الأصل أن تكون الصداقة مبنية على الصدق والاحترام والمحبة، وذلك استجابةً لدعوات ديننا الحنيف في هذا المضمار، وعليه فقد أشارت مواضع وأحداث كثيرة في القرآن والسنة إلى مسألة الإخاء والصداقة الحقة بين المؤمنين.
ولعل من أعظم وأطهر صور الصداقة التي عرفتها البشرية، هي صداقة رسولنا الحبيب مع الصدّيق أبي بكر، ليس هذا فحسب؛ بل إن نبيّنا المصطفى دعا إلى الصداقة الصحيحة بين الأمة، على أن يكون أساسها طاعة الله في كل شيء، وأن تكون سليمة وصحيحة وواضحة، خالية من الكذب والنفاق والخوض في ذمم الآخرين، وبيّن أن الصداقة إمّا أن تحمل أصحابها وتقربهم من الجنة، وإما العكس فتأخذهم نحو جهنم والعياذ بالله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَاحِب إِلاَّ مُؤمناً، وَلا يَأْكل طَعامك إِلا تَقِيّ".
بالطبع الأساس أن تكون الصداقة كما ذكر، انطلاقاً من حُسن الخُلق الذي دعانا أن نتجمّل به ديننا الحنيف، وأن نُجمّل به نفوسنا، ولكن على ما يبدو فإن الصداقة شأنها شأن الكثير من الأمور في حياتنا التي اختلط بها علينا الحابل بالنابل، فلم نعُد نميّز بين هذا وذاك، الأمر الذي كلفنا الكثير في بعض الأحيان، أي أن اختياراتنا لبعض الأصدقاء التي تكون مبنية في الوهلة الأولى إمّا على موقف معين أو ما شابه ذلك، تكون في كثير من الأحيان غير صائبة وبالتالي تعمل على نفورنا من بعضنا البعض، الأمر الذي يسهم في التفرقة ويُبعد الناس عن بعضهم، وبالتالي تسود المصلحة بشكل كبير في العلاقات بين البشر كما هو عليه الحال الآن، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فهناك دعاة المقولة الدارجة في هذه الأيام "صاحبك هو جيبك"، أي أن المال هو الصاحب الحقيقي للإنسان، وهذه أيضاً مقولة خاطئة يواجهها البعض بشعار الجنة "والتي هي السعادة بحد ذاتها"، "من غير ناس ما بتنداس"، أي لا بد من وجود علاقات بين البشر تحمل في ثناياها الطيبة والصدق والمحبة، والتي هي بمجملها تُمثل أسس أخلاق المسلمين.
فالصداقة كالمحيط، واسعٌ مترامي الأطراف، وفي نفس الوقت عميق، أي أن الصداقات بين الناس يجب أن تكون واسعة ومبنية على الاحترام، وفي نفس الوقت أن تكون عميقة، عُمقها يلامس الروح لا أن تكون هشَّة، ككلمة ساقطة من شخص ساقط تُسقطها؛ لذا فمن الواجب على كل شخص فينا أن يتدبر أموره، ويفحص ويتمحص صداقته علَّه يحافظ على الصالح منها، ويعالج الطالح فيها، إن أمكن، أو يُبعدها ويقطعها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.