ما من شيء أسهل من الحكم على الآخرين.. فالجميع يقوم بذلك.
يوم الجمعة الماضي، ذهبنا لتناول الطعام في مطعم ويندي. وكانت أمامنا امرأة على عجلة من أمرها، في انتظار تقديم الطعام إليها، بينما كان هناك رجل كبير في السن، يحاول طلب وجبة "برغر بابا" والتي يقدمها مطعم إيه آند دبليو، الموجود في الجهة المُقابلة من الشارع.
وبينما كان العاملون بمطعم ويندي يفتحون ماكينة كاشير جديدة، صاحت تلك المرأة في الرجل بغضب قائلة إن مطعم إيه آند دبليو موجود في الجهة المُقابلة من الشارع، وإن هذا المطعم هو مطعم ويندي.
كان صوت غضبها والإحباط الذي تشعر به عالياً. وكنت أنا بدوري منزعجة من نفاد صبرها أمام ذلك الرجل الكبير. وبدا لي وكأن الرجل قد نجح في تجاهلها تماماً.
صادفت من قبل العديد من الأشخاص عديمي الصبر، ممن لا يتركون مجالاً ومساحة لكبار السن كي يشعروا بالقليل من الارتباك والخلط بين الأشياء. وكان الأمر يسبب لي الإزعاج صدقاً.
سنصل بدورنا حتماً إلى تلك الحالة، إذا بقينا على قيد الحياة حتى نصل لذلك العمر.
إضافة إلى ذلك، كَوني أرعى والدتي المُنهكة التي تشعر دائماً بالارتباك، دائماً ما أحاول إظهار تعاطفي مع كل من في مثل حالتها، وأساعدهم في حيرتهم. فبالنسبة إلي، صب الغضب عليهم لا يُعد الرد المُناسِب. أبداً.
انتهى بنا الأمر عند ماكينة الكاشير التي كان يقف عندها الرجل بعد أن تحرك، بينما كانت المرأة الأخرى لا تزال تطلب طعامها.
عادةً عندما أشعر بالغضب، يمكنني أن أسخر ممن أمامي. لا أفخر بفعل ذلك، إلا أنه يخرج مني عفوياً.
فأخبرت المرأة التي تقف خلف الكاشير، بصوت عال حتى تسمعني المرأة الأخرى، "سأحصل على برغر ماما".
فقالت لي أنهم لا يقدمون ذلك الصنف. فضحكت وأخبرتها أنني أمزح فقط.
وعند ذهابي لاستلام الطعام، كانت المرأة الأخرى أمامي بالفعل. وأخبرتني أنها لا تظن أن ما قُلته كان مُضحكاً.
كانت تظن أنني أسخر من الرجل الكبير. (فمن الواضح أنها لم تفهم أن الدعابة التي قلتها كانت موجهة لعدم صبرها وصراخها في وجه الرجل).
أخبرتني بدرجة السوء الذي جعلت الرجل يشعر به. (وكنت أعلم أن ذلك غير مُمكن لأنه كان قد رحل من المنطقة بأكملها. فلم يسمعني غيرها).
بكل صراحة، انتابني الشعور بالفضول تجاه اهتمامها بما يشعر به الرجل. فقد بدا لي ذلك الشعور مُتناقضاً مع تصرفاتها معه.
فسألتها عن السبب الذي جعلها تظن بأن ما قلته جعل الرجل يشعر بالسوء.
فأرادت مني أن أخبرها بما كنت سأشعر به إن كنت رجلاً في السادسة والسبعين من عمره، ويشعر بالارتباك، ثم جاء أحدهم وسخر مني.
ما هذا؟ هل تعلم عمره بالتحديد؟
سألتها عن كيفية معرفتها بتلك المعلومات عن الرجل، فأخبرتني، "إنه والدي".
لم يظن أحد من الحاضرين للواقعة أنهما أتيا سوياً. فقد كان كل ما رأيناه أمامنا، هو شخص منفصل، يعامل شخصاً آخر كبيراً في السن بطريقة قاسية وغير لطيفة، ويشعر بالغضب لأن المطعم اضطر إلى فتح ماكينة كاشير جديدة. وقد وصلنا عندما كان تبادل النقود يحدث بالفعل.
لم أخبرها بأي من هذه الأشياء. إذ أنني إن قمت بذلك، فسيكون في الواقع شعوراً داخلياً لذاتي، التي تحاول تبرير التصرفات السيئة التي قمت بها. ولن يعود عليَّ بأي فائدة، إلا شعورها هي بالسوء.
ما إن سمعت بأنه والدها، أدركت أنها لم تكن امرأة حمقاء، وأن الكثير من التفاصيل تكمن وراء تلك القصة. فلم يكن شعورها بالغضب نابعاً من عدم صبرها، وإنما كان من خوفها عليه.
اعتذرت منها عن عدم مراعاتي لوضعها وأحوالها. وكررت الاعتذار كثيراً.
سألتها إن كان والدها بخير. فقالت لي بغضب، "لا نعلم". حاولت أن أُوصِل إليها تفهُّمي وتشجيعي لها، بينما كانت تستلم طعامها وترحل.
اعتبرتها قاسية تجاه رجل كبير في السن.
واعتبرتني هي قاسية تجاه والدها.
وكلانا أخطأ في رؤيته..
بذلت قصارى جهدي للاعتذار منها. إلا أن الغضب دائماً ما يسيطر على شعورنا.
وكان هذا الموقف رسالة جيدة كتَذْكِرَة لي.
تتسبب بعض التصرفات التي يقوم بها الآخرون في قيامنا برد فعل، دون التفكير في الموقف.
مثل صياحها في والدها لشعوره بالارتباك. وردة فعلي بالحُكم عليها لغضبها عليه.
ومنذ أن تبادلنا أطراف الحديث ورحلت، وأنا أدعو لعائلتها كي تجد السند والعَوْن.
وبعدها، انتابني شعور مُلِحّ بأنني أضفت المزيد من الألم إلى ذلك الذي كانت تشعر به بالفعل. عندما نخفق في بعض المواقف، ينبغي علينا، إن كان مُمْكِناً، أن نصلح ما سببناه من أضرار قدر الإمكان، ونسامح أنفسنا، ونمضي في طريقنا.
فقد كان من المُمكن أن أنتصر لغروري بكل سهولة، لتبرير ما قمت به. إلا أنني، بدلاً من ذلك، حوّلت نقطة اهتمامي وتركيزي، إلى محاولة فهمها ووضع نفسي مكانها.
ويبقى السعي لمُحاولة فهم الآخرين، الوسيلةَ الأكثر فعالية في صندوق العدة الذي يحتوي على الأفعال الخاصة بنا كبشر. سواء كان ذلك مع العائلة، أو الأصدقاء، أو الأشخاص الذين نعمل معهم، أو حتى الأشخاص الغرباء تماماً.
فليحتمل فضولك احتمالية وجود بعض المخاوف الدفينة التي لا تظهر على الملأ. حاول نشر الرحمة والعطف، بديلاً عن رغبتك في الإثبات لذاتك المغرورة بأنك على حق. ولن تندم على ذلك أبداً.
وليكن يومك طيباً!!
هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكندية من "هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.