هل لديهن فعلاً شَعرٌ طويل؟

الخرطوم اليوم لا تشبه غيرها كمصر مثلاً، التي أثار الحجاب بها جدلاً مجتمعياً لسنوات، أما هنا فهو قانون كامل، يحاسب من يخالفه بالجلد والغرامة، ويتم تحديد مخالفة العرف المجتمعي والذوق العام من أصغر ضباط الشرطة رتبة

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/27 الساعة 02:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/27 الساعة 02:49 بتوقيت غرينتش

هكذا أطلَقَها أخي وأفواهنا تنطق دهشة، ونحن ننظر صوب فتاةٍ تضع خمارها على كتفها، ويظهر شعرها كاملاً، وليس مجرد خصلات ضلَّت الطريق خارج خمارها من قماش البوليستر، قد تكون مثل هذه القصص غريبة للغاية على البعض، خصوصاً الأصغر منا سناً، أعنى الذين لم يكملوا العقل، في نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة، في السودان بلدي.

ولكنه كان واقعاً معاشاً بالنسبة لنا، وكل المشاهد على شاشات التلفاز تملؤها خمارات ملونة بألوان باهتة، صناعة آخر مصانع النسيج السودانية، كان الفخر بها وبمنظر الدولة الإسلامي حينها فخراً آخر.

السودان وقتها يعيش حربه الدامية "الدائمة"، فلا خطاب يعلو فوق أبواق الحرب، ولم تستثنِ تلك الحروب المرأة في البناء الإسلامي للدولة، فظهرت "أخوات نسيبة"، الاسم الحركي لفتيات الحركة الإسلامية في السودان، يحملن ما ثقل من أسلحة الكلاشنكوف في التقديم والتشجيع للحرب الدائرة في جنوب البلاد.

وكيف لا أتذكر سهرنا برفقة بنت خالتي وهي تخيط خطوة -فتحة أسفل الاسكريت- اسكريتها الجينزي، بعد تنبيه الشرطي لها صباحاً، كانوا يفعلون ذلك عندما يفرغون من حملات "الكشة"، وإرسال الشباب لمعسكرات الخدمة الإلزامية، ينبهون المارّة بما يجب لبسه وفعله.

فلا أحد يريد لفتاة صغيرة أن تكون مثل "الشيمة"، ذلك المسلسل الذي تتعرض بطلته لبعض المشكلات الأخلاقية في دراستها الجامعية، وسط أهوال وأدغال المدينة الكبيرة، كأنهم وقتها يقولون لا تصبحوا الشيمة، فالشيمة انتهت بها الحياة بموتة شنيعة، وهو مصير كل فتاة لا تتبع أخلاقيات المجتمع المفروضة من قبل الدولة في ذلك العقد، والشيمة التي تعني الدوامة التي تظهر في الأنهار اختلفت عن زميلاتها ذوات الخمارات الكبيرة، فأحبت قليلاً وسهرت حتى تنتهى قصتها بالموت.

قرابة الـ20 عاماً مرَّت على ذلك المسلسل الذي تظهر فيه عوالم ذلك العصر الإنقاذي على فتيات الجامعة وأزيائهن، بملابس واسعة وخمار أوسع يظهر بينهن التشابه الشديد.

أما اليوم في الخرطوم والمدن الكبيرة فقد أصبح شكل فتاة حاسرة الرأس اعتيادياً في المناسبات العامة والأفراح، ولكن بالنسبة للكثيرين يجب أن يتواجد الخمار بالقرب دائماً، والقرب شنطة اليد التي تختنق بخمار يسهل الوصول إليه في أسرع الأوقات من أجل التغطية.

لكن الخرطوم اليوم لا تشبه غيرها كمصر مثلاً، التي أثار الحجاب بها جدلاً مجتمعياً لسنوات، أما هنا فهو قانون كامل، يحاسب من يخالفه بالجلد والغرامة، ويتم تحديد مخالفة العرف المجتمعي والذوق العام من أصغر ضباط الشرطة رتبة، فيحكم بموافقته عليه أو عدمها، وتقدم للمحاكمة بذلك الأساس المجحف للقاضي، ليحكم بالجلد أو بالسحن إن اقتضى الأمر، ينطقها القانون هكذا "مخالفة الذوق العام" في الملبس.

ورغم المحاولات المستميتة للنشطاء والأحزاب السياسية في إلغاء تلك القوانين، إلا أن كل تلك المحاولات كانت معزولة، فما زرع في سنوات لا يمكن اقتلاعه بسهولة، وإن عدلت القوانين فمن يعدل عقليات مجتمع بالكامل يمارس عقوباته على المعارضين له، بغير كسكتة (طاقية) البوليس.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد