَّمت التجمُّعات الأخيرة، بما في ذلك التجمُّع الذي حضره كريستيان.
وجدَّدت مجموعة Rose City Antifa التزامها بمعارضة تجمُّع "حرية التعبير" المُزمَع إقامته السبت القادم، قائلةً إنَّه "في الرابع من يونيو/حزيران، سيقول مجتمع بورتلاند "لا!" للفاشية، وذلك كتحذيرٍ لأنصار تفوُّق العِرق الأبيض بأنَّ تنظيمهم لن يتم التسامح معه في مجتمعاتنا".
وتراوح رد الفعل الأوسع في بورتلاند على الحادثة بين الصدمة والتحدي. ففي مؤتمرٍ صحفي بعد ظهر السبت، وصف عمدة المدينة تيد ويلر الهجوم بأنَّه "عملٌ مروِّع من أعمال العنف العنصري". وأشار ويلر أيضاً إلى المناخ السياسي الحالي باعباره عاملاً أسهم في الجريمة، مُضيفاً أنَّ "الكلمات العنيفة تقود إلى الأعمال العنيفة".
وشمِل المُعلِّقون الآخرون كلاً من كيت براون، حاكمة ولاية أوريغون، ورود أندرهيل، مُدَّعي بورتلاند. وحثَّ أندرهيل سُكَّان مدينة بورتلاند "للتصدي، وليس الاستسلام" للفاشية، وذكَّر وسائل الإعلام المُجتمِعة بأنَّ الجرائم التي وُجِّهَت لكريستيان تُمثِّل "جناية في ولاية أوريغون".
وقال لورين كانون، العميل الخاص من مكتب التحقيقات الفيدرالي المسؤول عن القضية، إنَّه لا يزال "من السابق لأوانه القول" ما إذا كانت الهجمات تُشكِّل إرهاباً محلياً بموجب القانون الفيدرالي.
وقارن مُتحدِّثٌ آخر، هو وجدي سعيد، من مجلس الأديان في بورتلاند، الهجمات بحادثة قتل المهاجِر الإثيوبي مولوغيتا سيراو عام 1988 على يد عنصريين حليقي الرأس في بورتلاند.
وبعد ذلك، وفي وقفة احتجاجية بضوء الشموع أُقيمَت في الحديقة خارج محطة هوليوود التي وقع فيها الهجوم، أشاد عددٌ من المُتحدِّثين ارتجالاً ببطولة الرجال الذين قُتِلوا دفاعاً عن رفاقهم المواطنين.
وانضم نحو ألفي شخص على الأقل إلى المتحدِّثين، كان الكثيرون منهم يحملون الزهور ليضعوها في أثناء الحفل التأبيني غير المُعد مسبقاً عند الزاوية خارج محطة هوليوود.
رد فعل المسلمين
وأصدر مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) بياناً عقب الهجوم، قال فيه إن الحوادث المناهضة للمسلمين زادت أكثر من 50% في الولايات المتحدة من 2015 إلى 2016، لأسباب من بينها تركيز الرئيس دونالد ترامب على الجماعات الإسلامية المتشددة، وخطابه المناهض للهجرة.
وقال المدير التنفيذي للمجلس، نهاد عوض: "يجب أن يعلن الرئيس ترامب شخصياً أنه ضد المدِّ المتصاعد للخوف من الإسلام وغيره من أشكال التعصب والعنصرية في بلادنا، التي أثارها عبر تصريحاته وسياساته وتعييناته، مما أثر سلباً على مجتمعات الأقليات".
وقال شخصان مسلمان من سُكَّان بورتلاند حضرا الوقفة الاحتجاجية، هما كنعان ديفيس وعامر سلام، إنَّ الهجمات قد ألقت بظلالٍ من الكآبة على بداية شهر رمضان.
وقال أحدهم: "إنَّ الليلة التي تسبق بداية رمضان، وبعد الانتهاء من الصلاة، عادةً ما يتم الخروج فيها، وخصوصاً للرجال. وقد تتحدَّث عن بوسطن سيلتكس وكليفلاند كافالييرز (فريقي كرة سلة في دوري رابطة المحترفين الأميركية NBA)، أو عن مدى الجوع الذي ستشعر به في الأيام المقبلة. نسترخي فحسب".
وأضاف: "في الليلة الماضية كان هناك مزيدٌ من الأمن حول أماكن الصلاة، وهناك حالة من الخوف. كم من الناس يودون أن يجري إخبارهم أنَّهم لا يستطيعون الخروج للتمشي بعد حضورهم للكنيسة يوم الأحد؟".
وكان يشعر بالحزن، لكنَّه لم يكن متفاجئاً من الهجوم. وقال إنَّه في الأشهر الأخيرة، أصبح أولئك الذين لديهم تحيُّزاتٍ معادية للمسلمين "أكثر ثقةً" في رغبتهم لـ"فرض أنفسهم على بقيتنا".