هل هذه القصة قصتي، وكلماتها تنادي ماضياً أليماً بعض الشيء لي، وحروفها هي دقائق مرَّت عليَّ كأنها أيام لا تمرُّ، أو مرَّت كأنها سنوات، أم قصة أخرى لشاب غالباً وأحياناً يشبهني؟ لا أدري.
فيومي الآن يختلف كثيراً، ولكنه تحوَّل إلى يوم متشابه أيضاً، فاختلف مع الطبيعة والكون والحياة التي خلقها الله لنا، ويتشابه مع حياة حيوانية ظاهرياً، ولكنها تعبر عن كامل الإنسانية والكرامة، حياة بين لون الأبيض والكحلي وسواد القضبان، الذي ينير لنا مصابيح الكرامة والإنسانية بداخلنا، ولِمَ لا فإنها حياة حق في طبيعة باطلة.
اقترب موعد امتحان في أحد الفصول الدراسية في إحدى كليات وطني، أو ما يسمَّى بلدي، ولا أعرف ما السبيل، وكيف سأذاكر، وهل بالفعل يمكن اختباري وأنا هنا في مكاني الصغير اللاإنساني؟!
وفي زيارة قادمة، تشبه زيارات كثيرة ماضية تخبرني أمي بعد آلامها وتعب مجيئها أنني يجب أن أكون على أتم الاستعداد، لأنه بالفعل تمت الموافقة على دخول هذا الامتحان.
تبقَّى من الوقت الطبيعي للحياة بضعة أيام قليلة، ولا أدري في حياتنا بضعة أيام قد تمر سنوات علينا أو تمر كأنها دقائق.
وبدأت في تجميع وتلخيص ملخصات قد لخصها لي بعض زملائي المخلصين، واستجمعت قواي العقلية في حفظ وفهم مواد أدبية علمية.
ولكن تلك الليلة تختلف، لا ينبغي السهر للمذاكرة، بل ينبغي الذهاب للنوم في نفس مكان المذاكرة ذاته، وما الغريب! فمكتب مذاكرتي هو سرير نوم وطاولة أكل، وكافٍ أيضاً للتسامر مع رفقائي، وأيضاً مكان استخلاف الله لي، فأنا الآن أعيش في الأرض.
فالصباح يختلف، فهو صباح ليلة ترحيلي من مكان لمكان آخر قريب من الكلية، وأنا الآن أقوم بإعطاء الأوامر لعيني كي تحجبان رؤيتي لمكان مغلق كثيراً ما أحببته، وقليلاً ما نفرت منه، أتذكر ليلتي هذه العام الماضي، وما الفرق يا ترى، فالغد امتحان يشابه ما سبق، فالفارق الوحيد الذي عايشته وربما لم أشعر به السرير فقط.
استيقظت مبكراً، أنتظر من يناديني باسمي كاملاً حتى أذهب معه في مشهد شبه درامي يمتلئ بدعوات وسلامات أصدقائي ورفاقي لي، متمنين لي النجاح والتوفيق وتيسير الأمور. وبالفعل تمرُّ عدة دقائق وأسمع اسمي الرباعي يُنادى بواسطة شخص ما، لا أعرفه، ربما يكون طيباً أو غليظاً في معاملته لي، كل ما أعرفه أنه يربط يدي بيده ليصطحبني في جولة لمكان آخر بواسطة سيارة زرقاء.
أما الآن بدأت الرحلة، أمامي شباكان وخلفي توأمهما، أنتقل من واحد للآخر لرؤية ما لم تره عيناي منذ شهور طويلة، رغم أن مساحة الشباك لا تتعدى الـ50 سم، ولكنني أرى الناس والشوارع والمعمار، وبدأت تسألني نفسي عن شعورها الآن، وبدأ يهمس صوتُ عقلي في أذني، ويردد ويؤكد لي أن حجم الدنيا والناس صغير جداً لا يساوي حتى البعوضة.
ودخلت رحلتي في محافظة أخرى، وأوشكنا على الوصول، وبدأ عقلي بالاندهاش عن طريق ملامح عيني التي ترى من بعيد مكان دراستي وزملائي، وبدأت نفسي تصرخ بصوت صامت، ما هذا؟ أين أنا؟ لماذا ليس لي الحق أن أكون وسط زملائي الآن في مكان دراستنا؟ أو يكونون هم معي في رحلتي، ولكن هل هي رحلتنا أم رحلتي أنا فقط، رحلتي التي انتهت بانتهاء سير عجلات السيارة التي فتح سائقها بابها لي، في مشهد يشبه أفلام السينما العربية، عندما يفتح السائق باب السيارة للبرنسيسة التي ترتدي ملابسها البيضاء، ولكن الاختلاف هنا في كل شيء عدا الملابس البيضاء.
مكان جديد وتجربة جديدة أدخلها، بعدما نبه عليَّ أن الأدب والاحترام شيء ضروري حتى تمرَّ أيامي على خير.
اصطحبني شخص ما، يشبه الذي اصطحبني قبل مجيئي، حتى همس عقلي وأذني بما رأت عيني من أشخاص تتلون ملابسهم وأرواحهم وكلامهم، وبعد ثرثرة كثيرة بلا جدوى ها أنا في مكان آخر مع أناس غير الناس، يرحبون بي، يقدمون لي بعض الطعام المتواضع، يسألونني لماذا ومن أين جئت؟ فعلموا أني جئت من مكان آخر يشبه مكانهم لطلب العلم وحضور امتحاناتي.
وبكثير من الضحك وقليل من الثرثرة، مرة أخرى استجمعت قواي العقلية لحفظ وفهم مواد أدبية علمية، وتذكرت وصايا أمي لمواصلة مذاكرتي.
في نفس الصباح يأتي اسم رباعي على لسان رجل آخر اصطحبني إلى امتحاني الأول في مكان مغلق كالعادة.
وانتهى اليوم بالنسبة لي عندما تقابلت مع ورقة أسئلة امتحاني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.