العاصمة الجديدة.. بين مَن صنع الميسترال ومَن اشتراها

ولو بحثنا في إجمالي عدد المدن لوجدنا أن 5 مدن مصرية فقط هي الاكثر حظا وشهرة، وأما من حيث نسبة الإشغال فلن يزيد الأمر عن مدينتين، أما باقي العدد فهو أشبه بمدن الأشباح؛ لعدم اكتمال نموها وخدماتها، وعدم ربط طرقها بالمدن الرئيسية بشكل مباشر في المحافظات.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/27 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/27 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش

فرنسا التي صنعت الرافال والميسترال، وبكل ما تملك من فجور اقتصادي وحق الفيتو في مجلس الأمن الذي حصلنا على عضويته غير الدائمة لعامين فأقمنا الأفراح والليالي الملاح، تلك الدولة "قليلة الحيلة"، عندما شرعت في بناء 9 مدن عمرانية جديدة، وجدت أن العدد كبير، فقررت تخفيضه إلى 5 مدن فقط حتى تستطيع أن تكمل نموها على أكمل وجه، ثم تبدأ بعد ذلك في توسيع العدد.

في النسخة المصرية من المدن العمرانية، بدأت مصر في إنشاء 22 مدينة جديدة دفعة واحدة دون تخطيط أو رؤية واضحة، فكان المطلوب أن تصل الخدمات إلى المواقع مع إنشاء بعض العمارات ليأخذ المكان لقب "مدينة عمرانية جديدة"، ثم نفكر بعد ذلك في تسكين المواطن.

ولك أن تتخيل أن مدينة السادس من أكتوبر الأكثر جذباً للسكان في المدن الجديدة تغير مكان إنشائها ثلاث مرات؛ الأولى كانت بالقرب من الأهرامات، فاكتشف الباحثون أنها منطقة أثرية، فتراجعوا بها قليلاً ليكتشفوا أن المكان الجديد منطقة صخرية لا تصلح للبناء، فتراجعوا ثانية، ثم اكتشفوا أن خط الغاز الرئيسي سيمر من قلبها، فلم يتراجعوا هذه المرة، وقرروا بناء المدينة الجديدة، عملاً بمبدأ " التالتة تابتة".

ولو بحثنا في إجمالي عدد المدن لوجدنا أن 5 مدن مصرية فقط هي الاكثر حظا وشهرة، وأما من حيث نسبة الإشغال فلن يزيد الأمر عن مدينتين، أما باقي العدد فهو أشبه بمدن الأشباح؛ لعدم اكتمال نموها وخدماتها، وعدم ربط طرقها بالمدن الرئيسية بشكل مباشر في المحافظات.

تكلفة تلك المدن حتى عام 2008 بلغت 100 مليار جنيه مصري وقت أن كان الدولار يساوى ثلاثة جنيهات، وبالتأكيد فإن تلك المدن لها ميزانية خاصة من وزارة الإسكان التابع لها هيئة المجتمعات الجديدة، ويتم صرف تلك الميزانية بشكل مستمر ومتنامٍ سنوياً حتى الآن، مثلها في ذلك مثل المحليات، غير أن كل جهة لها هيئة أو وزارة خاصة، فالمحليات تابعة للتنمية المحلية، وأجهزة المدن الجديدة تابعة لوزارة الإسكان، وهو ما يجعل التكلفة تتجاوز ذلك بكثير جداً، لكن لا نعلم أين يتم صرفها إذا كانت المدن الجديدة مثل الكهوف المهجورة والمدن القديمة أشبه بالمستنقعات.

ولا نعلم أيضاً لماذا لم يتم تسليم تلك المدن الجديدة إلى المحليات حتى اليوم عملاً بالمادة 50 من القانون 59 لسنة 79 الخاص بإنشاء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التي تقضي بأن تؤول تلك المدن إلى المحليات بعد تمام نموها؟ وهو ما لم يحدث ولم تسلم المدن الجديدة إلى المحليات وفقاً للقانون بل إن ثورة يناير/كانون الثاني قضت على مشروع الشركة القابضة التي "افتكسها" بعض رجال الأعمال لإدارة المدن الجديدة، وربما يعني ذلك أن المدن الجديدة لم تكتمل بعد، فتم تأجيل تسليمها حتى اكتمال نموها، ولا نعلم متى تكتمل.

هذا الأمر يجعلنا نفكر في اتجاه الحكومة إلى إنشاء المزيد من المدن دون إنهاء مدنها (الجديدة – القديمة)، بل وتفكيرها في إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، فهل الأمر مجرد "شو إعلامي" لتسليط الضوء على الكم الذي يقوم به النظام من مشروعات؛ ليأخذ اللقطة الأولى اعتماداً على ذاكرة المصريين اللولبية؟!

ما يؤكد هذا التوجه أن النظام كان لديه بدائل كثيرة لإنشاء عاصمة جديدة بتوسيع أي من المدن القائمة بالفعل، وتوصيل كامل المرافق إليها، وتخصيص جزء منها للجانب الإداري، أو إذا كانت العاصمة إدارية فقط فكان يمكنه التوسع في القرية الذكية مثلاً بما تملك من إمكانيات رائعة، ومكان هو الأنسب لهذا المشروع، وذلك بعيداً عن فكرة "اللقطة" التي يستخدمها هذا النظام في مشاريعه، ومن ثم تخفيض التكلفة أكثر من 70% من تكاليف إنشاء عاصمة جديدة.

توجهوا إن شئتم إلى قِبلتكم التي استوردتم منها الرافال والميسترال، واستوردوا منها الفكرة التي جعلتها تقلص عدد المدن من أجل إرضاء شعبها، إذا كان رضا الشعب هو غايتكم.. وأشكّ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد